(الصفحة 285)
اليد بالنسبة إلى أحدهما ولا ما هو بمنزلة اليد ، فاللاّزم الحكم بكون المورد ممّا لا يد لأحدهما عليه .
ثانيهما: ما إذا رجع تصديقه إلى أنّها لهما بمعنى اشتراكهما فيها ، وفي هذا الفرض يكون بمنزلة ما تكون في يدهما; بناءً على ما عرفت من التسالم المذكور فيما لو أقرّ ذو اليد بكون ما في يده ملكاً لغيره المدّعي .
الصورة الثالثة: ما لو صدّق أحدهما لا بعينه ، ونفى في المتن البعد عن الرجوع إلى القرعة ، وأنّ من خرجت له القرعة حلف .
أقول: أمّا الرجوع إلى القرعة; فلأنّها لكلّ أمر مشكل بالإضافة إلى حقوق الناس ، كما حقّقناه في بحث القرعة ، وهنا لا طريق لتشخيص الأحد المقرّ له غير القرعة . وأمّا لزوم الحلف بالإضافة إلى من خرجت له القرعة; فلأنّ من خرجت له القرعة يصير مقرّاً له متعيّناً ، وقد عرفت أنّ المقرّ له في هذه الصورة يصير منكراً حسب تسالم الأصحاب ، والمنكر عليه اليمين . وفي الحقيقة القرعة طريق للوصول إلى تشخيص المنكر لا المالك الواقعي ، فاللاّزم الحلف على من خرجت له القرعة .
الصورة الرابعة: ما لو كذّب من تكون العين بيده كلا المتنازعين وقال: هي لي ، وفي هذه الصورة يكون ذو اليد بنفسه منكراً وكلا المتنازعين مدّعيين ، ولكلّ منهما عليه الحلف بمقتضى قاعدة المدّعي والمنكر التي عرفتها .
الفرض الرابع: ما لو لم تكن العين المتنازع فيها في يد المتنازعين ولا في يد غيرهما ، كما إذا كانت العين في بَرّ مثلا ، ولم تكن هناك بيّنة لأحدهما ولا لغيرهما . استقرب في المتن الاقتراع بينهما أي من دون لزوم الحلف ، والوجه في الاقتراع ما عرفت من أنّه لا طريق لتشخيص المالك غير القرعة ، ولا يكون في دليلها إشعار إلى الحلف أصلا .
(الصفحة 286)مسألة 5: إذا ادّعى شخص عيناً في يد آخر ، وأقام بيّنة وانتزعها منه بحكم الحاكم ، ثمّ أقام المدّعى عليه بيّنة على أنّها له ، فإن ادّعى أنّها فعلا له وأقام البيّنة عليه تنتزع العين وتردّ إلى المدّعي الثاني ، وإن ادّعى أنّها له حين الدعوى وأقام البيّنة على ذلك ، فهل ينتقض الحكم وتردّ العين إليه أو لا؟ قولان ، ولا يبعد عدم النقض1.
نعم ، ربّما يقال بأنّ الرجوع إلى القرعة إنّما هو فيما إذا امتنعا جميعاً عن الحلف ، وإلاّ فاللاّزم أوّلا هو الحلف خصوصاً مع ملاحظة موثقة سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: في كتاب عليّ (عليه السلام): إنّ نبيّاً من الأنبياء شكى إلى ربّه فقال: ياربّ كيف أقضي فيما لم أر ولم أشهد؟ قال: فأوحى الله إليه: احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي ، فحلّفهم به . وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة (1) .
ولكن الظاهر عدم كون الرواية ناظرة إلى عدم إمكان تحقّق القضاء بغير البيّنة واليمين ، خصوصاً مع احتمال كون الاقتراع مذكوراً في كتابه تعالى في ذلك الزّمان ، فتأمّل .
