( صفحه 414 )
فلا إشكال أيضاً في بطلان صلاة المتأخّر منهما; لعدم كونها واجدة لشرطها من حين الشروع فيها.
وبعبارة اُخرى: لا إشكال في شمول أخبار الباب لهذا الفرض أيضاً، ومقتضى الشمول بطلان صلاة المتأخّر لا محالة وإن قلنا بصحّة صلاة المتقدّم; إذ لا مجال لتوهّم العكس كما هو ظاهر، فبطلان صلاة المتأخّر ـ بناءً على القول بالبطلان ـ ممّا لا ريب فيه.
إنّما الإشكال في بطلان صلاة المتقدّم أيضاً، كما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) مستنداً إلى معلوميّة قاعدة أنّ مانع صحّة الجميع مانع للبعض، واستظهر ذلك من ذيل صحيحتي ابن مسلم وابن أبي يعفور، وخبر أبي بصير، بل بالغ في ذلك فقال: لعلّه يظهر من باقي النصوص أيضاً(1).
أقول: إن كان مراده من صحيحة ابن مسلم(2) ما ورد فيها السؤال عن صحّة صلاة الرجل في زاوية الحجرة، والحال أنّ امرأته أو ابنته تصلّي في زاويتها الاُخرى، فمورد السؤال فيها وإن كان فرض تأخّر صلاة الرجل عن صلاة المرأة، كما يظهر بعد التدبّر فيه، إلاّ أنّ الجواب بما ظاهره بطلانها لا دلالة له على حكم صلاة المرأة المتقدّمة في الشروع، ولكنّ الظاهر عدم كون هذه الرواية مقصودة لصاحب الجواهر، خصوصاً مع تصريحه باستظهاره من الذيل.
وإن كان مراده منها، ما ورد في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين
- (1) جواهر الكلام 8 : 525.
- (2) تقدّمت في ص396.
( صفحه 415 )
اللذين يصلّيان جميعاً في المحمل(1)، كما هو الظاهر، فالفرض فيها وإن كان مطلق الصلاة جميعاً، الشامل لصورة الاقتران والتقدّم والتأخّر في الشروع، إلاّ أنّ الجواب بقوله (عليه السلام) : «لا»، مرجعه إلى أنّه لا يمكن صحّة صلاتهما معاً، بل يتوقّف ذلك على أن يصلّي أحدهما أوّلا، ثمّ يصلّي الآخر بعد فراغ الأوّل، إلاّ أنّ نفي صحّة الصلاتين معاً لا ينحصر فرضه ببطلان كلّ واحدة منهما، بل يجتمع مع بطلان خصوص المتأخّر، وصحّة المتقدّم أيضاً.
ومنه يظهر الجواب عن الاستظهار من خبر أبي بصير المتقدّم(2)، الوارد في حكم المتزاملين أيضاً، وكذا رواية عبدالله بن أبي يعفور المتقدّمة(3).
واستدلّ لاختصاص البطلان بخصوص المتأخّرة بوجوه:
منها: استبعاد(4) بطلان الصلاة المنعقدة صحيحة بفعل الغير الخارج عن الاختيار، كما لا يخفى.
ويدفعه أنّ مجرّد الاستبعاد لا يصلح لإثبات الحكم الشرعي، ولا يقتضي رفع اليد عمّا هو مقتضى الدليل على فرضه.
ومنها: انّ المتأخّرة ليست بصلاة; لبطلانها بالمحاذاة، فلا تصلح لإبطال السابقة(5)، والصحّة لولا المحاذاة إنّما يصار إليه فيما إذا لم يمكن الصحّة المطلقة، كما في صورة الاقتران; لقيام القرينة على أنّه لا يمكن أن يكون المراد هي
- (1) تقدّمت في ص394.
- (2) لم يتقدّم ذكره قبلاً. نعم، أشار إليه في ص403، وذكرنا هناك تخريجه.
- (3) في ص398.
- (4) المهذّب البارع 1: 337، العروة الوثقى 1: 420، الأمر العاشر.
- (5) كما في مستمسك العروة الوثقى 5: 476.
( صفحه 416 )
الصحّة كذلك. وأمّا بالنسبة إلى الصلاة اللاّحقة، فلا مانع من أن يراد منه الصحّة المطلقة; لفرض وقوع المتقدّمة متّصفة بهذه الصفة.
وبعبارة اُخرى: بعد وقوع الاُولى وتحقّقها يمتنع تحقّق الاُخرى; لأنّهما متضادّتان، والثانية لا تصلح لأن تقاوم الاُولى; لأنّها بوجودها توجب بطلانها، وهذا بخلاف صورة التقارن، أو تحقّق المحاذاة الموجبة للبطلان في أثناء صلاتهما; فإنّه وإن لم يكن للحدوث بما هو حدوث، وكذا للبقاء بما هو بقاء مدخليّة في البطلان، بل المناط تحقّق الصلاة منهما، إلاّ أنّه تتزاحم العلّتان في مقام الثبوت، وهو يوجب البطلان; فإنّه كما تكون المبائنة ثابتة بين معلوليهما، كذلك تسري إلى علّيتهما، فكلّ منهما موجب لعدم الآخر ومضادّ له، وهذا بخلاف صورة التقدّم والتأخّر; فإنّه قد تحقّقت علّة إحداهما بلا مزاحمة، والاُخرى يمتنع تحقّقها للمضادّة، فهي الفاسدة غير المفسدة.
