( صفحه 529 )
ثمّ إنّ صاحب المدارك بعد الاستدلال للحكم بإحدى روايتي أبي بصير، ورواية أبي علي استشكل فيه باشتراك راوي الاُولى بين الثقة والضعيف، وجهالة راوي الثانية(1).
ويردّه أنّ أبا بصير الراوي اثنان، وكلّ منهما ثقة، وقد روى ابن أبي عمير في طريق الصدوق عن أبي علي، وهو يكشف عن وثاقته. وذكر في الجواهر أنّ الحسين بن سعيد الراوي عنه في طريق الشيخ من أصحاب الإجماع(2)، وهو في غاية الغرابة، فالإشكال في الروايات من هذه الجهة غير تامّ. نعم، في مقابلها روايتان:
إحداهما: رواية معاوية بن شريح المتقدّمة(3) في الموضع الأوّل، المشتملة على قوله (عليه السلام) : «ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة».
ثانيتهما: موثقة عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث في الرجل أدرك الإمام حين سلّم، قال: عليه أن يؤذِّن ويقيم ويفتتح الصلاة(4).
والجمع بينهما، وبين الروايات المتعدّدة إمّا بالحمل على الرخصة; بمعنى أنّ الروايتين شاهدتان على أنّ السقوط المدلول عليه بالطائفة الاُولى ليس بنحو العزيمة الموجبة لعدم المشروعيّة، والسقوط عن المصلحة المقتضية للعباديّة، وإمّا بحملهما على صورة تفرّق الصفّ وخروج بعض المأمومين
- (1) مدارك الأحكام 3: 267.
- (2) جواهر الكلام 9: 69 ـ 70.
- (3) في ص524 ـ 525.
- (4) تهذيب الأحكام 3: 282 ح836 ، الفقيه 1: 258 ح1170، وعنهما وسائل الشيعة 5: 431، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب25 ح5.
( صفحه 530 )
عن المسجد مثلا.
والظاهر رجحان الثاني; وإن كان يبعّده رواية معاوية بن شريح باعتبار استلزام هذا النحو من الجمع لترك تعرّضها لصورة عدم التفرّق أصلا، مع أنّ ظاهرها التعرّض لها، كما لا يخفى. كما أنّه يقرّبه رواية أبي علي الدالّة على أنّه (عليه السلام) أمر بالمنع والدفع أشدّ; فإنّه لا يلائم مع الرخصة بوجه.
وعليه: فلا إشكال بالنظر إلى الروايات في سقوط الأذان والإقامة في هذا الموضع، والظاهر أنّه لا فرق بين من كان غرضه من الدخول هي الشركة في الجماعة، وبين من لم يكن غرضه ذلك; سواء أراد الصلاة فرادى، أم جماعة بجماعة ثانية مستقلّة; لأنّ بعض الروايات المتقدّمة وإن كان مورده الصورة الاُولى، إلاّ أنّه لا ينبغي الإشكال في إطلاق البعض الآخر، بل في صراحة الشمول للصورة الثانية، كرواية أبي علي باعتبار ذيلها الدالّ على فرض إرادة الداخلين الصلاة جماعة مستقلّة، كما لا يخفى.
وهل السقوط في كلتا الصورتين بملاك واحد، أو بملاكين، سيأتي التعرّض له إن شاء الله تعالى.
ثمّ إنّه لا إشكال في اعتبار تفرّق الصفّ في السقوط في هذا الموضع، والظاهر أنّ المراد منه هو عدم بقاء صورة الجماعة والهيئة الحاصلة من أجلها، فلو تفرّق بعض الصفوف; بأن خرج بعض المأمومين من الصف وإن لم يخرجوا من المسجد بعد، أو لم تكن الهيئة مرتبطة بالجماعة، بل أعرضوا عن الصلاة وإن بقوا في مكانهم لاستماع المنبر أو غيره، فالظاهر صدق التفرّق; من دون توقّف على تفرّق الكلّ وخروجهم من الصفّ بل
( صفحه 531 )
من المسجد.
والدليل عليه ـ مضافاً إلى أنّ المتفاهم من التفرّق ذلك ـ بعض الروايات المتقدّمة الواردة في مورد خروج البعض من المسجد، وجلوس بعض آخر للتسبيح والتعقيب. نعم، في رواية زيد النرسي المتقدّمة التفصيل فيما إذا انصرف القوم عن الصلاة ولم يتفرّقوا بوجه، بين الصورتين، والحكم في إحداهما بسقوط الأذان والإقامة معاً، وفي الثانية بسقوط الأذان فقط، ولكنّها مع إجمالها في بيان الفرق بين الصورتين متفرّدة بهذا التفصيل.
