( صفحه 476 )
على الرفّ المعلّق بين نخلتين؟ فقال: إن كان مستوياً يقدر على الصلاة فيه فلا بأس، الحديث(1).
ولا دلالة فيها أيضاً إلاّ على كون الحكم بالجواز معلّقاً على القدرة على الصلاة فيه تامّة بجميع الخصوصيّات المعتبرة فيها.
وأمّا أنّ من جملة تلك الخصوصيّات هو الاستقرار أيضاً، فلا دلالة له عليه، خصوصاً بعد استلزام الصلاة على الرفّ الكذائي لعدم الاستقرار نوعاً.
والتحقيق أن يقال: إنّ الاستقرار تارة: يستعمل في مقابل المشي والحركة،
واُخرى: في مقابل الاضطراب وعدم الطمأنينة، وقد وقع البحث عن اعتباره في الصلاة في مقامين: هما: مكان المصلّي واعتبار كونه قارّاً، والقيام في حال الصلاة واعتبار كونه في حال الاستقرار، والدليل في كلا المقامين إنّما ينحصر بالروايات المذكورة، الواردة في الدابّة والسفينة والرفّ المذكور، وقد عرفت أنّه لا دلالة لشيء منها على اعتبار الاستقرار في الصلاة زائداً على سائر الخصوصيّات المعتبرة فيها; من القيام ونحوه، بل لها دلالة على عدم اعتباره بالمعنى الأوّل المقابل للمشي والحركة; ضرورة ثبوت الحركة في الصلاة على الدابّة وفي السفينة ولو تبعاً لهما، وأمّا بالمعنى الثاني الذي هو مراد المتن; للتعبير بالاطمئنان فيه، فلا دلالة لها عليه نفياً وإثباتاً.
نعم، استدلّوا(2) على اعتبار الاستقرار بهذا المعنى في باب القيام الذي هو
- (1) تهذيب الأحكام 2: 373 ح1553، قرب الإسناد: 184 ح686، وعنهما وسائل الشيعة 5: 178، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب35 ح1.
- (2) على ما في مستمسك العروة الوثقى 6: 102 ـ 103.
( صفحه 477 )
من أفعال الصلاة برواية هارون بن حمزة الغنوي ـ التي رواها المشايخ الثلاثة ـ أنّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة؟ فقال: إن كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرّك فصلِّ قائماً، وإن كانت خفيفة تكفأ فصلِّ قاعداً(1).
ولكنّ الظاهر أنّ التفصيل إنّما هو من جهة القدرة على القيام في الصورة الاُولى، وعدمها في الصورة الثانية، لا من جهة الاستقرار وعدمه، فتدبّر.
وكيف كان، فلم يظهر لنا دليل على اعتبار الاستقرار بهذا المعنى، اللّهمّ إلاّ أن يقال بثبوت الإجماع، أو استمرار السيرة عليه، كما ربما يدّعى(2)، ولعلّه يأتي البحث في هذه الجهة في باب القيام أيضاً.
المقام الثاني: في صورة الاضطرار، ولا إشكال ولا خلاف في الجواز في هذه الصورة، ويدلّ عليه بالصراحة أو الظهور الروايات المتعدّدة التي منها: رواية عبدالله بن سنان المتقدّمة، المصرّحة باستثناء صورة الضرورة من الحكم بعدم جواز صلاة الفريضة في حال الركوب. وكذا رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله المتقدّمة أيضاً، الظاهرة في أنّ استثناء المريض إنّما هو لأجل الضرورة.
نعم، في البين رواية منصور بن حازم قال: سأله أحمد بن النعمان فقال: اُصلّي في محملي وأنا مريض؟ قال: فقال: أمّا النافلة فنعم، وأمّا الفريضة فلا،
- (1) الفقيه 1: 292 ح1329، الكافي 3: 442 ح4، تهذيب الأحكام 3: 171 ح378، وعنها وسائل الشيعة 5: 504، كتاب الصلاة، أبواب القيام ب14 ح2.
- (2) جواهر الكلام 9: 417، متسمسك العروة الوثقى 6: 102.
( صفحه 478 )
قال: وذكر أحمد شدّة وجعه فقال: أنا كنت مريضاً شديد المرض، فكنت آمرهم إذا حضرت الصلاة ينيخوا بي (يقيموني، ينيخوني خ ل)، فاُحتمل بفراشي، فاُوضع واُصلّي، ثمّ اُحتمل بفراشي فاُوضع في محملي(1).
