(الصفحة 108)
الحيض ، والممتاز عنها بعدم احتمال اليأس أو يستفاد بطريق أولى؟
إلى هنا ظهر أمران :
الأوّل: في مقابل السيّد المرتضى(قدس سره) ، حيث إنّه استفاد من الآية الشريفة أنّ اليائسة المصطلحة عليها الإعتداد ثلاثة أشهر ، ونحن أجبنا عنه بأنّ قيد «إنِ ارتَبتُم» ينافي ذلك ، وان لم نقل بثبوت المفهوم للقضية الشرطية .
الثاني : إنّ في أصل المسألة يعني النساء اللاّتي انقطع عنهنّ الحيض; لأجل إخراج الرّحم مثلا ، ولكنهنّ في سنّ من تحيض ، يستفاد من الآية ثبوت العدّة عليهنّ .
وبعبارة اُخرى أنّه إذا سئل عن أنّه لِمَ وقع البحث عن اليائسة والصغيرة؟ فالجواب: أنّ وقوع البحث عنهما إنّما هو بلحاظ أنّه لو قلنا فيه بما قاله السيد(قدس سره)من ثبوت العدّة لليائسة المصطلحة بمقتضى ما استفاده من الآية الشريفة; لكان اللازم الالتزام بثبوت العدّة فيمن لا تحيض وهي في سن من تحيض بطريق أولى; لاشتراكهما في انقطاع الحيض وامتياز اليائسة بالبلوغ إلى سنّ اليأس ، ولو لم نقل بما قاله السيد ، بل قلنا بعدم ثبوت العدّة لليائسة المصطلحة كما اخترناه ، فهو لا يلازم عدم الثبوت في المقام; لإمكان عدم ثبوت العدّة لليائسة وثبوتها في المقام ، فالملازمة انّما هي ثابتة في ناحية الإثبات دون النفي .
ثم إنّ بعض الفقهاء ـ قدّس الله أسرارهم ـ قد جمعوا بين عدم تبعيّة السيّد(قدس سره) في فتواه ، وبين الاعتراف بأنّ الآية لا ظهور لها في خلاف مقالته ، بل هي مجملة واللاّزم رفع اليد عنها(1) . ومن جملة هؤلاء صاحب المدارك في نهاية
- (1) مسالك الافهام: 9 / 234 .
(الصفحة 109)
المرام ، التي هي تتمة كتاب استاده المحقق الأردبيلي صاحب مجمع الفائدة والبرهان في شرح الإرشاد للعلاّمة(1) ، ويمكن أن يستفاد من عبارة الشرائع أيضاً ذلك ، حيث اقتصر على وجود روايتين في المسألة ولم يشر إلى الآية أصلا(2) . هذا كلّه بلحاظ الآية الشريفة ، وأمّا بملاحظة الروايات الواردة فهي على طائفتين :
إحداهما : الروايات(3) النافية لثبوت العدّة على اليائسة والصغيرة ، وهي متكثّرة بحيث قال صاحب الجواهر(قدس سره) : يمكن دعوى تواترها(4) . وقد تقدّمت هذه الروايات والبحث عن مفادها .
ثانيتهما : الروايات الواردة في ضابطة العدّة ، واللاّزم البحث في مفادها من جهتين :
الاُولى : هل هذه الروايات في مقام إعطاء الضابطة ، أو أنّها في مقام الإشارة إلى مسألة العدّة من دون أن تكون في مقام إعطاء الضابطة الكلية ؟
الثانية : أنّه إذا كانت في مقام إعطاء الضابطة ، فهل المقام من مصاديقها أم لا؟
ومن هذه الروايات :
رواية داود بن سرحان ـ التي في طريقها سهل بن زياد ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : عدّة المطلقة ثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض(5) .
- (1) نهاية المرام: 2 / 91 .
- (2) شرائع الإسلام: 3 / 35 .
- (3) الوسائل: 22 / 177 ـ 183 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 و 3 .
- (4) جواهر الكلام: 32 / 233 .
- (5) الكافي: 6 / 90 ح2 ، الوسائل: 22 / 198 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب12 ح3 .
(الصفحة 110)
وظاهرٌ أنّ قيد «إن لم تكن تحيض» دليل على كونها في مقام إعطاء الضابطة ، وإلاّ لم تكن حاجة إلى بيان هذا القيد .
وأمّا بالنظر إلى الجهة الثانية ، فنقول : ما المراد من القيد المذكور في الرواية؟ فهل المراد منه المرأة التي لم ترَ دم الحيض إلى الحال أصلا ، أو المراد منه المرأة التي لا ترى دم الحيض في حال وقوع الطلاق؟ وبعبارة اُخرى أعمّ ممّن لم ترَ دم الحيض أو لا تراه في هذه الحالة ، فإن قلنا بالثاني فالرواية تدل بالمنطوق على ثبوت العدّة لمن أخرجت رحمها ومثلها ، وحيث إنّه لا يتحقق فيها إلاّ الأشهر فاللازم رعايتها ، وإن قلنا بالاحتمال الأوّل الذي تؤيّده رواية الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : لا ينبغي للمطلّقة أن تخرج إلاّ بإذن زوجها حتى تنقضي عدّتها ثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر إن لم تحض(1) .
