( صفحه 302 )
نعم، ذكر العلاّمة في التذكرة أنّ الثوب المموّه بالذهب لا تجوز الصلاة فيه للرجال، وكذا الخاتم المموّه به; للنهي عن لبسه، وقال أيضاً: لو كان في يده خاتم من ذهب أو مموّه به بطلت صلاته; للنهي عن الكون فيه، ولقول الصادق (عليه السلام) : جعل الله الذهب حلية أهل الجنّة، فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه(1)،(2).
وكيف كان، فعمدة ما استدلّ به على البطلان أمران:
أحدهما: الأخبار الواردة في الباب، الظاهرة في البطلان، مثل:
موثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المتقدّمة(3) في المقام الأوّل، المشتملة على قوله (عليه السلام) : «لا يلبس الرجل الذهب، ولا يصلّي فيه; لأنّه من لباس أهل الجنّة».
وكذا مرسلة موسى بن أكيل النميري، المتقدّمة(4) في ذلك المقام أيضاً، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، المشتملة على قوله (عليه السلام) : «وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه».
فإنّ النهي عن الصلاة في الموثّقة إنّما ظاهره الإرشاد إلى الفساد والمانعيّة، كما هو الشأن في مثله من النواهي المتعلّقة بالمعاملة الخاصّة والعبادة المخصوصة; فإنّ ظاهرها عدم حصول الغرض المقصود، وعدم ترتّب الأثر من حصول المكلّف به في الخارج، أو تحقّق الأثر المعاملي، كالملكيّة والزوجيّة
- (1) المعتبر 2: 92، وهذه الرواية هي مضمون مرسلة موسى بن أكيل النميري المتقدّمة في ص208 ـ 209.
- (2) تذكرة الفقهاء 2: 471 و 476.
- (3 ، 4) في ص297.
( صفحه 303 )
ونحوهما، ولا منافاة بين كون النهي عن الصلاة للإرشاد، وبين كون النهي عن اللّبس للتكليف وإن كانا في سياق واحد.
وهكذا التحريم بلفظه في المرسلة; فإنّ تعلّقه باللبس ظاهر في الحكم المولوي، وبالصلاة فيه ظاهر في الحكم الإرشاديّ الذي مرجعه إلى البطلان، ولا منافاة بينهما.
وربما يقال بالبطلان ولو على تقدير دلالة الروايتين على الحكم المولوي; نظراً إلى أنّ المبغوض لا يمكن أن يكون مقرّباً، فلا تصحّ العبادة; لأنّ صلاحيّتها للتقرّب معتبرة في صحّتها، وتعلّق الأمر بطبيعة الصلاة مجرّدة عن ملاحظة تحيّثها بحيثيّات مختلفة، والنهي بإيجادها في الذهب وإيقاعها فيه وإن كان يوجب التغاير بين المتعلّقين، لكنّه من مصاديق مسألة اجتماع الأمر
والنهي، والحقّ في تلك المسألة وإن كان هو القول بالجواز، إلاّ أنّه لا يمنع من الحكم ببطلان العبادة التي اجتمع فيها الأمر والنهي; لعدم صلاحيّتها للتقرّب، كما تقدّمت الإشارة إليها آنفاً(1).
هذا ولكن حقّقنا في الاُصول(2) أنّ الحقّ هي صحّة العبادة بعد فرض القول بالجواز، فلا مجال لهذا القول.
ثانيهما: لزوم اجتماع الأمر والنهي، كما استدلّ به العلاّمة في التذكرة في عبارته المتقدّمة، وتقريبه: أنّ النهي إنّما تعلّق بلبس الذّهب على الرجال، والأمر إنّما تعلّق بالتستّر; ضرورة أنّه يجب أن يكون المصلّي متستّراً، وبين
- (1) اُنظر نهاية التقرير 1: 428.
- (2) دراسات في الاُصول 2: 28 ـ 35، سيرى كامل در اصول فقه 6: 529 ـ 558.
( صفحه 304 )
العنوانين عموم من وجه، ومادّة الاجتماع هو لبس الذّهب في الصلاة، ومقتضى هذا الدليل اختصاص الحكم بما إذا كان الساتر من الذهب، مع أنّ المدّعى عامّ شامل لما إذا كان في يده خاتم من الذّهب في حال الصلاة.
وعليه: فدعوى كون التستّر في صورة تعدّد اللباس إنّما يكون مستنداً إلى الجميع على حدٍّ سواء، وليس استناد الستر إلى بعضها أولى من بعض حتّى يقال: إنّ الستر وقع بالمحلّل دون المحرّم أو بالعكس، إنّما تجدي على فرض تماميّتها بالنسبة إلى الألبسة المتعدّدة التي تصلح للساتريّة، ولا تجدي في مثل الخاتم كما هو ظاهر.
