( صفحه 328 )
وفي مقابلهما خبر يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزرّه وعَلَمه حريراً، وإنّما كره الحرير المبهم للرجال(1).
فإنّ إطلاق نفي البأس فيه يشمل الصلاة وغيرها، كما أنّ الملازمة المستفادة من الروايات بين الحكم الوضعي والتكليفي مؤيّدة للإطلاق.
وخبر أبي داود يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: طيلساني هذا خزّ، قال: وما بال الخزّ؟ قلت: وسداه إبريسم، قال: وما بال الإبريسم؟ قال: لا يكره أن يكون سدا الثوب إبريسم ولا زرّه ولا عَلَمه، إنّما يكره المصمت من الإبريسم للرجال، ولا يكره للنساء(2).
ورواية صفوان، عن يوسف تكفي في جبر الضعف بعد النصّ عليه بأنّه لا يروي إلاّ عن ثقة، بل هو من أصحاب الإجماع(3).
والجمع يقتضي حمل النهي على الكراهة، وإن أبيت إلاّ عن اختصاص الموثّقة بالصلاة، فهي مقيّدة للإطلاق في هاتين الروايتين، فنقول:
إنّ إعراض المشهور(4) عن ظاهرها يكفي في وهنها، مضافاً إلى لزوم
- (1) تهذيب الأحكام 2: 208 ح817 ، الاستبصار 1: 386 ح1467، الفقيه 1: 171 ح808 ، وعنها وسائل الشيعة 4: 375، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب13 ح6.
- (2) الكافي 6: 451 ح5، وعنه وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح1.
- (3) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 556، الرقم 1050، العُدّة في اُصول الفقه 1: 154.
- (4) مجمع الفائدة والبرهان 2: 85 ـ 86 ، الحدائق الناضرة 7: 99 ـ 100، وفي مدارك الأحكام 3: 180، أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام المتأخّرين، وفي مفاتيح الشرائع 1: 110 مفتاح 125، جوّزها ـ أي الصلاة ـ في المكفوف به المتأخّرون.
( صفحه 329 )
التفكيك المنافي للملازمة التي أشرنا إليها، كما لا يخفى.
وأمّا ما في المتن من الاحتياط بترك ما زاد على أربع أصابع مضمومة، فالظاهر خلوّ كلام الأكثر عن هذا التقييد، ولا يكون له مستند في رواياتنا. نعم، روى العامّة عن عمر: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) نهى عن الحرير إلاّ في موضع إصبعين، أو ثلاث، أو أربع(1)، والظاهر أنّه لا يجوز الاعتماد عليها; لعدم الجابر لها.
نعم، يمكن أن يقال بأنّ منشأ الاحتياط الاقتصار على القدر المتيقّن في الخروج عن دليل المنع، فتدبّر.
- (1) صحيح مسلم 3: 1307 ح15، سنن أبي داود: 613 ح4042، سنن الترمذي 4: 217 ح725.
( صفحه 330 )
[كون المحرّم هو الحرير الخالص]
مسألة 16: قد عرفت أنّ المحرّم لبس الحرير المحض; أي الخالص الذي لم يمتزج بغيره، فلا بأس بالممتزج، والمدار على صدق مسمّى الامتزاج، الذي يخرج به عن المحوضة ولو كان الخليط بقدر العشر. ويشترط في الخليط من جهة صحّة الصلاة فيه كونه من جنس ما تصحّ الصلاة فيه، فلا يكفي مزجه بصوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه وإن كان كافياً في رفع حرمة اللبس. نعم، الثوب المنسوج من الإبريسم المفتول بالذهب يحرم لبسه، كما لا تصحّ الصلاة فيه 1 .
1 ـ قد عرفت(1) أنّ المأخوذ في الروايات المتعرّضة لحكم الحرير ـ تكليفاً أو وضعاً ـ هو الحرير المحض، أو المبهم، أو المصمت، أو شبهها، ومرجع ذلك إلى مدخليّة قيد المحوضة والخلوص في متعلّق الحكم، وقد وقع الإشكال في أنّه هل يخرج بهذا التقييد خصوص ما إذا كان الثوب منسوجاً من الإبريسم مخلوطاً بغيره; كأن يكون سداه منه ولحمته من غيره، أو يخرج بسببه صور اُخرى أيضاً؟
لا إشكال في خروج صورة الامتزاج المذكورة، لكن لابدّ من ملاحظة أنّ المدار على صدق مسمّى الامتزاج ـ ولو كان الخليط بقدر العشر أو أقلّ ـ ما لم يبلغ حدّ الاستهلاك الذي لا يكون ملحوظاً بنظر العرف بوجه، ولا يكون محكوماً عنده إلاّ بالمحوضة والخلوص، أو أنّ المدار على أمر آخر؟
ربما يقال بأنّه يمكن أن يستفاد من بعض الروايات أنّه لابدّ أن يكون سدا الثوب بتمامه أو لحمته بتمامها من غير الحرير:
( صفحه 331 )
كرواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بلباس القزّ إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتّان(1).
