( صفحه 16 )
هذا، مضافاً إلى وجود روايتين ظاهرتين في الكراهة:
إحداهما: مرسلة ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار(1).
ثانيتهما: مرسلة الصدوق قال: روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: إنّما كره النظر إلى عورة المسلم، فأمّا النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار(2).
هذا، ولكنّ الظاهر إطلاق الحكم وشموله للنظر إلى عورة الكافر أيضاً; لثبوت الإطلاق للآية، وتوجيه الخطاب إلى المؤمنين والمؤمنات لا يقتضي الاختصاص، وهل يمكن الالتزام بعدم وجوب حفظ الفرج عن نظر الكافر؟
مع أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كتكليفهم بالاُصول(3) من دون فرق، وذكر المؤمن والمسلم والأخ في روايات الحمّام إنّما هو لأجل كونه مورداً للابتلاء نوعاً، مضافاً إلى عدم ثبوت المفهوم لها بحيث ينافي إطلاق الآية.
وأمّا الروايتان، فقد نوقش(4) فيهما بالإرسال أوّلا، وبإعراض الأصحاب عنهما الكاشف عن وجود خلل فيهما ولو مع العلم برواتهما ثانياً.
لكنّ المناقشة من حيث السند مدفوعة بأنّ الاُولى مرسلها ابن أبي عمير، الذي اشتهر اعتبار مراسيله، والثانية وإن كانت منسوبة إلى الرواية دون
- (1) الكافي 6: 501 ح27، وعنه وسائل الشيعة 2: 35، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب6 ح1.
- (2) الفقيه 1: 63 ح236، وعنه وسائل الشيعة 2: 36، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب6 ح2.
- (3) مجمع الفائدة والبرهان، 3: 236، ذخيرة المعاد: 563 س42، العناوين 2: 714، القواعد الفقهيّة للمؤلّف (قدس سره) : 323.
- (4) مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى 3: 5، مستمسك العروة الوثقى 2: 189.
( صفحه 17 )
الإمام (عليه السلام) ، إلاّ أنّ الظاهر عدم كونها رواية اُخرى، بل الظاهر أنّها بعينها هي مرسلة ابن أبي عمير رواها الصدوق من دون التعرّض لسندها بوجه.
وأمّا الإعراض، فالظاهر تحقّقه وكونه قادحاً في حجّية الرواية واعتبارها، ولكن ربما يقال(1): تارة: بعدم كون الإعراض موجباً لسقوط الرواية عن الحجّية، واُخرى: بعدم ثبوت موضوع الإعراض; وذلك لوجود طائفتين من الروايات في المقام، ومن الممكن أن يكون الأخذ بالطائفة الاُخرى ـ الدالّة على حرمة النظر إلى عورة الكافر ـ أيضاً لأجل رجحانها على هذه الطائفة من موافقة الكتاب والشهرة الفتوائيّة، لا لأجل الإعراض والمهجوريّة الكاشفة عن وجود الخلل فيها.
هذا، والظاهر أنّه لا مجال لإنكار موضوع الإعراض واحتمال عدمه أصلا; لأنّه على غير هذا التقدير لا تصل النوبة إلى الترجيح; لعدم المعارضة بين الطائفتين بعد كون قاعدة حمل المطلق على المقيّد مقتضية للجمع والخروج عن موضوع التعارض، فلولا الإعراض لكان اللاّزم تقييد الإطلاق وتخصيص الحكم بخصوص المسلم، وقد حقّق في محلّه(2) قدح الإعراض في الحجّية.
فالمرسلة وإن كانت معتبرة سنداً، ولكنّها مهجورة دلالة، فلا فرق بين المسلم والكافر من هذه الجهة، مع أنّ النسبة إلى الصدوق إنّما نشأت من نقله الرواية المذكورة، وإلاّ فهو لم يفت بخلاف الأصحاب صريحاً.
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 4: 323.
- (2) دراسات في الاُصول 2: 431 ـ 436، سيرى كامل در اصول فقه 16: 532 وما بعدها.
( صفحه 18 )
بقي الكلام في اُمور:
الأوّل: في المراد من العورة، وقد عبّر عنها في الآية بالفرج(1)، ويستفاد من الروايات الصريحة الواضحة أنّ المراد بها القبل والدبر، ولكن في بعض الروايات أنّها ما بين السرّة والركبة.
أمّا الطائفة الاُولى، فكثيرة:
منها: مرسلة أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: العورة عورتان: القبل والدبر، والدبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة(2).
ومنها: مرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : الفخذ ليس من العورة(3).
ومنها: ما عن محمد بن حكيم، قال الميثمي(4): لا أعلمه إلاّ قال: رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) أو من رآه متجرّداً وعلى عورته ثوب، فقال: إنّ الفخذ ليست من العورة(5).
