( صفحه 6 )
( صفحه 7 )
المقدّمة الثالثة في الستر والساتر
وجوب ستر العورة
مسألة 1: يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة وتوابعها، كالركعة الاحتياطيّة، وقضاء الأجزاء المنسيّة على الأقوى، وسجدتي السهو على الأحوط. وكذا في النوافل، دون صلاة الجنازة وإن كان الأحوط فيها أيضاً، ولا يترك الاحتياط في الطواف 1 .
1 ـ الكلام في الستر من جهتين:
الاُولى: في الوجوب النفسيّ الذي يتعلّق به مطلقاً في حال الصلاة وغيرها.
الثانية: في الوجوب الشرطيّ الذي يتعلّق به في حال الصلاة ومثلها، والفرق بين الجهتين يرجع إلى اُمور:
منها: أنّ الأوّل يتعلّق بالرجل بالنسبة إلى عورته، وبالمرأة بالإضافة إلى جميع بدنها عدا ما استثني على القول به فيما إذا كانا معرضين لنظر الغير،
( صفحه 8 )
كما يأتي(1) إن شاء الله تعالى.
والثاني يكون ثابتاً عليهما مطلقاً ولو لم يكونا معرضين لنظر الغير.
ومنها: أنّ الأوّل أعمّ من حيث الساتر; أي لا يجب أن يكون هو الثوب، بل يكفي ورق الشجر، أو الطين، أو غيرها، بل لا يلزم الساتر; لأنّ الملاك عدم تعلّق الرؤية به، فيكفي التستّر بمثل الظلمة والغبار، وهذا بخلاف الثاني; فإنّه يلزم فيه الساتر، ويكون له مراتب، بل لا يكفي بعض مراتبه أصلا، وتسقط شرطيّة الستر مع عدم التمكّن من غيره، كما سيجيء(2).
ومنها: أنّه لا يعتبر في الأوّل أن يكونا لابسين له، بل يكفي أن يكون الساتر بحيث يكون حائلا بينه، وبين الغير وإن كان منفصلا عنه، بخلاف الثاني; فإنّه يجب أن يكون المصلّي لابساً له.
ومنها: أنّه لا يعتبر في الأوّل صفة في الساتر، فيجوز أن يكون
حريراً للرجل من جهة التستّر به وإن كان يحرم عليه من جهة اللبس،
كما أنّه يجوز أن يكون نجساً، أو ميتة، أو من أجزاء غير مأكول اللحم.
وأمّا الثاني: فيعتبر فيه أوصاف وخصوصيّات يأتي(3) التعرّض لها
إن شاء الله تعالى.
ثمّ إنّ الكلام في الجهة الاُولى يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في حكم الرجال، والواجب عليهم ستر العورة فقط، كما هو
- (1) في ص22 ـ 59.
- (2) في ص92 وما بعدها.
- (3) في ص101 وما بعدها.
( صفحه 9 )
المتّفق عليه بين المسلمين(1) والمشهور بين العامّة وجوب التستّر من السرّة إلى الركبتين(2) ويستحبّ ذلك عند الخاصّة(3).
ويدلّ على وجوب ستر العورة قوله ـ تعالى ـ : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا ْ مِنْ أَبْصَـرِهِمْ وَ يَحْفَظُوا ْ فُرُوجَهُمْ ذَ لِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُ م بِمَا يَصْنَعُونَ )(4). ومفاد الآية مع قطع النظر عمّا ورد في تفسيرها من الروايات: أنّه يجب غضّ البصر وحفظ الفرج، والمراد من الغضّ من الشيء هو النقص عنه; لأنّ الغضّ هو النقصان، ومعنى الغضّ من البصر هو التقليل في النظر، ومراعاة عدمه في بعض الموارد.
وأمّا احتمال كون كلمة «من» في الآية زائدة فغير صحيح، لا في خصوص هذه الآية، بل في جميع الموارد، إلاّ فيما كان هناك ضرورة شعريّة; ضرورة أنّه لا وجه لذكر كلمة زائدة لا يترتّب عليها فائدة ولو التأكيد، فاحتمال الزيادة لا مجال له بوجه، وربما يحتمل أن تكون كلمة «من» لابتداء الغاية; نظراً إلى أنّ الرؤية والإبصار شروع ومقدّمة للأعمال المترتّبة عليه، التي لا ينبغي صدورها لقبحها وشناعتها.
ويؤيّد هذا الاحتمال ما رواه علي بن الحسين المرتضى في رسالة المحكم
- (1) المعتبر 2: 99، منتهى المطلب 4: 265، تحرير الأحكام 1: 202، الرقم 650، ذكرى الشيعة 3: 6 ـ 9، جامع المقاصد 2: 92، كشف اللثام 3: 227 ـ 230، مفتاح الكرامة 6: 3، المجموع 3: 168، بداية المجتهد 1: 116.
- (2) الاُمّ 1: 89 ، المجموع 3: 171، بداية المجتهد 1: 117، المغني لابن قدامة 1: 615 ـ 616، الخلاف 1: 393 مسألة 144، وص398 مسألة 149.
- (3) الخلاف 1: 398 مسألة 149، غنية النزوع: 65، الوسيلة: 89 ، قواعد الأحكام 1: 256، كشف اللثام 3: 231.
- (4) سورة النور 24: 30.
( صفحه 10 )
والمتشابه نقلا من تفسير النعماني بسنده الآتي عن علي (عليه السلام) في قوله ـ عزّ وجلَّ ـ : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا ْ مِنْ أَبْصَـرِهِمْ وَ يَحْفَظُوا ْ فُرُوجَهُمْ ذَ لِكَ أَزْكَى لَهُمْ )، معناه: لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن يمكِّنه من النظر إلى فرجه، ثمّ قال: ( قُل لِّلْمُؤْمِنَـتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )(1); أي ممّن يلحقهنّ النظر، كما جاء في حفظ الفروج، فالنظر سبب إيقاع الفعل من الزنا وغيره(2).
ولكنّ الظاهر أنّ كلمة «من» في الآية للتبعيض; بمعنى كون مدلولها إيجاب غضّ بعض الأبصار، الظاهر في ترك النظر إلى بعض الاُمور، ويؤيّده كلمة «الغضّ»، الظاهرة في النقصان كما عرفت، ولا يبعد دعوى كون قوله
ـ تعالى ـ : ( وَ يَحْفَظُوا ْ فُرُوجَهُمْ ) قرينة على أنّ المراد من البعض الذي يجب ترك النظر إليه، هو فروج الغير.
كما أنّ الإبهام في هذا القول من جهة عدم ظهور كون المراد حفظ الفرج من الزنا، أو من نظر الغير، يرتفع بالجملة الاُولى من الآية الشريفة، ويصير ظاهراً بملاحظتها في كون المراد هو الحفظ من النظر، فإجمال كلّ من الجملتين الشريفتين يرتفع بالاُخرى.
ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ظهور الآية فيه في نفسها، كما عرفت نفي البعد عنه ـ الرواية المتقدّمة، ويؤيّد ما ذكرنا ما ورد في تفسير الآية من الرواية
- (1) سورة النور 24: 31.
- (2) رسالة المحكم والمتشابه: 122، وعنه وسائل الشيعة 1: 300، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة ب1 ح5.