وأمّا احتمال التنصيف نظراً إلى ما ورد في درهم الودعي ، فردّ عليه أنّه لا دليل على الغاء الخصوصيّة عن مورد الوديعة ، فالأقرب كما في المتن هو الاقتراع .
1 ـ أمّا انتزاع العين من زيد والردّ إلى المدّعي الثاني وهو عمرو; فلأجل أنّ الدعوى الثانية دعوى آخر ، ولا تعارض بين البيّنتين في هذه الصورة بعد ادّعاء المدّعي الثاني ثبوت الملكية له بالفعل; لإمكان انتقالها إليه بعد ما لم تكن ملكاً له، كما هو غير خفيّ .
- (1) الكافي: 7 / 415 ح4 ، التهذيب: 6 / 228 ح550 ، الوسائل: 27 / 229 ، أبواب كيفيّة الحكم ب1 ح1 .
(الصفحة 287)
وأمّا الاختلاف في الفرض الثاني; فلتعارض البيّنتين وعدم إمكان اجتماعهما ، واللاّزم تقديم إحداهما على الاُخرى ، فعن الشيخ الطوسي (قدس سره): أنّه ينقض الحكم الأوّل(1); نظراً إلى أنّ المدّعي الثاني تعارض بيّنته مع بيّنة اُخرى ، وحيث إنّه تكون بيّنته بيّنة الداخل ، تكون متقدّمة على بيّنة الخارج وهي بيّنة زيد; لأنّ المفروض أنّ المال كان في يد عمرو .
وعن المحقّق في الشرائع(2) بعد النقل عن الشيخ الانتقاض، بناءً على القضاء لصاحب اليد ، أنّ الأولى أنّه لا ينقض أي الحكم الأوّل ، وتبقى العين في يد زيد الذي انتزعها من يد عمرو بحكم الحاكم ، والوجه في عدم النقض إمّا تقديم بيّنة الخارج وإمّا ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره)(3) من أنّ بناء الحكم على الدّوام للأصل المؤيّد بالحكمة وظاهر الأدلّة ، وإمّا أنّه لو سمعت بيّنته يلزم إمكان الحيلة بعدم إقامة البيّنة إلى ما بعد الحكم حتى يصير خارجاً ، وتقدّم بيّنته بناءً على تقديم بيّنة الخارج ، وإمّا أنّ بيّنة عمرو بيّنة الداخل; لأنّه يدّعي أنّ الانتزاع منه كان ظلماً فكانت العين بعد في يده ، فتقديم بيّنته إنّما هي لأجل كونها بيّنة الداخل .
وفي محكيّ المسالك(4) بناء المسألة على تقديم الداخل أو الخارج ، وأنّ المدار في الدخول والخروج على حال الملك أو حال التعارض ، واختار نفسه النقض بناءً منه على تقديم بيّنة الخارج ، وأنّ المدار على حال التعارض وكون عمرو خارجاً حاله; لأنّ المفروض أنّ العين في يد زيد .
- (1) الخلاف: 3 / 130 مسألة 217 و ج6 / 329 مسألة 2 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 897 ـ 898 .
- (3) جواهر الكلام: 40 / 416 ـ 417 .
- (4) مسالك الأفهام: 14 / 82 ـ 85 .
(الصفحة 288)
واستقرب السيّد في الملحقات بناء المسألة على تقديم بيّنة الداخل أو الخارج ، وأنّ المدار في الدخول والخروج حال الملك لا حال المعارضة ، قال: وهي وإن كانت حادثة متأخّرة عن بيّنة المدّعي إلاّ أنّها متعلّقة بالسابق ، وفي السابق كان المدّعي خارجاً; لكون العين في يد المدّعى عليه(1) .