ويمكن الإيراد على هذا الوجه; بأنّ التفكيك بين صورتي التقارن والتقدّم والتأخّر ـ من جهة حمل الأدلّة بالإضافة إلى الاُولى على الصحّة اللولائيّة، وبالإضافة إلى الثانية على الصحّة المطلقة، مع دلالتها على الحكم فيهما بعبارة واحدة ـ ممّا لا مجال للالتزام به، خصوصاً مع كون شمولها لهما بنحو الإطلاق، كما لا يخفى.
وحيث إنّ مدلول الأخبار ليس امتناع حدوث الصلاتين بما هو حدوث; لما مرّ(1) من شمولها لما إذا تحقّقت المحاذاة بينهما في أثناء صلاتهما، فالمناط هو تحقّق المحاذاة ولو في بعض أجزاء الصلاة، ففي صورة التقدّم والتأخّر يكون
( صفحه 417 )
الجزء المقارن لحدوث الاُخرى، لا ترجيح بينه وبين ما يحدث من الآخر من حيث الصحّة والبطلان، فإذا كانت الصحّة مخالفة لما هو المفروض من امتناع الاجتماع، فاللاّزم أن لا يقع شيء منهما صحيحة.
وبعبارة اُخرى: الصحّة المدّعاة بالإضافة إلى المتقدّمة إن كان المراد بها هي الصحّة بالنسبة إلى جميع أجزائها، فالمفروض أنّه محلّ الكلام; لأنّه يحتمل بطلانها بسبب المتأخّرة أيضاً، وإن كان المراد بها هي الصحّة بالنسبة إلى الأجزاء الماضية، فهي تجتمع مع البطلان بلحاظ المحاذاة في بعض الأجزاء الاُخر، ولم يثبت كون هذه الصحّة مانعة عن انعقاد المتأخّرة دون العكس، كما هو ظاهر.
ومنها: صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة(1)، الواردة في إمام كان في الظهر، فقامت امرأته بحياله، المشتملة على قوله (عليه السلام) : لا يفسد ذلك على القوم، وتعيد المرأة»; فإنّ الظاهر أنّ التفصيل بين المرأة، وبين القوم إنّما هو من جهة التأخّر والتقدّم.
وفيه: ما عرفت(2) من عدم ظهور الرواية في كونها واردة في المقام، بل يجري فيها احتمالات متعدّدة، فهي مجملة لا تصلح للاستناد إليها.
ومنها: ما أفاده المحقّق النائيني (قدس سره) من أنّ مناسبة الحكم والموضوع وإن لم تكن دليلا برأسها، إلاّ أنّها قد تصلح لانصراف الدليل كما في المقام; فإنّ الأدلّة الدالّة على النهي عن المحاذاة والتقدّم إمّا تحريماً أو تنزيهاً منصرفة
- (1) في ص394.
- (2) في ص394 ـ 395.
( صفحه 418 )
إلى حال الاختيار; لظهور الأسئلة فيها في تعمّد ذلك، ولا يكفي إطلاق الأخبار لو سلّم(1).
وفيه: منع كون المناسبة المذكورة صالحة للانصراف، خصوصاً مع اقتضائه حمل الأخبار المطلقة على المورد النادر، وهي صورة الاقتران كما يأتي.
والتحقيق في المقام أن يقال: إنّه لابدّ في استفادة حكم هذا الفرض كأصل المسألة من ملاحظة الأخبار الواردة في الباب، ولا مجال لإيراد الوجه العقلي في المسألة التعبّدية; ضرورة أنّ الحكم ببطلان المتقدّم أيضاً لا يستلزم محالا عقليّاً حتى يوجب التصرّف في الدليل على فرض دلالته عليه، كما أنّ الظاهر أنّ استفادة الحكم بالبطلان بالإضافة إلى كلتا الصلاتين في صورة التقارن ليس مستنداً إلى وجه عقليّ مذكور فيما تقدّم، بل مستند إلى ظهور الدليل في ذلك، وهي الروايات الظاهرة في بطلان كلتيهما.
وأيضاً لا مجال لحمل الإطلاقات على خصوص صورة التقارن بعد ندرة وجودها ولو كان التقارن بمعناه العرفي; ضرورة أنّ أكثر موارد المحاذاة أو التقدّم إنّما هو مع التقدّم والتأخّر في الشروع.
وحينئذ لابدّ من ملاحظة ثبوت الإطلاق وعدمه، فنقول:
ما يظهر منه الإطلاق من الروايات المتقدّمة روايات:
منها: رواية أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل والمرأة يصلّيان جميعاً في بيت، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال: لا، حتّى يكون
- (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 336 ـ 337.