(الصفحة 187)
القول في عدّة وطء الشبهة
والمراد به وطء الأجنبيّة بشبهة أنّها حليلته إمّا لشبهة في الموضوع كما لو وَطِئ امرأة باعتقاد أنّها زوجته ، أو لشبهة في الحكم كما إذا عقد على اُخت الموطوء معتقداً صحّته ودخل بها(1) .مسألة 1 : لا عدّة على المزني بها سواء حملت من الزنا أم لا على الأقوى ،
1 ـ لا إشكال في أنّ المراد بوطء الشبهة وطء الأجنبية الواقعية بشبهة أنّها حليلته ، إمّا لشبهة في الموضوع كما لو وطئ امرأة باعتقاد أنّها زوجته أو لشبهة في الحكم ، كما إذا عقد على اُخت الموطوءة معتقداً صحّته ودخل بها ، مثل ما نقلناه سابقاً(1) من بعض من ينتحل العلم من أنّ الجمع بين الاُختين المنهي عنه إنّما هو فيما إذا أراد الجمع بينهما في النكاح الدائم ، وأمّا إذا أراد الجمع بينهما بالنكاح الدائم في إحداهما وبالمنقطع في الاُخرى فلا مانع منه ، كما أنّه قد تكون الشبهة من الطرفين ، وقد تكون من طرف الواطئ ، وقد تكون من طرف الموطوءة .
- (1) تفصيل الشريعة / كتاب النكاح: القول في المصاهرة ، مسألة 15 و16 .
(الصفحة 188)وامّا الموطوءة شبهة فعليها عدّة سواء كانت ذات بعل أو خلية ، وسواء كانت لشبهة من الطرفين أو من طرف الواطئ ، بل الأحوط لزومها إن كانت من طرف الموطوءة خاصّة(1) .
1 ـ أمّا عدم ثبوت العدّة على المزني بها ، ففيما إذا لم تحمل من الزنا فواضح بعد عدم كون الوطء مجازاً في الشرع ومحرّماً فيه لا يكون ملحوظاً عند الشارع في عالم الزوجية والاستمتاع ، لكن عن الفاضل في التحرير: أنّ عليها العدّة حينئذ(1) ، وفي محكي المسالك: لا بأس به حذراً من اختلاط المياه وتشويش الأنساب(2) ، بل في الحدائق اختياره(3) لرواية إسحاق بن جرير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له : الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها ، هل يحلّ له ذلك؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور ، فله أن يتزوّجها ، وإنّما يجوز له تزويجها بعد أن يقف على توبتها(4) .
ورواية الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول ، عن أبي جعفر محمد بن علي الجواد(عليهما السلام) ، أنّه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا ، أيحلّ له أن يتزوّجها؟ فقال : يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره ، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه ، ثم يتزوّج بها إن أراد ، فإنّما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراماً ، ثمّ اشتراها فأكل منها حلالا(5) .
- (1) تحرير الاحكام: 2 / 71 .
- (2) مسالك الافهام: 9 / 263 .
- (3) الحدائق الناضرة: 25 / 458 .
- (4) الكافي: 5 / 356 ح4 ، الوسائل: 22 / 265 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب44 ح1 .
- (5) تحف العقول: 454 ، الوسائل: 22 / 265 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب44 ح2 .
(الصفحة 189)
ويؤيّدهما إطلاق ما دلّ على العدّة بالدخول والماء(1) ، وأنّ الحكمة فيها اختلاط الأنساب ، لكن فيه : أنّ الخبر الأوّل دالّ على صحّة النكاح عليها بعد أن يقف على توبتها ، مع أنّ صحّة النكاح لا يتوقّف على التوبة قطعاً ، والخبر الثاني دالّ على الجواز مع العلم بعدم تحقّق زنى بعد زناه ، ومحلّ الكلام أعمّ منه ، كما أنّ محلّ الكلام أعمّ من صورة الإنزال مع الدخول . والروايتان منحصرتان بصورة الإنزال ، فلا يبعد كما في الجواهر حمل الخبرين على ضرب من الندب(2) .
وأمّا إذا حملت من زنا فإنّه لا إشكال بل لا خلاف في عدم ثبوت العدّة عليها ، ولا تجري فيها الحكمة في العدّة وهي اختلاط الأنساب ، وآية
{ وأُولاَتُ الأَحمَالِ}(3) لا تشملها بعد كون الموضوع في الآية هي نساؤكم ، كما لايخفى .
وأمّا ثبوت العدّة على الموطوءة بشبهة ـ فمضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة ، والمفروض أنّ الوطء حلال موجب للحوق الولد بالواطئ مع اجتماع شرائط اللحوق ، وعدم إمكان اللحوق بالزوج فيما إذا كانت مزوّجة ، كما إذا كان غائباً وطالت مدّة غيبته عن أقصى الحمل ـ فيدلّ عليه الروايات(4) الكثيرة الواردة في فروع المسألة، مثل التزويج في العدّة وأنّه هل يوجب الحرمة الأبديّة، ومثل تداخل العدّتين فيما إذا كانت مزوّجة وقد طلّقها زوجها ، مع أنّه لا خلاف فيه ظاهراً .