والتحقيق: أن يقال: إنّه لا مجال للإشكال في حجّية بيّنة زيد في الدعوى الأُولى ، التي يكون هو مدّعياً فيها; لأنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، فإنّ المستفاد منه تقديم بيّنة المدّعي على يمين المنكر فضلا عمّا إذا لم يحلف أصلا ، وبسبب حكم الحاكم فصلت الخصومة وارتفع النزاع ، ولا تكون حجّية بيّنة المدّعي مشروطة بما إذا لم يأت المدّعى عليه بيّنة ولو في الأزمنة اللاحقة ، وإلاّ لا يجوز للحاكم الحكم; لعدم إحراز الشرط ، نعم فيما إذا أقام المدّعى عليه بيّنة في مقابل المدّعي في نفس الدعوى الاُولى ، وقع الكلام في تقديم بيّنة الداخل أو الخارج ، ومقتضى ما ذكرنا هو تقديم بيّنة المدّعي ، وسيجيء هذا البحث .
لكن المقام لا يكون من مصاديق ذلك البحث ، ومع تمامية الحكم وانتزاع الحاكم العين من المدّعى عليه إلى المدّعي لا يبقى مجال للعود إلى الدعوى الاُولى ، ولا يكون المقام مثل ما إذا ادّعى المدّعى عليه بعد الحكم عليه فسق الشهود ، أو مثل حجّة الغائب بعد الحكم عليه حيث إنّه على حجّته كما تقدّم(2) ، ضرورة أنّه ادّعى في الصورة الاُولى بطلان الحكم نظراً إلى ادّعائه فسق الشهود ، وفي الصورة الثانية وهي الحكم على الغائب كان الحكم متزلزلا من أوّل الأمر لعدم حضور الغائب ،
- (1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 127 ـ 128 مسألة 4 .
- (2) تقدّم في ص93 ـ 94.
(الصفحة 289)مسألة 6: لو تنازع الزوجان في متاع البيت سواء حال زوجيّتهما أو بعدها ففيه أقوال; أرجحها أنّ ما يكون من المتاع للرّجال فهو للرّجل كالسيف والسّلاح وألبسة الرجال ، وما يكون للنساء فللمرأة كألبسة النساء ومكينة الخياطة التي تستعملها النساء ونحو ذلك ، وما يكون للرجال والنساء فهو بينهما . فإن ادّعى الرجل ما يكون للنّساء كانت المرأة مدّعى عليها ، وعليها الحلف لو لم يكن للرجل بيّنة . وإن ادّعت المرأة ما للرجال فهي مدّعية ، عليها البيّنة وعلى الرجل الحلف ، وما بينهما فمع عدم البيّنة وحلفهما يقسّم بينهما . هذا إذا لم يتبيّن كون الأمتعة تحت يد أحدهما ، وإلاّ فلو فرض أنّ المتاع الخاصّ بالنساء كان في صندوق الرجل وتحت يده أو العكس يحكم بملكية ذي اليد ، وعلى غيره البيّنة ، ولا يعتبر في ما للرجال أو ما للنساء العلم بأنّ كلاًّ منهما استعمل ماله أو انتفع به ، ولا إحراز أن يكون لكلٍّ منهما يد مختصّة بالنسبة إلى مختصّات الطائفتين . وهل يجري الحكم بالنسبة إلى شريكين في دار أحدهما من أهل العلم والفقه ، والثاني من أهل التجارة والكسب ، فيحكم بأنّ ما للعلماء للعالم وما للتجار للتاجر ، فيستكشف المدّعي من المدّعى عليه؟ وجهان ، لا يبعد الإلحاق1.
وامّا في المقام فالحكم الأوّل تامّ لا إشكال فيه أصلا ، وقد عرفت أنّ حجّية بيّنة زيد لا تكون مشروطة بعدم وجود البيّنة على خلافها ولو للتالي ، فالأقوى ما أفاده في المتن من نفي البعد عن عدم النقض .
1 ـ في هذه المسألة مقامان:
المقام الأوّل: في تنازع الزوجين في متاع البيت من دون فرق بين بقاء الزوجية