(الصفحة 290)
حال المنازعة أو عدمها وارتفاعها حالها ، فنقول: إنّ في المسألة أقوالا مختلفة:
الأوّل: ما جعله في المتن أرجحها ، ولعلّه المشهور(1) ، بل عن بعض الكتب الإجماع عليه(2) ، وحكاه في الشرائع عن خلاف الشيخ(3)، وقال صاحب الجواهر (قدس سره):وقد سبقه إلى ذلك الإسكافي(4) ، ولحقه ابنا حمزة(5) وإدريس(6) وجمع كثير(7)(8)، غاية الأمر التخصيص في كلام بعضهم بحال الطّلاق ، ويدلّ عليه روايات متعدّدة:
منها: صحيحة رفاعة النخّاس، عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا طلّق الرجل امرأته وفي بيتها متاع ، فلها ما يكون للنساء ، وما يكون للرجال والنساء قسّم بينهما ، قال: وإذا طلّق الرجل المرأة فادّعت أنّ المتاع لها ، وادّعى الرجل أنّ المتاع له ، كان له ما للرجال ولها ما يكون للنساء ، وما يكون للرجال والنساء قسّم بينهما(9) .
والرواية وإن كانت واردة في مورد الطلاق ، إلاّ أنّ المقصود منه مطلق المفارقة ولو بالموت ، بل الظاهر عدم اختصاص الحكم بصورة المفارقة ، بل المراد ذلك وإن
- (1) بل ادّعاه الشهيد الأوّل في غاية المراد: 313 (مخطوط) .
- (2) كالشيخ في الخلاف وابن إدريس في السرائر .
- (3) الخلاف: 1 / 352 ـ 354 مسألة 27 .
- (4) حكاه عنه الشهيد الأول في غاية المراد: 313 (ط ق) والشهيد الثاني في المسالك: 14/136 .
- (5) الوسيلة: 227 .
- (6) السرائر: 2 / 193 ـ 194 .
- (7) شرائع الإسلام: 4 / 907 ، المختصر النافع: 285 ، تحرير الاحكام: 2 / 200 ، إصباح الشيعة: 535 ، الدروس: 2 / 110 ـ 111 ، رياض المسائل: 9 / 395 .
- (8) جواهر الكلام: 40 / 494 .
- (9) التهذيب: 6 / 294 ح818 ، الإستبصار: 3 / 46 ح153 ، الفقيه: 3 / 65 ح215 ، الوسائل: 26/ 216 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح4 .
(الصفحة 291)
كانت الزوجية باقية بعد ، كما أنّ عدم التعرّض في صدر الرواية لحكم ما يكون من متاع الرجال فقط لا يقدح بعد ظهور الرواية في ذلك، خصوصاً بعد التعرّض في الذيل له ، كما هو واضح .
ومنها: موثقة يونس بن يعقوب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة ، قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شيء منه فهو له(1) .
وعدم التعرّض أيضاً لحكم ما يكون من متاع الرجال فقط لا يقدح بعد وضوح استفادة حكمه من الرواية ، خصوصاً بملاحظة قوله (عليه السلام) في الذيل: «ومن استولى على شيء منه فهو له» الذي هو بمنزلة التعليل للحكم المذكور فيها ، ومرجعه إلى أنّ ذا اليد في الأمتعة المختصّة من الرجل أو المرأة واضح ، فيختصّ به، وفي الأمتعة المشتركة هو لكلاهما .
هذا ، ويحتمل قويّاً أن يكون الضمير في قوله (عليه السلام): «منه» في التعليل راجعاً إلى متاع الرجال والنساء ، لا أن يكون المراد إفادة ضابطة كلّية بالإضافة إلى مطلق الاستيلاء ، والمراد منه حينئذ أنّ ما يكون تحت استيلاء خاصّ منهما فهو للمتولّي ، فيرجع إلى الاستدراك الذي أفاده في المتن من أنّه إذا كان المتاع في مثل الصندوق الخاصّ بأحدهما يكون صاحب الصندوق ذا اليد، وإن لم يكن المتاع من مختصّاته .
ومنها: مضمرة زرعة، عن سماعة قال: سألته عن رجل يموت ما له من متاع البيت؟ قال : السيف والسلاح والرحل وثياب جلده (2) .
- (1) التهذيب: 9 / 302 ح1079 ، الوسائل: 26 / 216 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح3 .
- (2) التهذيب: 6 / 298 ح832 ، الوسائل: 26/ 215 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح2 .
(الصفحة 292)
قال في الجواهر: وقصور الدلالة عن إفادة تمام المدّعى صريحاً ـ كما ذكره جماعة ـ غير ضائر بعد اعترافهم بالظهور(1) .
الثاني: ما أفتى به الشيخ أيضاً في المحكي عن استبصاره(2) ، وهو أنّ متاع البيت للمرأة; نظراً إلى أنّها تأتي بالمتاع من أهلها ، ويدلّ عليه رواية عبدالرحمن بن الحجاج المرويّة بعدّة طرق فيها الصحيح والموثق ، وهي أنّه قال: سألني أبو عبدالله (عليه السلام) هل يقضي ابن أبي ليلى بالقضاء ثمّ يرجع عنه؟ فقلت له: بلغني أنّه قضى في متاع الرجل والمرأة إذا مات أحدهما فادّعاه ورثة الحيّ وورثة الميّت ، أو طلّقها فادّعاه الرجل وادّعته المرأة بأربع قضايا ، فقال: وما ذاك؟ قلت: أمّا أوّلهنّ: فقضى فيه بقول إبراهيم النخعي ، كان يجعل متاع المرأة الذي لا يصلح للرجل للمرأة ، ومتاع الرجل الذي لا يكون للمرأة للرجل ، وما كان للرجال والنساء بينهما نصفان ، ثمّ بلغني أنّه قال: إنّهما مدّعيان جميعاً ، فالذي بأيديهما جميعاً [يدّعيان جميعاً](3) بينهما نصفان .