ولكنّه لابدّ من حملها على صورة عدم الاضطرار بقرينة الروايات الاُخر، ولا مجال لحملها على الاستحباب كما عن الشيخ (قدس سره) (2).
ثمّ إنّه لابدّ في هذه الصورة من مراعاة سائر ما اعتبر في الصلاة; من القيام، والقبلة ونحوهما ولو بالمقدار الممكن، بداهة أنّ الضرورة قاضية بسقوط خصوص ما لا يمكن مراعاته، دون ما أمكن بنفسه أو ببدله، كما لا يخفى.
- (1) تهذيب الأحكام 3: 308 ح953، الاستبصار 1: 243 ح866 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 327، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب14 ح10.
- (2) تهذيب الأحكام 3: 308، ذيل الحديث.
( صفحه 479 )
مسألة 18: من المستحبّات الأكيدة بناء المسجد، وفيه أجر عظيم وثواب
[استحباب الصلاة في المساجد]
مسألة 16: يستحبّ الصلاة في المساجد، بل يكره عدم حضورها بغير عذر كالمطر، خصوصاً لجار المسجد، حتّى ورد في الخبر: لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد(1). وأفضلها المسجد الحرام، ثمّ مسجد النبيّ(صلى الله عليه وآله)، ثمّ مسجد الكوفة والأقصى، ثمّ مسجد الجامع، ثمّ مسجد القبيلة، ثمّ مسجد السوق، والأفضل للنساء الصلاة في بيوتهنّ، والأفضل بيت المخدع، وكذا يستحبّ الصلاة في مشاهد الأئمـّة(عليهم السلام)، خصوصاً مشهد أمير المؤمنين(عليه السلام)، وحائر أبي عبدالله الحسين(عليه السلام).
استحباب الصلاة في المساجد وبعض أحكامها
[كراهة تعطيل المسجد]
مسألة 17: يكره تعطيل المسجد، وقد ورد أنّه أحد الثلاثة الذين يشكون إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ يوم القيامة، والآخران عالم بين جهّال، ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه(2)، وورد أنّ من مشى إلى مسجد من مساجد الله، فله بكلّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات(3).
[استحباب بناء المساجد]
- (1) تهذيب الأحكام 1: 92 ح244، وعنه وسائل الشيعة 5: 194، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب2 ح1.
- (2) الكافي 2: 449 ح3، الخصال: 142 ح163، وعنهما وسائل الشيعة 5: 201، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب5 ح1.
- (3) عقاب الأعمال: 343، وعنه وسائل الشيعة 5: 201، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب4 ح3.
( صفحه 480 )
على وجه لا يساوي الإمام(عليه السلام).
جسيم، وقد ورد أنّه قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه الله بكلّ شبر منه ـ أو قال: بكلّ ذراع منه ـ مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب، وفضّة، ودرّ، وياقوت، وزمرّد، وزبرجد، ولؤلؤ، الحديث(1).
[اعتبار اجراء صيغة الوقف]
مسألة 19: عن المشهور اعتبار إجراء صيغة الوقف في صيرورة الأرض مسجداً; بأن يقول: وقفتها مسجداً قربة إلى الله تعالى، لكنّ الأقوى كفاية البناء بقصد كونه مسجداً مع قصد القربة وصلاة شخص واحد فيه بإذن الباني، فتصير مسجداً 1 .
[الأمكنة التي تكره الصلاة فيها]
مسألة 20: تكره الصلاة في الحمّام حتّى المسلخ منه، وفي المزبلة والمجزرة، والمكان المتّخذ للكنيف ولو سطحاً متّخذاً مبالا، وبيت المسكر، وفي أعطان الإبل، وفي مرابط الخيل والبغال والحمير والبقر، ومرابض الغنم، والطرق إن لم تضرّ بالمارّة، وإلاّ حرمت، وفي قرى النمل ومجاري المياه وإن لم يتوقّع جريانها فيها فعلا، وفي الأرض السبخة، وفي كلّ أرض نزل فيها عذاب، وعلى الثلج، وفي معابد النيران، بل كلّ بيت أعدّ لإضرام النار فيه، وعلى القبر وإليه وبين القبور، وترتفع الكراهة في الأخيرين بالحائل وببعد عشرة أذرع، ولا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمـّة(عليهم السلام) وعن يمينها وشمالها; وإن كان الأولى الصلاة عند الرأس
- (1) عقاب الأعمال: 339، وعنه وسائل الشيعة 5: 204، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب8 ح4.