(الصفحة 498)
الفصل الثالث :
في ميراث المجوس وغيرهم من الكفّار
مسألة 1 : المجوس وغيرهم من فرق الكفّار قد ينكحون المحرّمات عندنا بمقتضى مذهبهم على ما قيل ، وقد ينكحون المحلّلات عندنا ، فلهم نسب وسبب صحيحان وفاسدان(1) .
1 ـ العلّة في ايراد هذا الفصل ما هو الشائع من أنّ المجوس قد ينكحون المحرّمات كالبنت والاُخت والاُمّ ، مع أنّك عرفت(1) أنّي رأيت في بلدة يزد ـ التي هي مركز المجوس حين إقامتي إيّاها بالإقامة الإجبارية في زمن الطاغوت ـ كتاباً ألّفه بعض فضلائهم ، قد أنكر فيه أشدّ الإنكار ذلك ، وقال : إنّ المجوس لا ينكحون المحرّمات النسبية العرفيّة كالاُمّ والاُخت والبنت ، وزعم أنّ هذا بهتان عليهم ، وإيراد غير صحيح على مذهبهم الفاسد .
وكيف كان ، فلا إشكال في أنّ المجوس وغيرهم من فرق الكفّار ، إذا لم يكن نكاحهم صحيحاً في مذهبهم ولو كان باطلا عندنا لا يتحقّق بينهم توارث ،
(الصفحة 499)مسألة 2 : لا يرث مجوسي ولا غيره ممّن لا يكون بينه وبينه نسب أو سبب صحيح في مذهبه(1) .مسألة 3 : لو كان نسب أو سبب صحيح في مذهبهم وباطل عندنا ، كما لو نكح أحدهم باُمّه أو بنته وأولدها ، فهل لا يكون بين الولد وبينهما وكذا بين الزوج والزوجة توارث مطلقاً ، وإنّما التوارث بالنسب والسبب الصحيحين عندنا ، أو يكون التوارث بالنسب ولو كان فاسداً وبالسبب الصحيح دون الفاسد ، أو يكون بالأمرين صحيحهما وفاسدهما؟ وجوه وأقوال ، أقواها الأخير(2) .
وهكذا في ناحية النسب ، كما أنّ الأمر كذلك بالإضافة إلى مذهبنا ، فإنّ ولد الزنا لا يكون بينه وبين أبويهما العرفيين توارث أصلا ، ولعلّ هذا هو القدر المتيقّن من الآثار غير المترتّبة على ولد الزنا ، وإلاّ فالمحرمية وعدم جواز التناكح بينه وبين والديهما ، وكذا بعض الآثار الاُخر ثابتة; لترتّبها على النسب العرفي لا الشرعي ، كما قد حقّقناه فيما سبق(1) .1 ـ قد عرفت أنّ المجوسي ولا غيره لا يرث ممّن لا يكون بينه وبينه نسب أو سبب صحيح ولو في مذهبه; لعدم ثبوت موجبات الإرث أصلا. نعم لو كان صحيحاً في مذهبه باطلا عندنا لا مانع من التوارث، كماسيجيء بيان مصاديقه مفصّلا فانتظر.2 ـ في المسألة وجوه بل أقوال :
الأوّل : ما حكي عن يونس بن عبد الرحمن(2) من أجلاّء رجال الكاظم
- (1) في ص339 ـ 340 .
- (2) الكافي : 7 / 145 ، التهذيب : 9 / 364 ، الاستبصار : 4 / 188 .
(الصفحة 500)
والرضا(عليهما السلام) ، ومن تبعه من جماعة كثيرة ، كالمفيد(1) في أحد النقلين والمرتضى(2)والتقيّ(3) والحلّي(4) والفاضل(5) . بل نسب إلى جمهور الإمامية(6) من عدم التوريث إلاّ بالنسب والسبب الصحيحين عندنا; لعموم ما دلّ على فساده للمسلم والكافر; لقوله تعالى في موارد متعدّدة بإيجاب الحكم عليهم بما أنزل الله(7) .
الثاني : ما اختاره الفضل بن شاذان(8) النيشابوري من قدماء الفضلاء من رجال الهادي والعسكري(عليهما السلام) ، وتابعه ابنا أبي عقيل(9) وبابويه(10) والفاضل في القواعد(11) وغيرهم(12) . بل في الرياض نسبته إلى أكثر من تأخّر(13) . واستحسنه المحقّق في الشرائع(14) بعد أن حكاه عن المفيد(15) أي في النقل الآخر; وهو التوارث
- (1) الإعلام بما اتّفقت عليه الإماميّة من الأحكام : 66 ، المطبوع في ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد : 9 .
- (2) راجع رسائل الشريف: 1 / 266. والظاهر انّ النسبة غير صحيحة.
- (3) الكافي في الفقه : 376 .
- (4) السرائر : 3 / 288 .
- (5) مختلف الشيعة : 9 / 110 .
- (6) الإعلام بما اتّفقت عليه الإماميّة من الأحكام : 66 ، المطبوع في ضمن مؤلفات الشيخ المفيد : 9 .