فإنّ القطن والكتّان وإن لم يكن لهما خصوصيّة بشهادة الفتاوى وبعض الروايات(2)، إلاّ أنّ ظهور الرواية في اعتبار كون مجموع السدا أو اللحمة من غير الحرير لا مناقشة فيه; لأنّ مفهومها ثبوت البأس مع عدم كونه كذلك.
وكذا رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته، أو سداه خزّ أو كتّان أو قطن، وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء(3).
فإنّ مقابلة الحرير المحض بما إذا كان سداه أو لحمته من غيره ظاهرة في ذلك، ولكنّ الظاهر خلاف ذلك; فإنّه لا شبهة في أنّ الحرير المحض له معنى ومفهوم بحسب نظر العرف، وليس للشارع اصطلاح خاصّ في ذلك.
وعليه: فالمقابلة في الرواية الأخيرة لا تكون ظاهرة في أنّ المقابل للوصف هو خصوص ما كان السدا أو اللحمة بتمامهما من غير الحرير، بل ذكر هذه الصورة إنّما هو من باب كونه أحد المصاديق، ومن الأفراد الظاهرة، كما أنّ الظاهر أنّ المفهوم في الرواية الاُولى ما إذا لم يكن هناك اختلاط وامتزاج; لأنّ ما ذكر في المنطوق ليس له خصوصيّة، كما لا يخفى.
- (1) الكافي 6: 454 ح10، وعنه وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب13 ح2.
- (2) كما في جواهر الكلام 8 : 227.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 367 ح1524، الاستبصار 1: 386 ح1468، وعنهما وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب13 ح5.
( صفحه 332 )
ثمّ إنّ ظاهر الجواهر والمصباح(1) أنّ الوصف يوجب خروج ما إذا كان بعض الثوب بسداه ولحمته من الإبريسم، وبعضه من غيره، كالمنسوج على الطرائق. نعم، لو كان بعضه المنسوج من الإبريسم بمقدار يصلح لأن يكون تمام الثوب ـ كما إذا كانت ظهارته أو بطانته أو حشوه من الإبريسم ـ يشكل الحكم بعدم التحريم، مستندين في ذلك إلى أنّ بعض الثوب لا يكون ثوباً، بل جزء منه.
ويرد عليهما ـ مضافاً إلى أنّه لم يرد لفظ الثوب في متعلّق النهي، وتفسير الحرير به غير ظاهر ـ : أنّ الثوب في اللغة عبارة عن الشيء المنسوج، ولا يكون مساوقاً للقميص وأمثاله من الألبسة، ويدلّ عليه ملاحظة موارد إطلاقه، كما يقال في كفن الميّت: إنّه عبارة عن ثلاثة أثواب، وكما يقال: ثوبا الإحرام، مع أنّه يعتبر أن لا يكونا مخيطين للرجال، وكغيرهما من الموارد، فالاستناد المذكور غير تامّ.
مع أنّ مقتضاه عدم ثبوت الحكم بالتحريم في مثل الظهارة والبطانة والحشو; لأنّ المفروض كون كلّ واحد منها بالفعل بعض الثوب لا تمامه، وصلاحيّته لأن يصير تمام الثوب لا يوجب خروجه عن الحكم الثابت له بالفعل باعتبار كونه جزءاً منه.
والظاهر ثبوت التحريم في جميع الصور، وكون المقابل للوصف هو خصوص الصورة المذكورة; وهي صورة الاختلاط والامتزاج.
ثمّ إنّه يشترط في الجواز من جهة الحكم الوضعي في صورة الاختلاط،
- (1) جواهر الكلام 8 : 229 ـ 232، مصباح الفقيه 10: 341 ـ 343.