ثمّ قال: الرجل صاحب البيت والمرأة الداخلة عليه وهي المدّعية ، فالمتاع كلّه للرجل إلاّ متاع النساء الذي لا يكون للرجال فهو للمرأة ، ثمّ قضى بقضاء بعد ذلك لولا أنّي شهدته لم أروه عنه(4): ماتت امرأة منّا ولها زوج وتركت متاعاً ، فرفعته إليه ، فقال: اكتبوا المتاع ، فلمّا قرأه قال للزوج: هذا يكون للرجال والمرأة فقد جعلناه للمرأة إلاّ الميزان ، فإنّه من متاع الرجل فهو لك ، فقال (عليه السلام) لي: فعلى أيّ
- (1) جواهر الكلام : 40 / 495 .
- (2) الإستبصار: 3 / 44 ـ 47 .
- (3) من الوسائل ، وفي التهذيب ج9: ممّا يدّعيان جميعاً ، وفي الإستبصار: ممّا يتركان .
- (4) في الكافي: لم أردّه عليه .
(الصفحة 293)
شيء هو اليوم؟ فقلت: رجع ـ إلى أن قال بقول إبراهيم النخعي: ـ أن جعل البيت للرجل .
ثمّ سألته (عليه السلام) عن ذلك فقلت: ما تقول أنت فيه؟ فقال: القول الذي أخبرتني: أنّك شهدته وإن كان قد رجع عنه ، فقلت: يكون المتاع للمرأة؟ فقال: أرأيت إن أقامت بيّنة إلى كم كانت تحتاج؟ فقلت: شاهدين ، فقال: لو سألت من بين لابتيها ـ يعني الجبلين ونحن يومئذ بمكّة ـ لأخبروك أنّ الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها ، فهي التي جاءت به وهذا المدّعي ، فإن زعم أنّه أحدث فيه شيئاً فليأت عليه البيّنة(1) .
ثمّ الظاهر عدم تعدّد رواية عبد الرحمن بن الحجاج ، وإن كانت الطرق متعدّدة والعبارات مختلفة ، خلافاً لما يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) من التعدّد(2) ، كما لا يخفى ، وخلافاً لما صرّح به السيّد في الملحقات من أنّ له صحاحاً ثلاثة ، وأنّ استثناء الميزان إنّما وقع في بعضها ، والمراد منه مطلق مختصّات الرجل خصوصاً مع ملاحظة التعليل(3) ، كما لايخفى .
وقد وقع في رواية الصدوق التي رواها في الوسائل في هذا الباب قوله: وقد روي أنّ المرأة أحقّ بالمتاع; لأنّ من بين لابتيها يعلم أنّ المرأة تنقل من بيتها المتاع(4) . والظاهر أنّ مراده هي هذه الرواية ، ولكن الصدوق حملها على متاع النساء وما
- (1) الكافي: 7 / 130 ح1 ، الإستبصار: 3 / 44 ـ 45 ح149 ـ 151 ، التهذيب: 6 / 297 ـ 298 ح829 ـ 831 وج9 /301 ح1087 ، الوسائل: 26/ 213 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح1 .
- (2) جواهر الكلام: 40 / 495 ـ 496 .
- (3) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 141 ـ 142 .
- (4) الفقيه: 3 / 65 ح216 وفيه: تنقل إلى بيت زوجها ، الوسائل: 26 / 216 ، أبواب ميراث الأزواج ب8 ح5 .
(الصفحة 294)
يصلح للرجال والنساء .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ هذه الرواية لا تنطبق على المدّعى مع الاشتمال على الميزان ، الذي اُريد به مختصّات الرجال مطلقاً، فتدبّر جيّداً .
الثالث:ما أفتى به الشيخ في محكي المبسوط(1) ، وتبعه العلاّمة في محكي القواعد(2) وولده في شرحها(3)، من أنّه إن لم تكن هناك بيّنة فيدُ كلّ واحد منهما على نصفه ، ويحلف كلّ واحد منهما لصاحبه كغير المتاع ممّا يتداعى فيه اثنان مثلا وكان في أيديهما ، سواء كان ممّا يختصّ بالرجال كالعمائم والطيالسة والدّرع والسّلاح ، أو يختصّ بالنساء كالحليّ والمقانع ، أو ما يصلح لهما كالفرش والأواني ، وسواء كان الدار لهما أو لأحدهما أو لغيرهما ، وسواء كانت الزوجيّة باقية أو زائلة ، وسواء كانت يدهما عليه من حيث المشاهدة كعمامة أو خلخال ، أو من حيث الحكم وهو الكون في بيت يسكنانه ، وسواء جرت العادة بجهاز مثلها بقدره أم لا ، كلّ ذلك للعمومات الدالّة على أنّ البيّنة لمن ادّعى واليمين لمن ادّعي عليه ، من دون فرق في ذلك بين ما إذا كان المتنازعان الزوجين أو الوارثين أو أحدهما مع الآخر ، وفي الحقيقة لا تكون خصوصية للمقام ، بل يجري حكم غيره ممّا إذا وقع التنازع بالإضافة إلى ما في أيديهما معاً .
والظاهر أنّه لا مجال لهذا القول المبتنى على القاعدة العامّة ، وهي: ثبوت البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه; لوجود روايات خاصّة في المسألة ، وإن كانت متعارضة ولابدّ من علاجها ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى .
- (1) المبسوط: 8 / 310 .
- (2) قواعد الأحكام: 2 / 223 .
- (3) إيضاح الفوائد: 4 / 380 ـ 381 .