نعم وقع هنا كلام ، وهو أنّ وقت الاعتداد من الشبهة هل هو آخر وطئه أم وقت
- (1) الوسائل: 22 / 175 ـ 177 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب1 ، وج21 / 319 ـ 320 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب54 .
- (2) جواهر الكلام: 32 / 264 .
- (3) سورة الطلاق: 65 / 4 .
- (4) الوسائل: 20 / 446 ـ 456 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب16 ـ 17 .
(الصفحة 190)مسألة 2 : عدّة وطء الشبهة كعدّة الطلاق بالأقراء والشهور وبوضع الحمل لو حملت من هذا الوطء على التفصيل المتقدّم ، ومن لم يكن عليها عدّة الطلاق كالصغيرة واليائسة ليس عليها هذه العدّة أيضاً(1) .
الانجلاء؟ والظاهر هو الثاني; لأنّ المراد حصول العلم ببراءة الرحم من ذلك الوطء الذي هو في الحقيقة موجب للعدّة لا غيره وإن كان عقداً فاسداً .
نعم ، لا إشكال في ثبوت العدّة فيما إذا كانت الشبهة من الطرفين أو من طرف الواطئ خاصّة ، وأمّا إذا كانت من طرف الموطوءة خاصّة ففيه إشكال من ثبوت وطء الشبهة ، وهي لا تتقوّم بما إذا كانت من الطرفين ، والمفروض أنّه موجب للعدّة ، ومن أنّ الوطء قائم بالزوج حقيقة ، وهو يعلم بحرمته وعدم مشروعيّته ، فهو في الحقيقة زنا ، وقد عرفت عدم ثبوت العدّة في الزنا ، ولكن حيث إنّ أمر الوطء والنكاح مشكل والاحتياط في الفروج معروف ، فالأحوط لزوماً الاعتداد في هذه الصورة أيضاً ، كما في المتن .
نعم ، قد تقدّم(1) البحث في تداخل العدّتين وعدمه فيما إذا طلّقها الزوج ، وفي أنّ العدّة المبتدأ بها عدّة وطء الشبهة أو عدّة الطلاق .1 ـ مقدار الاعتداد من وطء الشبهة إنّما هو مقدار عدّة الطلاق الحاصلة بالأقراء والشهور في الحائل ، ووضع الحمل لو حملت من هذا الوطء على التفصيل المتقدّم(2) ، ومن لم يكن عليها عدّة طلاق كالصغيرة وإن دخل بها على ما تقدّم(3) ، واليائسة كذلك ليس عليها هذه العدّة أيضاً .
- (1 ، 2) في ص128 ـ 132 .
- (3) في ص94 ـ 96 .
(الصفحة 191)مسألة 3 : لو كانت الموطوءة شبهة ذات بعل لا يجوز لزوجها وطؤها في مدّة عدّتها ، وهل يجوز له سائر الاستمتاعات منها أم لا؟ أحوطهما الثاني وأقواهما الأوّل ، والظاهر أنّه لا تسقط نفقتها في أيام العدّة وإن قلنا بحرمة جميع الاستمتاعات منها(1) .
نعم ، لا يتصوّر هنا عدّة غير المدخول بها ، كما لايخفى .1 ـ لو كانت الموطوءة شبهة ذات بعل لا يجوز لزوجها وطؤها في مدّة عدتها قطعاً كما في الجواهر(1); ولأنّ ثبوت العدّة لا يجتمع مع جواز الوطء ، ولا مجال لأن يقال: إنّ ثبوت الاعتداد إنّما هو بالإضافة إلى غير الزوج ، وفي القواعد(2)والمسالك(3) المنع عن الاستمتاع بها إلى أن تنقضي عدّتها ، لكن لا دليل عليه يصلح لمعارضة ما دلّ على الاستمتاع بالزوجة من الكتاب والسّنة(4) مثل قوله تعالى :
{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(5) فالأقوى هو الجواز ، كما أنّ مقتضى الإحتياط الأوّل ، ويؤيّد الأوّل أنّه من الواضح عدم خروجها عن المحرّمية بذلك . ومن المعلوم أنّ فرض المحرّمية يستلزم جواز النظر ، ومن البعيد حصر جواز النظر فيما إذا لم يكن فيه تلذّذ وريبة ، والفرق بين الاستمتاع الذي لا يلازم التصرّف فيها وبين جواز المسّ وأمثاله لم يقل به أحد .
ثم إنّ نفقتها في أيام العدّة إن كانت مزوّجة أو كالزوجة على الزوج ، وإن قلنا
- (1) جواهر الكلام: 32 / 267 .
- (2) قواعد الاحكام: 2 / 74.
- (3) مسالك الافهام: 9 / 264 .
- (4) الوسائل: 20 / 157 ـ 163 ، أبواب مقدمات النكاح ب79 ، 80 ، 81 .
- (5) سورة البقرة: 2 / 223 .