ثمّ إنّه يظهر من المتن اعتبار اُمور اُخر زائدةً على ما ذكر:
أحدها: كونه في المسجد; بمعنى أنّ السقوط في هذا الموضع يختصّ بمن دخل المسجد فوجد القوم قد صلّوا ولم يتفرّق الصفّ، ويدلّ عليه أكثر الروايات المتقدّمة باعتبار ورودها في مورد المسجد، خصوصاً رواية السكوني باعتبار كون التقييد بالمسجد واقعاً في كلام الإمام (عليه السلام) دون سائر الروايات; وإن كان يمكن أن يقال بأنّ التقييد بالمسجد إنّما هو بملاحظة سائر الأحكام المذكورة فيه المختصّة بالمسجد، كعدم التطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة، وعدم الخروج منه حتّى يصلّي فيه، دون سقوط الأذان والإقامة أيضاً.
وبعبارة اُخرى: الشرط المذكور فيها، المركّب من الدخول في المسجد، وصلاة القوم فيه، له دخل في ترتّب مجموع الأحكام الثلاثة المذكورة فيها. وأمّا أنّ المجموع له دخل في ترتّب كلّ واحد منها، فلا يظهر من الرواية بوجه.
( صفحه 532 )
هذا، ولكنّه حيث يكون الحكم تعبّدياً وعلى خلاف القاعدة، والروايات واردة في مورد المسجد إلاّ رواية زيد النرسي، التي عرفت أنّها متفرّدة، وإحدى رواية أبي بصير، التي هي متّحدة مع روايته الاُخرى، الواردة في المسجد أيضاً، فلا دليل على تعميم الحكم بالإضافة إلى غير المسجد، فلا يجوز التعدّي عنه، ومنه يظهر اعتبار اتّحاد الصلاتين عرفاً، فلو كانت إحداهما داخل المسجد، والاُخرى على سطحه، أو بعدت إحداهما عن الاُخرى كثيراً، بحيث لم يكن بينهما ارتباط أصلا، لم يسقطا عنه بوجه.
ثانيها: كون الجماعة السابقة مع الأذان والإقامة، فلو كانت بدونهما ولو كان تركهم لهما لأجل الاستماع من غير لم يسقطا عنه; ويدلّ عليه التعبير في بعض الروايات بقوله (عليه السلام) : «صلّى بأذانهم وإقامتهم»(1)، الظاهر في وقوع صلاتهم مع الأذان والإقامة من أنفسهم، والتعبير في بعضها بإعادة الأذان وعدمها، الظاهر في تحقّق الأذان من الجماعة السابقة.
ثالثها: كون الجماعة السابقة صحيحة، فلو كان الإمام فاسقاً والمأمومون عالمين بفسقه، وكانت الجماعة باطلة لم يسقطا عنه; ومنشؤه انصراف النصوص المتقدّمة إلى الصلاة الصحيحة، وعدم شمولها للجماعة الباطلة.
رابعها: كون الصلاتين أدائيّتين، فلو كان كلّ واحدة منهما أو كلتاهما قضائيّة لم يسقطا عنه; ومنشؤه الانصراف المذكور.
خامسها: اشتراك الصلاتين في الوقت، فلو كانت إحداهما عصراً والاُخرى مغرباً لم يتحقّق السقوط المذكور; ومنشؤه أيضاً الانصراف.
( صفحه 533 )
ثمّ إنّ سيّدنا العلاّمة المحقّق البروجردي (قدس سره) أفاد في تعليقة العروة في هذا المقام كلاماً; وهو: أنّ اعتبار هذه الاُمور إنّما هو فيمن دخل المسجد مريداً للصلاة مستقلاًّ عن الجماعة إمّا جماعة أو فرادى. وأمّا من دخله لإدراكها فوجدهم قد فرغوا ولم يتفرّق الصفوف، فالظاهر أنّ سقوطهما عنه بملاك آخر، ولا يبعد فيه سقوطهما في كلّ مورد يكون إدراكه لها قبل الفراغ مسقطاً(1).
أقول: الظاهر أنّ الملاك للسقوط في المورد الثاني إنّما هو كون هذا الشخص كأنّه مدرك للجماعة بعد فرض كون نيّته قبل الدخول ذلك; فأذانه
وإقامته إنّما هو أذان الجماعة وإقامتها، كما أنّ الملاك للسقوط في المورد الأوّل إنّما هو احترام الجماعة السابقة ولحاظ حقّ الإمام السابق، بعدم رفع الصوت بالأذان حتّى كان الجماعة اللاّحقة من توابع الجماعة السابقة، فينبغي تركهما فيها، ولذا ورد في بعض الروايات السابقة(2)، أنّ الداخلين إذا أرادوا الصلاة جماعة يقومون في ناحية المسجد ولا يبدوا لهم، أو لا يبدر بهم إمام.
وبالجملة: فكلام سيّدنا الاُستاذ (قدس سره) في الحاشية مبنيّ على استفادة الموردين من النصوص، فمن بعضها يستفاد حكم من دخل المسجد لإدراك الجماعة، وأنّه يسقط الأذان والإقامة بالنسبة إليه إرفاقاً له ورعاية لنيّته.
وبعبارة اُخرى: مفاده جعل حقّ له; لكونه قاصداً لإدراك الجماعة، فكأنّه مدرك لها، فأذانه وإقامته هو أذان الجماعة وإقامتها، ولا يخفى أنّه في هذه
- (1) التعليقة على العروة الوثقى: 44.
- (2) تقدّم في ص528.