ويرد على هذا الدليل أنّ لزوم اجتماع الأمر والنهي إنّما هو على تقدير ثبوت التكليفين معاً، وفي المقام ليس كذلك; لأنّ تعلّق الوجوب بالتستّر مع كونه من شرائط الصلاة إنّما هو على فرض القول بوجوب المقدّمة واتّصافها بالوجوب الغيري، مع أنّه محلّ إشكال بل منع، كما حقّقناه في الاُصول(1).
ودعوى كون التستّر من أجزاء الصلاة، فينبسط عليه أيضاً الأمر المتعلّق بالكلّ، فالأمر بالصلاة أمر بالتستّر أيضاً.
مدفوعة بوضوح عدم كونه من أجزاء الصلاة، بل من شرائطها.
ثمّ لو فرض ثبوت الأمر، وتعلّق الوجوب بالتستّر، وتحقّق الاجتماع، فليس لازمه القول بالبطلان في المقام وإن قلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهي وترجيح جانب النهي، أو قلنا بالجواز مضافاً إلى البطلان; وذلك لأنّ مورده ما إذا كان مورد الاجتماع أمراً عباديّاً، والتستّر لا يكون كذلك، وكونه شرطاً
- (1) دراسات في الاُصول 1: 543 وما بعدها.
( صفحه 305 )
للصلاة التي هي عبادة، لا يوجب أن يكون نفسه عبادة، فعلى تقدير الحرمة، وترجيح جانب النهي أيضاً لا يلزم أن تكون الصلاة باطلة، كما هو محلّ الكلام.
وربما(1) يستدلّ على البطلان أيضاً بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ; نظراً إلى أنّ المقام من صغرياته; لأنّ النهي عن اللبس عين الأمر بعدمه،والصلاة تكون ضدّاً لما تعلّق به الأمر الجائي من قبل النهي عن اللبس; إذ نزع الثوب يستلزم تحقّق الفعل الكثير المبطل للصلاة، فهي مع عدم تحقّق ذلك فيها تضادّ عدم اللبس والنزع المتعلّق للأمر، وهو يقتضي النهي عنها، فالصلاة باطلة; لتعلّق النهي بها.
وفيه ـ مضافاً إلى أنّ نزع الثوب قد لا يكون مستلزماً لتحقّق الفعل الكثير، فلا تتحقّق المضادّة بينهما في هذه الصورة، ومضافاً إلى أنّ المفروض في الاستدلال من لبس الذهب قبل الشروع في الصلاة، مع أنّ الكلام في أنّه هل يجوز للمصلّي لبس الذهب في حال الصلاة، أو لا يجوز حتّى لا يلبس؟ ـ : أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ، كما حقّق في محلّه(2).
- (1) جواهر الكلام 8 : 182.
- (2) دراسات في الاُصول 1: 691 وما بعدها.
( صفحه 306 )
[حرمة لبس الحرير للرجال]
الخامس: أن لا يكون حريراً محضاً للرجال، بل لا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضاً; وإن كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً، كالتكّة والقلنسوة ونحوهما على الأحوط. والمراد به ما يشمل القزّ، ويجوز للنساء ولو في الصلاة، وللرجال في الضرورة وفي الحرب 1 .
حكم الحرير
1 ـ يقع الكلام في هذا الأمر أيضاً في مقامين; لأنّه قد يبحث فيه عن التكليف النفسي المتعلّق بلبسه مطلقاً من غير اختصاص بحال الصلاة، وقد يبحث فيه عن التكليف الغيري المتعلّق به، الراجع إلى منعه عن الصلاة وصحّتها.
أمّا الكلام في المقام الأوّل: فقد ادّعي الإجماع ـ كما عن جماعة(1) ـ على ثبوته على الرجال، بل عن كثير دعوى إجماع علماء الإسلام عليه(2)، بل قيل: إنّه من ضروريّات الدين(3)، والظاهر أنّ المراد به هو ضروريّ الفقه لا الإسلام بحيث يكون منكره محكوماً بالكفر، ويدلّ عليه النصوص المتكثّرة:
مثل رواية إسماعيل بن الفضل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يصلح للرجل
أن يلبس الحرير إلاّ في الحرب(4).
- (1) الانتصار: 134، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 375، جواهر الكلام 8 : 187 ـ 188، مستمسك العروة الوثقى 5: 367.
- (2) المعتبر 2: 87 ، تذكرة الفقهاء 2: 470 مسألة 124، تحرير الأحكام الشرعيّة 1: 195، الرقم 621، منتهى المطلب 4: 219، ذكرى الشيعة 3: 40، جامع المقاصد 2: 82 ـ 83 ، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 554، مدارك الأحكام 3: 173، كشف اللثام 3: 215، رياض المسائل 3: 175، مفتاح الكرامة 5: 497.
- (3) مصابيح الظلام 6: 305، مستند الشيعة 4: 342، مستمسك العروة 5: 367.
- (4) الكافي 6: 453 ح1، وعنه وسائل الشيعة 4: 371، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب12 ح1.