( صفحه 288 )
محرّم الأكل، وإمّا ما يكون مشابهاً لها من حيث إنّه يؤخذ الثوب من وبره.
وبالجملة: دلالة الرواية على الجواز في المقام ممّا لا إشكال فيه.
ومنها: صحيحة أبي عليّ بن راشد قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ما تقول في الفرا أيّ شيء يصلّى فيه؟ قال: أيّ الفرا؟ قلت: الفنك والسنجاب والسمّور، قال: فصلِّ في الفنك والسنجاب، فأمّا السمّور فلا تصلِّ فيه(1).
قال في الوافي: الفنك بالفاء والنون المفتوحتين، حيوان غير مأكول اللحم، يتّخذ من جلده الفرا، فروته أطيب أنواع الفرا(2). وقيل: نوع من جراء الثعلب الرومي(3)، وقيل: نوع من جراء الثعلب التركي(4)، وعن بعض أنّه
يطلق على فرخ ابن آوى(5). والسمّور كتنّور: حيوان ببلاد الروس وراء بلاد الترك، يشبه النمس، ومنه أسود لامع وأشقر(6).
ومنها: مرسلة مقاتل بن مقاتل قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة في السمّور والسنجاب والثعلب؟ فقال: لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب; فإنّه دابّة لا تأكل اللحم(7).
- (1) الكافي 3: 400 ح14، تهذيب الأحكام 2: 210 ح822 ، الاستبصار 1: 384 ح1457، وعنها وسائل الشيعة 4: 349، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب3 ح5.
- (2) الوافي 7: 401 ـ 402.
- (3) مجمع البحرين 3: 1417.
- (4) المصباح المنير: 481.
- (5) المصباح المنير: 481، مجمع البحرين 3: 1417.
- (6) الوافي 7: 403، المصباح المنير: 288.
- (7) الكافي 3: 401 ح16، الاستبصار 1: 384 ح1456، وعنهما وسائل الشيعة 4: 348، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب3 ح2.
( صفحه 289 )
ومنها: مكاتبة يحيى بن أبي عمران قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في السنجاب والفنك والخزّ وقلت: جعلت فداك اُحبّ أن لا تجيبني بالتقيّة في ذلك، فكتب بخطّه إليّ: صلِّ فيها(1).
ومنها: رواية بشير بن بشّار قال: سألته عن الصلاة في الفنك والفرا والسنجاب والسمّور والحواصل، التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام، أن اُصلّي فيه لغير تقيّة؟ قال: فقال: صلِّ في السنجاب والحواصل الخوارزميّة، ولا تصلِّ في الثعالب ولا السمّور(2).
والحواصل طيور ببلاد خوارزم يعمل من جلودها بعد نزع الريش مع بقاء الوبر ويتّخذ منه الفرا، وقد ينسج من أوبارها الثياب.
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالّة على الجواز في السنجاب(3).
ويدلّ على الجواز في خصوصه رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبدالله وأبا الحسن (عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها؟ فقال: لا تصلِّ فيها إلاّ فيما كان منه ذكيّاً. قال قلت: أوليس الذكيّ ممّا (ما خ ل) ذكّي بالحديد؟ قال: بلى، إذا كان ممّا يؤكل لحمه، قلت: وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال: لا بأس بالسنجاب; فإنّه دابّة لا تأكل اللحم، وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ; إذ نهى عن كلّ ذي ناب ومخلب(4).
- (1) الفقيه 1: 170 ح804 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 349، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب3 ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 210 ح823 ، الاستبصار 1: 384 ح1458، مستطرفات السرائر: 66 ح6، وعنها وسائل الشيعة 4: 348، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب3 ح4.
- (3) وسائل الشيعة 4: 348 ـ 350، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب3.
- (4) تقدّمت في ص206.
( صفحه 290 )
وقد تقدّم(1) اختلاف النقل في جملة «وما لا يؤكل لحمه...» في أصل البحث عن مانعيّة غير المأكول، فراجع.
وربما يناقش(2) في الاستدلال بهذه الروايات; بأنّ ما يدلّ منها على جواز الصلاة في خصوص السنجاب ـ كالرواية الأخيرة ـ لا يخلو من الضعف والجهالة والإرسال، وما يدلّ منها على جوازها فيه وفي غيره مشتمل على ما لا تجوز الصلاة فيه كالثعالب; حيث إنّه لا تجوز الصلاة فيها نصّاً(3)وإجماعاً(4).
مضافاً إلى أنّ موثقة ابن بكير المتقدّمة(5) الواردة في أصل بحث مانعيّة غير المأكول، قد ورد في موردها خصوص السنجاب وغيره، حيث إنّ السّؤال فيها إنّما هو عن الصلاة في الثعالب والفنك والسّنجاب وغيره من الوبر، وقد ورد في جوابه عموم الحكم بالمنع عن الصلاة في أجزاء كلّ ما لا يحلّ أكله.
