( صفحه 283 )
استثناء الوبر لا دلالة له بوجه على استثناء الحيوان بجميع أجزائه، حتّى عظمه ولحمه وروثه وأشباهه. نعم، لو كان الوبر متّصلاً بالجلد وملصقاً به نوعاً، يكون استثناؤه دالاًّ بالملازمة العرفيّة على استثناء الجلد أيضاً. وأمّا مع استقلاله وجواز أخذ الثوب من خصوصه ـ كما عرفت أنّه يستفاد ذلك من رواية سعد المتقدّمة ـ فلا ملازمة بين الاستثناءين.
وأمّا احتمال كونه ميتة، فعلى تقدير كونه حيواناً مائيّاً لا يعيش في خارج الماء، فالظاهر أنّه حينئذ لا يكون ممّا له نفس سائلة، وقد مرّ(1) في مبحث مانعيّة الميتة استظهار عدم كون الميتة من غير ذي النفس مانعة وإن احتاط فيها الماتن دام ظلّه.
وعلى تقدير احتمال تعيّشه في خارج الماء نقول: يدفع هذا الاحتمال صريح رواية ابن الحجّاج المتقدّمة(2)، ولا يبقى مجال له معها، والجمع بينها، وبين الرواية المذكورة ـ كما في الجواهر(3) ـ بحملها على إرادة أنّه لا يعيش خارج الماء زماناً طويلاً على تقدير صحّته، والغضّ عن عدم الشاهد عليه، لا ينافي
كون هذا المقدار الذي يعيش في خارج الماء غير قادح في ثبوت التذكية فيه، وموته خارج الماء وإن كان متأخّراً عن الخروج بمقدار قصير، كما لا يخفى.
مع أنّ تعارض الدليلين في مورد الاجتماع وإن كان يمنع عن الأخذ بأحدهما فيه بعد عدم ثبوت المرجّح، إلاّ أنّ تساقطهما فيه يوجب جواز
- (1) في 187 ـ 189.
- (2) في ص277.
- (3) جواهر الكلام 8 : 150.
( صفحه 284 )
الرجوع إلى الأصل العملي، وهو يقتضي البراءة عن المانعيّة في جلد الخزّ، فيصير الحكم هو جواز الصلاة فيه.
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الأقوى استثناء الجلد كالوبر وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه.
ثمّ إنّك عرفت(1) أنّ ظاهر عبارة القدماء من الأصحاب تقييد الخزّ المستثنى بكونه خالصاً في مقابل المغشوش بوبر الأرانب والثعالب وأشباههما، وقد وقع هذا التقييد في بعض الروايات.
وهي مرفوعة أيّوب بن نوح قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : الصلاة في الخزّ الخالص لا بأس به، فأمّا الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا، فلا تصلِّ فيه(2).
وعن المحقّق في المعتبر أنّه حكى عن جماعة من علمائنا انعقاد الإجماع على العمل بمضمونه(3). ولأجله لا يبقى موقع لرواية بشير بن بشّار قال: سألته عن الصلاة في الخزّ يغشّ بوبر الأرانب؟ فكتب: يجوز ذلك(4).
وقد حملها الشيخ (قدس سره) على التقيّة، ويمكن حملها على محامل آخر، وعلى تقدير عدمه لابدّ من أن تطرح.
- (1) في ص272.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 212 ح830 و 831 ، الكافي 3: 403 ح26، علل الشرائع: 357 ب71 ح2، وعنها وسائل الشيعة 4: 361، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب9 ح1.
- (3) المعتبر 2: 85 .
- (4) تهذيب الأحكام 2: 212 ح834 ، الاستبصار 1: 387 ح1471، الفقيه 1: 170 ح805 ، وعنها وسائل الشيعة 4: 362، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب9 ح2.
( صفحه 285 )
وبالجملة: فاعتبار هذا القيد في المستثنى ممّا لا إشكال فيه، إنّما الإشكال في تشخيص معناه، وأنّه هل يقدح في تحقّقه ما إذا كان المغشوش به شيئاً يسيراً غير معتدّ به، بل وما إذا كان مستهلكاً بحيث زالت حقيقته واستهلك في وبر الخزّ، أو لا يقدح فيه ذلك، أو يكون بين الصورتين فرق؟ وجوه واحتمالات.
وقبل ترجيح أحد الوجوه لابدّ من ملاحظة أنّ مقتضى كون الخطابات الشرعيّة واردة على طبق المفاهيم العرفيّة، وأنّه يجب الرجوع في تشخيص معاني العناوين المأخوذة في الأدلّة إلى العرف، هل هو الرجوع إليهم في المفاهيم ولو مع التسامح في مصاديقها، أو أنّ مقتضاه الرجوع إليهم في تعيين المفاهيم، والدقّة في التطبيق على المصاديق ولو كان على خلاف العرف.
فإذا ورد لفظ «المُدّ» مثلاً في دليل، فاللاّزم الرجوع إلى العرف في استكشاف معناه، فإذا فسّره بمقدار معيّن، فالواجب مراعاة ذلك المقدار من دون نقص; وإن كان العرف يتسامح في مقام التطبيق ويحكم بتحقّقه مع النقص عن ذلك المقدار بقليل؟ غير خفي أنّ الظاهر هو الوجه الثاني، وأنّه لا اعتبار في المسامحات العرفيّة أصلاً.
