( صفحه 333 )
أن يكون الخليط من جنس ما تصحّ الصلاة فيه، فلا يكفي مزجه بصوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه; ضرورة أنّ الخلط بمثله يوجب بطلان الصلاة، إمّا لأجل كون المفروض أنّه ممّا لا تصحّ الصلاة فيه، وإمّا لأجل انصراف دليل خروج صورة الاختلاط عن مثل هذا الاختلاط أيضاً، وعلى أيّ فالحكم يختصّ بالجواز الوضعي. وأمّا الجواز التكليفي، فلا مانع منه إلاّ على القول بالانصراف فيه أيضاً، وهو بعيد; لأنّه لا وجه له فيه، كما لا يخفى.
نعم، الثوب المنسوج من الإبريسم المفتول بالذهب يجري فيه كلا الحكمين: التكليفي، والوضعي; لصدق لبس الذهب والصلاة فيه، ولم يرد قيد المحوضة والخلوص في أدلّة حرمة لبس الذهب والصلاة فيه، فيتحقّق فيه الحكمان.
( صفحه 334 )
[لبس لباس الشهرة، ولبس الرجال مايختصّ بالنساء، وبالعكس]
مسألة 17: لبس لباس الشهرة وإن كان حراماً على الأحوط، وكذا ما يختصّ بالنساء للرجال وبالعكس على الأحوط، لكن لا يضرّ لبسهما بالصلاة 1 .
بعض أحكام اللباس في الصلاة وغيرها
1 ـ أمّا عدم إضرار لباس الشهرة، وكذا ما عطف عليه بصحّة الصلاة; فلعدم الدليل على ثبوت الحكم الوضعي في مثله، كما قام في الذهب والحرير، ومجرّد ثبوت الحرمة التكليفيّة ـ على تقديرها ـ لا يوجب ثبوت البطلان; لعدم كون النهي متعلّقاً بالعبادة، وعدم كون اجتماع الأمر والنهي ـ على تقديره ـ موجباً لفساد المجمع على تقدير كونه عبادة، وعلى تقديره لا يكون المجمع في المقام عبادة، بل هو شرط لها، وشرط العبادة يغاير جزءها، حيث إنّه لا يلزم أن يكون عبادة، بخلاف الجزء، وقد مرّ(1) الكلام في ذلك في بحث الذهب.
وأمّا الحكم التكليفي، فالكلام فيه يقع في أمرين:
الأوّل: لبس لباس الشهرة، والمراد منه ـ كما في العروة ـ أن يلبس خلاف زيّه من حيث جنس اللباس، أو من حيث لونه، أو من حيث وضعه وتفصيله وخياطته(2). والدليل على الحرمة فيه روايات كثيرة:
مثل صحيحة أبي أيّوب الخزّاز، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ الله يبغض شهرة اللباس(3). ولا تبعد دعوى ظهور «يبغض» في المبغوضيّة الثابتة
- (1) في ص303 ـ 305.
- (2) العروة الوثقى 1: 405 مسألة 1310.
- (3) الكافي 6: 444 ح1، وعنه وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب12 ح1.
( صفحه 335 )
في المحرّمات.
ومرسلة ابن مسكان، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره، أو يركب دابّة تشهره(1).
والظاهر أنّ دلالتها كسندها في الضعف; لظهورها في بيان الحكم الأخلاقيّ الراجع إلى انحطاط المقام الإنساني بطلب الشهرة من اللباس، أو المركب، ومثله من الجماد والحيوان.
ومرسلة عثمان بن عيسى، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الشهرة خيرها وشرّها في النار(2).
ورواية أبي سعيد، عن الحسين (عليه السلام) قال: من لبس ثوباً يشهره كساه الله يوم القيامة ثوباً من النار(3).
