(الصفحة 206)
خرجت من بيت زوجها ، ولا يقال : إنّ فلاناً أخرج زوجته من بيتها ، إنّما يقال ذلك إذا كان ذلك على الرغم والسخط ، وعلى أنّها لا تريد العود إلى بيتها فأمساكها على ذلك ـ إلى أن قال : ـ إنّ أصحاب الأثر وأصحاب الرأي وأصحاب التشيّع قد رخّصوا لها في الخروج ، الذي ليس على السخط والرغم ، وأجمعوا على ذلك . . . لأنّ المستعمل في اللغة هذا الذي وصفناه(1) (2) .
وحينئذ فالظاهر جواز الخروج بإذن الزوج ، ولا فرق في ذلك بين الحج الإستحبابي وغيره ، كما لايخفى .
ثمّ إنّه قد استثنى في الكتاب الذي هو الأصل في هذا الحكم صورة الإتيان بفاحشة مبيّنة ، وقد وقع الاختلاف في المراد منها ، والمذكور في الشرائع قوله: وهو أن تفعل ما يجب به الحدّ فتخرج لإقامته ، وأدنى ما تخرج له أن تؤذي أهله(3) . ويظهر منه أنّ عدم جواز الإخراج في صورة عدم الإتيان بفاحشة مبيّنة إنّما هو لأجل عدم إقامة الحدّ عليها المستلزمة للخروج من بيتها ، وعليه فيعتبر أمران في الفاحشة المذكورة: أحدهما: كونها موجبة للحدّ . وثانيهما: الصلاحية للإثبات عند الحاكم حتى يحكم عليها بالحدّ ، فلا وجه حينئذ لجعل إيذاء الأهل موجباً لجواز الإخراج ، فتنحصر في مثل الزنا والمساحقة بما يوجب الحدّ بعد الإثبات ، ولكن هنا روايات(4) تدلّ على جواز الإخراج لذلك ، قال الشيخ في محكيّ النهاية: قد
- (1) الكافي: 6 / 95 .
- (2) جواهر الكلام: 32 / 331 ـ 332 .
- (3) شرائع الإسلام: 3 / 42 .
- (4) الوسائل: 22 / 220 ـ 221 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 .
(الصفحة 207)
روي أنّ أدنى ما يجوز له معه إخراجها أن تؤذي أهل الرجل(1) ، وفي مجمع البيان أنّه المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام)(2) .
وكيف كان ، فالروايات الواردة في تفسير الفاحشة المبيّنة على طائفتين :
الطائفة الاُولى : ما يظهر منه عدم الشمول لإيذاء الأهل ويساعدها الاعتبار; لعدم عدّ مجرّد الايذاء فاحشةً وان كان مناسباً لجواز الإخراج ، مثل:
مرسلة الصدوق المعتبرة قال : سئل الصادق(عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ
{وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة}(3)قال : إلاّ أن تزني فتخرج ويقام عليها الحدّ(4) .
ورواية سعد بن عبدالله المروية عن كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن صاحب الزّمان(عليه السلام) قال : قلت له: أخبرني عن الفاحشة المبيّنة ، التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدّتها ، حلّ للزوج أن يخرجها من بيته؟ قال(عليه السلام) : الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزّنا ، فإنّ المرأة إذا زنت ، وأُقيم عليها الحدّ ، ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحدّ ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم ، والرجم خزي ، ومن قد أمر الله عزّوجلّ برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه ، الحديث(5) .
والظاهر أنّ المراد نفي اختصاص الفاحشة بالزنا بل شمولها للسحق أيضاً ، وإلاّ
- (1) النهاية: 534 .
- (2) مجمع البيان: 10 / 36 ، الوسائل: 22 / 221 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح5 .
- (3) سورة الطلاق: 65 / 1 .
- (4) الفقيه: 3 / 322 ح1565 ، الوسائل: 22 / 220 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح3 .
- (5) كمال الدين: 459 ، الوسائل: 22 / 221 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح4 .
(الصفحة 208)
فالزنا هو الفرد الواضح للفاحشة .
الطائفة الثانية : ما تدل على الشمول ، مثل :
مرسلة إبراهيم بن هاشم، عن الرّضا(عليه السلام) في قوله تعالى:
{لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة} قال : أذاها لأهل زوجها وسوء خلقها(1).
ومرسلة محمد بن علي بن جعفر قال: سأل المأمون الرضا(عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ:
{لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة} قال : يعني بالفاحشة المبيّنة أن تؤذي أهل زوجها ، فإذا فعلت فإن شاء أن يخرجها من قبل أن تنقضي عدّتها فعل(2) .
وما رواه في مجمع البيان في قوله تعالى :
{لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة} قال : قيل: هي البذاء على أهلها ، فيحلّ لهم إخراجها . وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام)(3) .