وفي مقابلها رواية بشير النبّال قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الحمّام؟ فقال: تريد الحمّام؟ قلت: نعم، فأمر بإسخان الماء، ثمّ دخل فاتّزر بإزار، فغطّى
- (1) تقدّمت في ص9 ـ 10.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 374 ح1151، الكافي 6: 501 ح26، وعنهما وسائل الشيعة 2: 34، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب4 ح2.
- (3) الفقيه 1: 67 ح253، وعنه وسائل الشيعة 2: 35، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب4 ح4.
- (4) هو عليّ بن إسماعيل الراوي عن محمد بن حكيم.
- (5) تهذيب الأحكام 1: 374 ح1150، وعنه وسائل الشيعة 2: 34، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب4 ح1.
( صفحه 19 )
ركبتيه وسرّته ـ إلى أن قال: ـ ثمّ قال: هكذا فافعل(1).
ورواية الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) أنّه قال: إذا زوّج الرجل أمَته فلا ينظرنّ إلى عورتها، والعورة ما بين السرّة والركبة(2).
ولكن بشير النبّال ضعيف أوّلا، والعمل أعمّ من الوجوب ثانياً، والأمر بالفعل إنّما هو لأجل ذلك; أي الاستحباب، أو لرعاية الأدب كما لا يخفى.
والحسين أيضاً ضعيف، ويحتمل أن يكون المراد من عورة الأمَة ذلك، لا مطلق النساء ولا الرجال، وعلى تقدير ظهورها في التعميم يكون مقتضى الجمع بين الطائفتين هو الحمل على الاستحباب.
ويؤيّده رواية أبي بصير، عن أبي عبدالله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال: إذا تعرّى أحدكم نظر إليه الشيطان فطمع فيه، فاستتروا(3).
الثاني: في أنّ المحرّم في باب النظر إلى العورة، هل هو النظر إلى اللون، أو أعمّ منه ومن الحجم؟ فالمشهور على الأوّل(4)، وعن المحقّق الثاني، الثاني(5)، ودليل المشهور فهم العرف من الآية والرواية، وأنّ الحفظ والستر
- (1) الكافي 6: 501 ح22، وعنه وسائل الشيعة 2: 35، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب5 ح1.
- (2) قرب الإسناد: 103 ح345، وعنه وسائل الشيعة 21: 148، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء ب44 ح7.
- (3) تهذيب الأحكام 1: 373 ح1144، وعنه وسائل الشيعة 2: 38، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب9 ح2.
- (4) المعتبر 2: 95، قواعد الأحكام 1: 256 ـ 257، كشف اللثام 3: 232، جواهر الكلام 2: 3، ولم نعثر على مدّعي الشهرة، ولكن ادّعى عليه الإجماع في مستند الشيعة 4: 223.
- (5) جامع المقاصد 2: 95.
( صفحه 20 )
إنّما يتحقّق بستر اللون وترك النظر إليه فقط.
وقد استدلّ لهم أيضاً برواية رواها الصدوق بإسناده عن عبيدالله المرافقي في حديث، أنّه دخل حمّاماً بالمدينة فأخبره صاحب الحمّام أنّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يدخله، فيبدأ فيطلي عانته وما يليها، ثمّ يلفّ إزاره على أطراف إحليله ويدعوني فأُطلي سائر بدنه، فقلت له يوماً من الأيّام: إنّ الذي تكره أن أراه قد رأيته، قال: كلاّ إنّ النورة سترة (ستره خ ل)(1).
ومرسلة محمد بن عمر، عن بعض من حدّثه أنّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمّام إلاّ بمئزر، قال: فدخل ذات يوم الحمّام فتنوّر، فلمّا أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر، فقال له مولى له: بأبي أنت واُمّي إنّك لتوصينا بالمئزر ولزومه وقد ألقيته عن نفسك، فقال: أما علمت أنّ النورة قد أطبقت العورة(2).
ولكنّ الاستدلال بهما غير تامّ; لعدم العلم بكون النورة غير ساترة للحجم، كما لا يخفى.
الثالث: أنّه لا إشكال كما عرفت(3) في وجوب الستر مع العلم بوجود الناظر. وأمّا مع الشكّ فيه، فهل يجب الستر، أم لا؟ ذكر المحقّق الهمداني (قدس سره)
أنّ فيه وجهين: من جريان أصالة الإباحة، وعدم الوجوب الجارية في الشبهات الموضوعيّة، ومن أنّه ربما يقع في الحرام مع عدم التستّر،
- (1) الفقيه 1: 65 ح250، وعنه وسائل الشيعة 2: 53، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب18 ح1.
- (2) الكافي 6: 502 ح35، وعنه وسائل الشيعة 2: 53، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب18 ح2.
- (3) في ص10 ـ 11.