وغير ذلك من الروايات(4)، والعمدة هي الرواية الاُولى، والمستفاد من صاحب الوسائل عدم دلالتها على الحرمة أيضاً; حيث إنّه ذكر في عنوان الباب «كراهة الشهرة في الملابس وغيرها»، وحمل الرواية الأخيرة على بعض الأقسام المحرّمة(5). والمحكيّ عن ظاهر الرياض ومفتاح الكرامة(6) ـ في مسألة تزيين الرجل بما يحرم عليه ـ عدم الخلاف في ذلك.
- (1) الكافي 6: 445 ح2، وعنه وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب12 ح2.
- (2) الكافي 6: 445 ح3، وعنه وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب12 ح3.
- (3) الكافي 6: 445 ح4، وعنه وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب12 ح4.
- (4) مستدرك الوسائل 3: 245، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب8 .
- (5) وسائل الشيعة 5: 24 ـ 25 ب12.
- (6) رياض المسائل 8 : 77 ـ 78، مفتاح الكرامة 12: 197 ـ 198.
( صفحه 336 )
الثاني: لبس الرجال ما يختصّ بالنساء، وكذا العكس، وفي محكيّ الرياض نسب الحرمة إلى الأشهر الأظهر المحتمل فيه الإجماع(1)، والعمدة في دليله ما حكي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ففي رواية عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث: لعن الله المحلّل والمحلّل له، ومن تولّى غير مواليه، ومن ادّعى نسباً لا يعرف، والمتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال، ومن أحدث حدثاً في الإسلام، أو آوى محدثاً، ومن قتل غير قاتله، أو ضرب غير ضاربه(2).
ولكن في دلالتها قصور; لأنّ الظاهر من التشبّه تأنّث الذكر وتذكّر الاُنثى، لا مجرّد لبس أحدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبّه.
ويؤيّده ما عن العلل، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (عليه السلام)
أنّه رأى رجلا به تأنيث في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال له: اخرج من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا من لعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ قال علي (عليه السلام) : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال(3).
وفي بعض الروايات أنّ المراد بالتشبّه معنى آخر، كرواية يعقوب بن جعفر، الواردة في المساحقة، الدالّة على أنّه فيهنّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لعن الله
- (1) رياض المسائل 8 : 77.
- (2) الكافي 8 : 69 ح27، وعنه وسائل الشيعة 17: 284، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب87 ح1.
- (3) علل الشرائع: 602 ح63، وعنه وسائل الشيعة 17: 284، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب87 ح2، وج20: 337، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم وما يناسبه ب18 ح9.
( صفحه 337 )
المتشبّهات بالرجال من النساء، الحديث(1).
ورواية أبي خديجة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال، وهم المخنّثون، واللاّتيّ ينكحن بعضهنّ بعضاً(2).
هذا، ولكن لا يستفاد من مثلها الانحصار، بل يمكن أن يكون للتشبّه معنى عامّ يشمل هذا المعنى أيضاً.
ويؤيّده رواية سماعة بن مهران، عن أبي عبدالله أو أبي الحسن (عليهما السلام) في الرجل يجرّ ثيابه، قال: إنّي لأكره أن يتشبّه بالنساء(3).
وعن أبي عبدالله (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزجر الرجل أن يتشبّه بالنساء، وينهى المرأة أن تتشبّه بالرجال في لباسها(4).
وذكر السيّد صاحب العروة في حاشية المكاسب في مسألة تزيين الرجل بما يحرم عليه عند الإشكال على الاستدلال بالنبويّ المشهور، أنّ الرواية فيها أربع احتمالات:
الأوّل: أن يكون المراد ما هو محلّ الكلام مع كون الحكم إلزاميّاً.
الثاني: أن يكون المراد خصوص تأنّث الذكر وتذكّر الاُنثى; سواء كان
- (1) الكافي 5: 552 ح4، وعنه وسائل الشيعة 20: 346، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم وما يناسبه ب24 ح5.
- (2) الكافي 5: 550 ح4، وعنه وسائل الشيعة 20: 346، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرّم وما يناسبه ب24 ح6.
- (3 ، 4) مكارم الأخلاق: 256 ح767 و 768، وعنه وسائل الشيعة 5: 25، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب13 ح1 و 2.