( صفحه 510 )
صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين، ولا تصلّ بينهما شيئاً، وقال: هكذا صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
وصحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أيضاً قال: قال: لا تصلِّ المغرب حتّى تأتي جمعاً، فصلِّ بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان وإقامتين، الحديث(2).
والمراد من الجمع هي المزدلفة، وفي رواية محمد بن علي بن الحسين، عن النبيّ والأئـمّة ـ صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ـ أنّه إنّما سمّيت المزدلفة جمعاً; لأنّه يجمع فيها بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين(3).
وبمثلها يندفع الإشكال من جهة عدم الدلالة على خصوص صورة الجمع، كما لا يخفى.
ثمّ إنّه لا مجال لاستفادة سقوط الأذان في جميع موارد الجمع من السقوط في هذه المواضع الثلاثة; لعدم وضوح دلالة الأدلّة الواردة فيها على كون الملاك للسقوط هو مجرّد الجمع، خصوصاً بعد افتراقها مع سائر الموارد في كون الجمع فيها مستحبّاً دون سائر الموارد، بل لابدّ من استفادة السقوط في غير هذه المواضع من دليل آخر لو كان، وظاهر المتن هو وجود الدليل عليه،
- (1) تهذيب الأحكام 5: 190 ح630، وص480 ح1703، الاستبصار 2: 255 ح899 ، وعنهما وسائل الشيعة 14: 15، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر ب6 ح3.
- (2) الكافي 4: 468 ح1، تهذيب الأحكام 5: 188 ح626، وعنهما وسائل الشيعة 14: 14، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر ب6 ح1.
- (3) الفقيه 2: 127 ح546، وعنه وسائل الشيعة 14: 15، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر ب6 ح6.
( صفحه 511 )
كما أنّ الذي يظهر من العروة عدم وجوده(1).
والظاهر إمكان الاستفادة من الروايات المتعدّدة:
منها: صحيحة عمر بن اُذينة، عن رهط، منهم: الفضيل، وزرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين(2).
ويمكن المناقشة في الاستدلال بها تارة: بأنّ هذه الرواية رواها الصدوق بنحو الإرسال، إلاّ أنّه قال: بين الظهر والعصر بعرفة، ثمّ قال: بين المغرب والعشاء بجمع(3). وعليه: فلا دلالة لها على السقوط في غير يوم عرفة وبمزدلفة.
واُخرى: بأنّ ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأذان في الصلاة الثانية لا دلالة له على السقوط، فلعلّه كان تركاً للمستحبّ إشعاراً بجواز تركه، كأصل الجمع بين الصلاتين.
وبعبارة اُخرى: لا دلالة للرواية إلاّ على مجرّد جواز ترك الأذان في الثانية، وهو لا ينافي بقاءه على استحبابه، كسائر الموارد.
وتندفع المناقشة الاُولى بأنّ رواية الصدوق إيّاها بالنحو المذكور لا توجب خللا في إطلاق الرواية بالنحو الأوّل، خصوصاً بعد كونها بهذا
- (1) العروة الوثقى 1: 434 مسألة 1393.
- (2) تهذيب الأحكام 3: 18 ح66، وعنه وسائل الشيعة 5: 445، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب36 ح2.
- (3) الفقيه 1: 186 ح885 ، وعنه وسائل الشيعة 5: 445، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب36 ح3.
( صفحه 512 )
النحو مسندة بسند صحيح.
والثانية بما أشرنا إليه مراراً(1)، من أنّ الحاكي لفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو كان هو الإمام (عليه السلام) ، وكان غرضه منه بيان الحكم، غاية الأمر بهذا النحو، ومن هذا الطريق، تكون الحكاية كاللفظ الصادر منه في جواز التمسّك بإطلاقه، واستفادة الحكم من الخصوصيّات التي وقعت مورداً للتعرّض. وعليه: فالتصريح بترك الأذان في كلا موردي الجمع يكشف عن العناية بذلك، وأنّ غرضه (عليه السلام) منه هو سقوطه فيه، وثبوت الفرق بينه، وبين غيره من سائر الموارد التي لا يتحقّق الجمع فيها، كما لا يخفى.
ومثلها صحيحة عبدالله بن سنان، عن الصادق (عليه السلام) : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان واحد وإقامتين(2).
ودعوى أنّ التعرضّ لذكر ترك الأذان ليس إلاّ كالتعرّض لأصل الجمع، الذي لا مجال فيه إلاّ للحمل على مجرّد الجواز; من دون احتمال كونه على سبيل الاستحباب.