قال ـ أي صاحب مجمع البيان ـ : وروى علي بن أسباط ، عن الرضا(عليه السلام) قال : الفاحشة أن تؤذي أهل زوجها وتسبّهم(4) .
ولعلّه لأجل وجود الطائفتين قد جمع المحقق في عبارته المتقدّمة بين أمرين من دون الاختصاص بمثل الزنا أو بالايذاء المذكور ، وحيث إنّ روايات الطائفة الثانية مرسلة بأجمعها; فلذا استشكل وتأمّل في ذلك في المتن ، ولكن مقتضى الاحتياط ما ذكرنا ، فتدبّر جيّداً .
- (1) الكافي: 6/97 ح1، التهذيب: 8 / 131 ح455 ، الوسائل: 22 / 220 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح1.
- (2) الكافي: 6 / 97 ح2 ، الوسائل: 22 / 220 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح2 .
- (3) مجمع البيان: 10 / 36 ، الوسائل: 22 / 221 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح5 .
- (4) مجمع البيان: 10 / 36 ، الوسائل: 22 / 221 ـ 222 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب23 ح6 .
(الصفحة 209)القول في الرّجعة
وهي ردّ المطلّقة في زمان عدّتها إلى نكاحها السابق ، ولا رجعة في البائنة ولا في الرجعية بعد انقضاء عدّتها(1) .مسألة 1 : الرجعة إمّا بالقول وهو: كلّ لفظ دلّ على إنشاء الرجوع كقوله: «راجعتك إلى نكاحي» ونحوه ، أو دلّ على التمسّك بزوجيتها كقوله: «رددتك إلى نكاحي» أو «أمسكتك في نكاحي» ويجوز في الجميع إسقاط قوله: «إلى
1 ـ الرجعة لغةً: المرّة من الرجوع ، وشرعاً: ردّ المرأة المطلّقة بالطلاق الرجعي في زمان العدّة إلى النكاح السابق ، فلا رجعة في الطلاق البائن ولا الرجعي بعد انقضاء العدّة وتماميّتها ، والدليل على المشروعية قوله تعالى :
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إِصْلاَحاً}(1) الآية والروايات المتعدّدة(2) ، بل لا خلاف بين المسلمين في ذلك .
- (1) سورة البقرة: 2 / 228 .
- (2) الوسائل: 22 / 108 ـ 110 ، أبواب أقسام الطلاق ب2 .
(الصفحة 210)نكاحي» و: «في نكاحي» ولا يعتبر فيه العربيّة ، بل يقع بكلّ لغة إذا أفاد المعنى المقصود . وإمّا بالفعل بأن يفعل بها ما لا يحلّ إلاّ للزوج بحليلته كالوطء والتقبيل واللمس بشهوة أو بدونها(1) .
1 ـ الرجعة من الاُمور الإنشائية الإيقاعية ، ويتحقّق إمّا بالقول وإمّا بالفعل ، أمّا القول فهو كلّ لفظ دلّ إمّا على الرجوع كقوله: راجعتك وارتجعتك مطلقاً ، أو مع إضافة قوله إلى نكاحي أو في نكاحي ، أو على التمسك بزوجته ، كقوله: رددتك إلى نكاحي ، أو أمسكتك في نكاحي أو مطلقاً ، ولا دليل على اعتبار العربيّة ، بل يقع بكلّ لغة إذا أفاد المعنى المقصود ، كسائر العقود والإيقاعات مع عدم قيام دليل على اعتبار العربيّة ، كما في النكاح الدائم على احتمال .
نعم ، ربما يحتمل عدم كون الرجعة من أقسام الايقاع حتى يعتبر فيها ما يعتبر في سائر العقود والايقاعات من اُمور متعددة عمدتها ترجع إلى اعتبار القصد إلى المضمون واعتبار الصراحة أو الظهور ، بل هي من حقوق المطلّق ، كما ربما يؤيّده عدم اعتبار لفظ مخصوص فيها ، وعدم اعتبار الاقتران مع القصد في الفعل الذي يتحقّق به الرجوع ، كالوطء بل التقبيل واللمس اللذين ربّما يجتمعان مع عدم الزوجية ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ إنكار الطلاق رجعة ، ولا يعهد مثل ذلك في سائر العقود والإيقاعات .
هذا،خصوصاًمع أنّ الكلام لايرتبط بمقام الإثباتووجودالاختلاف بين الزوجين في ذلك ، بل بمقام الثبوت وأصل التحقق مع عدم الاختلاف أصلا . وكيف كان ، فلا دليل على اعتبار الصراحة بل الظهور المعتمد عند العقلاء في تحقّق الرجوع .
وأمّا الفعل ، فقد ذكر في المتن أنّه عبارة عن أن يفعل بها ما لا يحلّ إلاّ للزوج بحليلته كالاُمور المذكورة في المتن ، ومقتضى ذلك أن يكون تكرار