- (7) سورة المائدة : 5 / 42 و 49 ، سورة الكهف : 18 / 29 .
- (8) التهذيب : 9 / 364 ، الاستبصار : 4 / 188 .
- (9) حكى عنه في مختلف الشيعة : 9 / 106 .
- (10) المقنع : 507.
- (11) قواعد الاحكام : 2 / 190 .
- (12) إيضاح الفوائد : 4 / 275 ، الروضة البهية : 8 / 223 ، مسالك الافهام : 13 / 280 ـ 284 ، كشف الرموز : 2 / 483 .
- (13) رياض المسائل : 9 / 213 .
- (14) شرائع الإسلام : 4 / 52 .
- (15) المقنعة : 699 الهامش (6) .
(الصفحة 501)
بالنسب مطلقاً صحيحه وفاسده ، والسبب الصحيح لصحّة النسب الناشئ عن الشبهة شرعاً ، بخلاف السبب فإنّه لا يقال للموطوءة بشبهة : إنّه عقد أو غيره إنّها زوجة وهكذا مثله .
الثالث : ما حكاه صاحب الجواهر عن المفيد فيما حضره من نسخة مقنعته(1)والشيخ أبو جعفر الطوسي(2) ومن تبعهما كسلاّر(3) والقاضي(4) وابن حمزة(5)وغيرهم(6) . بل في محكي التحرير أنّه المشهور(7) ، وعن الإسكافي أنّه مشهور عن عليّ(عليه السلام)(8) من الإرث بالنسب والسبب الصحيحين والفاسدين(9); لما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ(عليهم السلام) : أنّه كان يورث المجوسي إذا تزوّج باُمّه وبابنته من وجهين : من وجه أنّها اُمّه ، ووجه أنّها زوجته(10) .
ورواية قرب الإسناد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ(عليهم السلام) : أنّه كان يورث المجوس إذا أسلموا من وجهين بالنسب ، ولا يورث على النكاح(11); أي فقط .
- (1) المقنعة: 699.
- (2) النهاية : 683 ، التهذيب : 9 / 364 ب37 ، الاستبصار : 4 / 188 .
- (3) المراسم : 225 ـ 226 .
- (4) المهذّب : 2 / 170 .
- (5) الوسيلة: 403.
- (6) مختلف الشيعة : 9 / 105 . التنقيح الرائع : 4 / 221 ـ 223 ، المؤتلف من المختلف : 2 / 50 .
- (7) تحرير الأحكام : 2 / 176 .
- (8) حكى عنه في مختلف الشيعة : 9 / 106 .
- (9) جواهر الكلام : 39 / 322 .
- (10) الوسائل : 26 / 317 ، أبواب ميراث المجوس ب1 ح1 .
- (11) الوسائل : 26 / 318 ، أبواب ميراث المجوس ب1 ح4 .
(الصفحة 502)مسألة 4 : لو اجتمع موجبان للإرث أو أكثر لأحدهم ، يرث بالجميع مثل اُمّ هي زوجته ، فلها نصيب الزوجة من الربع أو الثمن ونصيب الاُمومة ، ولو ماتت فله نصيب الزوج والابن(1) .مسألة 5 : لو اجتمع سببان وكان أحدهما مانعاً من الآخر ، ورث من جهة المانع فقط مثل بنت هي اُخت من اُمّ ، فلها نصيب البنت لا الاُخت ، وبنت هي بنت بنت ، فلها نصيب البنت فقط(2) .
1 ـ بناءً على ما ذكرنا في شرح المسألة السابقة من ثبوت التوارث بالنسب والسبب أعمّ من صحيحهما وفاسدهما ، لو اجتمع موجبان للإرث أو أكثر لأحدهم يرث بالجميع مع عدم كون أحدهما مانعاً عن الآخر وقابلا للاجتماع معه مثل من تزوّج مع اُمّه ، فإنّه في صورة موت الزوج ترث الزوجة بالزوجية والاُمومة; لأنّهما سببان غير مانع أحدهما عن الآخر ، وفي صورة موت الزوجة يرث الزوج نصيبه من النصف أو الربع ، وكذا نصيب الابن كالابن في سائر الموارد; لما ذكرنا من أنّهما سببان غير مانع أحدهما عن الآخر فيرث بهما .2 ـ قد علم ممّا ذكرنا أنّ الإرث بالسببين أو أكثر إنّما هو فيما إذا لم يكن مانع وممنوع ، مثل عدم الوقوع في رتبة واحدة ، فلو كان كذلك فمن الواضح أنّه يرث بالسبب المانع دون الممنوع لانتفاء الموجب معه ، ففي المثالين المذكورين في المتن لو تزوّج بنتاً هي اُخت من اُمّ ، فلها مع موته نصيب البنت مضافاً إلى الزوجية لا الاُخت; لوقوع الإخوة في المرتبة المتأخّرة عن الأولاد كما ذكرنا سابقاً(1) ، وكذا