ومن الواضح: أنّ تخصيص هذا العموم الوارد في مورده السنجاب، بهذه الأخبار الدالّة على جواز الصلاة فيه، تخصيص مستهجن.
ومضافاً إلى دلالة بعض الروايات بعمومها على عدم جواز الصلاة في
- (1) في ص181 ـ 191.
- (2) المهذّب البارع 1: 319 ـ 322، مفتاح الكرامة 5: 451 ـ 452.
- (3) وسائل الشيعة 4: 348، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب3 ح2 و 4، وص352 ب5 ح1 و 2، وص355 ـ 358 ب7 ح1، 4 و 6 ـ 12.
- (4) المعتبر 2: 86 ، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 374، منتهى المطلب 4: 236 ـ 237، ذكرى الشيعة 3: 37، مفتاح الكرامة 5: 433 ـ 434 و 470.
- (5) في ص175 ـ 176.
( صفحه 291 )
السنجاب أيضاً.
كمكاتبة محمد بن علي بن عيسى قال: كتبت إلى الشيخ ـ يعني الهادي (عليه السلام) ـ أسأله عن الصلاة في الوبر أيّ أصنافه أصلح؟ فأجاب: لا اُحبّ الصلاة في شيء منه، قال: فرددت الجواب: إنّا مع قوم في تقيّة وبلادنا بلاد لا يمكن أحداً أن يسافر فيها بلا وبر، ولا يأمن على نفسه إن هو نزع وبره، وليس يمكن للناس ما يمكن للأئـمّة، فما الذي ترى أن نعمل به في هذا الباب؟ قال: فرجع الجواب إليّ: تلبس الفنك والسمّور(1).
وتندفع المناقشة بأنّ اشتمال الرواية الصحيحة على غير السنجاب لا يقدح في العمل بها بالإضافة إليه; لأنّ قيام الدليل على عدم العمل برواية بالنسبة إلى بعض مواردها، لا يوجب طرحها رأساً، مع أنّ صحيحة أبي عليّ المتقدّمة تشتمل على الفنك فقط زائداً على السنجاب، وقد أفتى(2) بجواز الصلاة فيه جماعة، ورواية بشير بن بشّار تدلّ على جوازه في خصوص السنجاب والحواصل الخوارزميّة، وقد عرفت(3) من الشيخ (قدس سره) في المبسوط نفي الخلاف عن جواز الصلاة فيهما.
كما أنّ المناقشة الأخيرة، مندفعة بعدم ورود الدليل على عدم الجواز في خصوص السنجاب، والعموم الشامل له ـ كما في المكاتبة ـ قابل للتخصيص،
- (1) مستطرفات السرائر: 67 ـ 68 ح12، وعنه وسائل الشيعة 4: 351، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب4 ح3، وبحار الأنوار 83 : 228 ح18.
- (2) تقدّم تخريجه في ص286.
- (3) في ص286.
( صفحه 292 )
كما أنّه لابدّ من تخصيصه بالخزّ; لتطابق النصّ والفتوى على الجواز فيه كما عرفت(1)، وإباء سياقها عن التخصيص يوجب طرحها لا العمل بعمومها، كما لا يخفى.
إنّما المهمّ ملاحظة موثقة ابن بكير المتقدّمة(2)، وربما يجاب(3) بأنّ التخصيص المستهجن إنّما هو فيما إذا اُريد إخراج جميع الأسباب الخاصّة الوارد في موردها العموم عن تحته، كما إذا كان السبب واحداً واُريد إخراجه عن تحت العامّ، أو أزيد من واحد واُريد إخراج الجميع. وأمّا إذا اُريد إخراج بعضه كما في مثل المقام، فلا نسلّم استهجان التخصيص.
واُورد على هذا الجواب بما يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) (4); من أنّ ورود بعض الأفراد في مورد العموم يوجب أن يكون شمول العموم له، ودلالته عليه بالنصوصيّة; من دون فرق بين ما إذا كان الفرد واحداً أو أزيد، وعلى الثاني: بين ما إذا اُريد إخراج الجميع، أو البعض. وعليه: فاللاّزم أن يعامل مع الموثّقة ومع أدلّة التخصيص معاملة المتعارضين.
هذا، ولكنّ التحقيق تبعاً لسيّدنا الاُستاذ (قدس سره) إنّ ورود العامّ في مورد بعض الأفراد لا يوجب شموله له بالنصوصيّة في مثل المقام; لأنّ غرض الإمام (عليه السلام) في مقام الجواب عن سؤال الراوي إنّما هو بيان أصل الحكم، والفرق بين
- (1) في ص272.
- (2) في ص175 ـ 176.
- (3) راجع في نهاية التقرير 1: 407.
- (4) جواهر الكلام 8 : 163 ـ 164.