إذا عرفت ذلك فنقول:
الظاهر أنّ لفظ «الخالص» المأخوذ في لسان النصّ والفتوى، يكون المتفاهم منه عند العرف خلوّ الشيء عن غير حقيقته رأساً، بحيث إذا كان الخليط شيئاً يسيراً غير معتدّ به أيضاً، لا ينطبق عليه هذا المفهوم العرفي بالنظر الدقّي وإن كان يتحقّق بالنظر المسامحي، بل لا يبعد أن يقال بعدم
( صفحه 286 )
التحقّق في صورة الاستهلاك أيضاً، فإنّ الاستهلاك وإن كان موجباً لانعدام حقيقة المستهلك، ولا يتبيّن ولا يتميّز نوعاً، إلاّ أنّه لا يوجب بقاء المستهلك فيه على وصف الخلوص، بل يوجب زواله، فتدبّر.
هذا تمام الكلام في الخزّ.
وأمّا السنجاب، فقد وقع فيه الخلاف والإشكال، وقد نسب الجواز إلى الأكثر، خصوصاً بين المتأخّرين تارة(1)، وإلى المشهور اُخرى(2)، وإلى عامّتهم ثالثة(3)، بل في محكيّ الذكرى عن المبسوط: لا خلاف في جواز الصلاة في السنجاب والحواصل الخوارزمية(4).
والمحكي عن الصدوق ووالده، والشيخ في الخلاف المنع، وكذا حكي عن الحلّي في السرائر وجماعة من المتأخّرين ومتأخّريهم، بل عن الروض نسبته إلى الأكثر(5).
ويشهد للأوّل طائفة من الروايات:
كصحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الفرا والسمّور
- (1) منتهى المطلب 4: 218، الحدائق الناضرة 7: 68، وحكاه عن الأنوار القمريّة في مفتاح الكرامة 5: 448، وجواهر الكلام 8 : 158، وفي جامع المقاصد 3: 79، عليه عمل جمع من كبراء الأصحاب.
- (2) ذخيرة المعاد: 226 س16، مصباح الفقيه 10: 268.
- (3) رياض المسائل 3: 168، مستمسك العروة الوثقى 5: 321 ـ 322.
- (4) المبسوط 1: 82 ـ 83 ، ذكرى الشيعة 3: 37، وتقييد الحواصل بالخوارزميّة ليس في المبسوط، بل في الوسيلة: 87 وغيرها، كما أشار إليه في الذكرى أيضاً.
- (5) الفقيه 1: 170 ـ 171، الخلاف 1: 511 مسألة 256، السرائر 1: 262، كشف الرموز 1: 137 ـ 138، مختلف الشيعة 2: 93 ـ 94 مسألة 35، تذكرة الفقهاء 2: 470، المهذّب البارع 1: 319 ـ 321، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 553، مجمع الفائددة والبرهان 2: 100، مفتاح الكرامة 5: 451.
( صفحه 287 )
والسنجاب والثعالب وأشباهه؟ قال: لا بأس بالصلاة فيه(1).
وقد نقلها في الوسائل في باب آخر أيضاً بهذه الكيفيّة: عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سأله عن أشياء منها الفرا والسنجاب؟ فقال: لا بأس بالصلاة فيه(2).
فتوهّم أنّهما روايتان كما في المستمسك(3)، وأنّ اشتمال الاُولى على ما لا تجوز الصلاة فيه كالثعالب مثلاً، لا يمنع عن الاستدلال بالثانية الخالية عن ذكره، مع أنّه من الواضح: أنّهما رواية واحدة، وأنّ الأشياء المسؤول عنها في الرواية الثانية هي التي صرّح بها في الرواية الاُولى.
والمراد بالفرا إمّا ما يظهر من بعض اللغويّين من أنّه الحمار الوحشي(4)، وفي المثل السائر «كلّ الصيد في جوف الفرا»، وإمّا ما يقال له بالفارسية «پوستين»(5)، وعلى الأوّل: لا يكون من أفراد غير المأكول، وعلى الثاني ـ الذي هو خلاف ظاهر السياق ـ : يمكن أن يكون المراد به هو الفرو المتّخذ من المأكول، كما هو الغالب والشائع في الفرا، ويمكن أن يكون المراد
به مطلق الفرا.
وعليه: فتكون الأدلّة المانعة عن الصلاة في غير المأكول مخصّصة له. والمراد بكلمة «أشباهه»، إمّا ما يكون مشابهاً للمذكورات من حيث كونه
- (1 ، 2) تهذيب الأحكام 2: 210 ح825 ، الاستبصار 1: 384 ح1459، وعنهما وسائل الشيعة 4: 350، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب4 ح2، وص347 ب3 ح1.
- (3) مستسمك العروة الوثقى 5: 322.
- (4) معجم تهذيب اللغة 3: 2755، النهاية لابن الأثير 3: 422، لسان العرب 5: 103.
- (5) فرهنگ عميد: 2: 1517.