فيمكن أن يستشهد بالرواية من طريق الأولويّة شبيه الأولويّة المذكورة بالإضافة إلى الآية الشريفة; لأنّ من لم ترَ دم الحيض إلى عشرين سنة مثلا من عمرها إذا كانت عدّتها ثلاثة أشهر ، فمن رأته إلى أربعين سنة من عمرها ـ غاية الأمر صار الدم منقطعاً لأجل إخراج الرحم أو غيره ـ تكون العدّة المذكورة ثابتة عليها بطريق أولى ، كما لا يخفى .
هذا ، ولكن تعارض الرواية المزبورة صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام)أنّه قال : في التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة ، أو في ستّة ، أو في سبعة أشهر ، والمستحاضة التي لم تبلغ الحيض ، والتي تحيض مرّة ويرتفع مرّة ، والتي لا تطمع في
- (1) الكافي: 6 / 89 ح1 ، التهذيب: 8 / 116 ح402 و130 ح449 ، الاستبصار: 3 / 333 ح1184 ، الوسائل: 22 / 198 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب12 ح1 .
(الصفحة 111)
الولد ، والتي قد ارتفع حيضها وزعمت أنّها لم تيأس ، والتي ترى الصفرة من حيض ليس بمستقيم ، فذكر : أنّ عدّة هؤلاء كلّهنّ ثلاثة أشهر(1) .
فإنّ قوله: «والتي لا تطمع في الولد» فمع أنّه لم يستعمل فيه كلمة المثل والطمع لغة يستعمل في موارد ثبوت الرجاء ، فالمذكور في الرواية أنّ عدّتها أيضاً ثلاثة أشهر ، وفي بعض الروايات: التي لا تحبل مثلها لا عدّة عليها(2) .
فهل بين الروايتين تعارض؟ أو أنّ عدم ذكر كلمة المثل في هذه الرواية وذكرها في الرواية المذكورة ، يوجب إمكان الجمع الدلالي بينهما وخروجهما عن المتعارضين؟ نظراً إلى أنّ قوله(عليه السلام) «التي لا تحبل مثلها» ناظر إلى الأقران والمشتركات معها في السنّ ، وقوله: «التي لا تطمع في الولد» ناظر إلى خصوص بعض المطلّقات من جهة الحالة الشخصية ، المانعة لها عن الطمع في الولد ، ففي الحقيقة تقول الرواية المذكورة : كلّ من لا تحبل مثلها بحسب السنّ لا عدّة عليها ، والصحيحة تقول: بأنّ «من لا طمع لها في الولد» لخصوصية موجودة فيها وعارضة عليها يجب عليها الاعتداد ثلاثة أشهر ، ومن المعلوم أنّ المقام داخل في هذا القسم; لأنّ من أخرجت رحمها لعلّة لا يكون لها الطمع في الولد للخصوصية الموجودة فيها ، وإن كانت مثلها تحبل عادة .
وقد بقيت في هذا البحث ثلاث طوائف اُخرى من الروايات :
إحداها : الروايات الواردة في اليائسة المصطلحة والصغيرة الدالّة على وجوب
- (1) الكافي: 6 / 99 ح5 ، الوسائل: 22 / 183 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب4 ح1 .
- (2) الكافي: 6 / 85 ح3 ، التهذيب: 8 / 67 ح221 ، الاستبصار: 3 / 338 ح1204 ، الوسائل: 22 / 182 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب3 ح2 .
(الصفحة 112)
الاعتداد لهنّ ثلاثة أشهر خلافاً للمشهور(1) ، وفي مقابلها الروايات الدالة على أنّه لا عدّة لهما ، وقد عرفت(2) ثبوت الترجيح مع هذه الطائفة .
ثانيتها : الروايات الدالّة على عدم ثبوت العدّة على عناوين مخصوصة ، وربّما يتوهّم شمول بعض تلك العناوين للمقام ، مثل :
صحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن التي قد يئست من المحيض ، والتي لا تحيض مثلها؟ قال : ليس عليها عدّة(3) .
والبحث إنّما هو في هذا العنوان الثاني ، وهو السؤال عن التي لا تحيض مثلها نظراً إلى أنّ الصغيرة وإن كانت لا تحيض مثلها ، إلاّ أنّه لا دليل على انحصاره بها ، والسرّ أنّ السائل وهو حمّـاد بن عثمان قد سأل الإمام(عليه السلام) عن عنوانين: أحدهما: اليائسة المصطلحة . ثانيهما: التي لا تحيض مثلها . وهذا يكشف عن أنّه كان في ذهن السائل ـ وهو من فقهاء الرواة ـ مناسبة بين الحيض والعدّة . وجواب الإمام(عليه السلام)بعدم ثبوت العدّة راجع إلى ثبوت الارتباط ، ووجود المناسبة بين الحيض والعدّة ، ولكن بالمعنى الذي ذكرناه في مثل قوله(عليه السلام): «التي لا تحبل مثلها» ، وإلاّ فلو كان المقصود عدم ثبوت العدّة على من لا ترى دم الحيض بأيّ وجه وسبب بعلّة طبيعية أو غير طبيعية ، لم تكن حاجة إلى الإتيان بكلمة المثل ، وهذه الكلمة موجودة في كلام الإمام(عليه السلام) وفي كلام السائل في هذه الرواية وفي غير هذه الرواية .
- (1) شرائع الإسلام: 3 / 35 ، المقنعة: 532 ـ 533 ، النهاية: 532 ـ 533 ، مسالك الافهام: 9 / 230 ، رياض المسائل: 7 / 367 ، الحدائق الناضرة: 25 / 431 .
- (2) في ص94 ـ 96 .
- (3) التهذيب: 8 / 66 ح218 ، الوسائل: 22 / 177 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح1 .