مدفوعة بأنّ التعرّض لذكر الجمع إنّما هو في مقابل العامّة القائلين بعدم جوازه(3); لاعتقادهم باختلاف مواقيت الصلاة، وتباينها من جهة الوقت،
- (1) في ج1: 67 و 233، وص451 هنا.
- (2) الفقيه 1: 186 ح886 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 220، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب32 ح1.
- (3) الاُمّ 1: 77، المجموع: 308 ـ 322، المغني لابن قدامة 2: 112 ـ 126، الشرح الكبير 2: 114 ـ 118، بداية المجتهد 1: 174 ـ 178، الخلاف 1: 588 مسألة 351، وص591 مسألة 353، تذكرة الفقهاء 2: 365 مسألة 66، نهاية التقرير 1: 100 ـ 101 و 146 ـ 147.
( صفحه 513 )
والجمع مستلزم لورود صلاة في وقت صلاة اُخرى، فالتعرّض له لا يراد به إلاّ مجرّد عدم المنع في قبال القول به.
وأمّا التعرّض لترك الأذان، فلا محمل له إلاّ السقوط، وثبوت الفرق بينه، وبين سائر الموارد التي لا يتحقّق الجمع فيها، فالإنصاف تماميّة الاستدلال بمثل هذه الروايات على السقوط. نعم، وقع الكلام في أنّه هل هو على نحو العزيمة، أو الرخصة، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
بقي الكلام في اُمور:
الأوّل: أنّ سقوط الأذان في الموارد المذكورة هل يكون على سبيل الرخصة، أو بنحو العزيمة، أو تفصيل بين الموارد، ولابدّ قبل ذلك من التعرّض لمعنى العزيمة والرخصة.
فنقول: أمّا العزيمة، فمعناها هو عدم المشروعيّة، وثبوت الحرمة التشريعيّة لا الذاتيّة; ضرورة عدم ثبوت الحرمة الذاتيّة في المقام.
وأمّا الرخصة، فمعناها في نفسها هو جواز الترك وعدم لزوم الفعل، وحيث إنّ الأذان كان مستحبّاً، ولازمه جواز الترك، فالسقوط في تلك الموارد بمعنى الرخصة لابدّ وأن يكون المراد به أحد معنيين:
الأوّل: هي الكراهة في العبادات المكروهة التي لا بدل لها، كصوم يوم عاشوراء، ومرجعها إلى طروّ خصوصيّة للعبادة بعد الفراغ عن كونها عبادة راجحة في مقابل تركها، موجبة لأرجحيّة الترك، كانطباق عنوان أرجح على الترك، كالتشبّه ببني اُميّة في مثال الصوم المذكور، فالصوم إن لوحظ بالإضافة إلى الترك مع قطع النظر عن الخصوصيّة المذكورة يكون راجحاً،
( صفحه 514 )
ولأجله يكون عبادةً، وإن لوحظ بالإضافة إلى العنوان الأرجح المنطبق على الترك، يكون تركه أرجح من فعله.
وفي المقام نقول: إنّ الخصوصيّة المحتملة هي سرعة الإتيان بالصلاة الثانية والمبادرة إليها، وعدم الفصل بينها وبين الاُولى حتّى بالأذان، وهذا الوجه إنّما يلائم مع استحباب الجمع، كما في المواضع الثلاثة المتقدّمة، لا مع مجرّد جوازه كما في غيرها من الموارد، إلاّ أن يقال بثبوت خصوصيّة اُخرى غير المبادرة والسرعة مستكشفة من دليل السقوط فيها، ولا مجال لاعتبار العلم بتلك الخصوصيّة، كما يظهر من بعض العبارات.
الثاني: سقوط بعض مراتب الرجحان، وبقاء مراتب اُخرى كافية في أصل الرجحان والاستحباب، وبعبارة اُخرى: أقلّية الثواب بالإضافة إلى الأذان في غير موارد السقوط.
إذا ظهر معنى العزيمة والرخصة، فنقول:
لابدّ من البحث في كلّ واحد من الموارد المتقدّمة مستقلاًّ، وملاحظة دليله كذلك ليظهر حاله من هذه الجهة.
أمّا صلاة العصر يوم الجمعة، فإن كان مستند السقوط فيه هي رواية حفص المتقدّمة(1)، فلا خفاء في كون السقوط بنحو العزيمة; لتصريحها بكون الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة، لكن عرفت عدم تماميّة الاستدلال بها، وإن كان المستند ما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) (2) من الإجماع القولي على
- (1) في ص507.
- (2) تقدّم تخريجه في ص506 ـ 507.