(الصفحة 293)مسألة 3 : يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدّعي المشاهدة ، فلا لعان فيمن لم يدّعها ومن لم يتمكّن منها كالأعمى ، فيحدّان مع عدم البيّنة ، وأن لا تكون له بيّنة ، فإن كانت تتعيّن إقامتها لنفي الحدّ ولا لعان(1) .
الزوجة ، فعلى ما عرفت من شأن نزول الآية لا حاجة إلى الإتيان بأربعة شهود ، بل يحتاج إلى اللعان الذي يدرأ عنه حدّ القذف ، لكن من جهة الحكم التكليفي لا يجوز مع الريب ولا مع غلبة الظنّ ببعض الأسباب المريبة ، بل ولا بالشياع ولا بأخبار ثقة; أمّا الأوّل فلعدم حُجّيته في صورة عدم إفادة العلم . وأمّا الثاني فلعدم حُجّية خبر الثقة في الموضوعات الخارجية ، وإلاّ يلزم اللغوية في دليل اعتبار البيّنة كما ذكرناه مراراً .
نعم، في صورة اليقين يجوز تكليفاً، ولكن لا يصدق في ذلك إذالم تعرف به الزوجة، ولم تكن هناك بيّنة معتبرة على الإثبات ، بل يحدّ حدّ القذف مع مطالبتها ، إلاّ إذا أوقع الِلّعان بالشروط الآتية فيوجب درأ الحدّ عنه،وسيأتي التفصيل إن شاءالله تعالى.1 ـ أمّا اعتبار المشاهدة في ثبوت اللعان بالقذف ـ بحيث لا يكون لعان فيمن لم يدّع المشاهدة ، أو لم يتمكّن منها أصلا كالأعمى; فلأنّ اللعان من الملاعن إنّما يقوم مقام البيّنة . ومن المعلوم اعتبار المشاهدة فيها ، ويمكن استفادة ذلك من آية اللعان(1) مع التدبّر فيها ـ دلالة جملة من الروايات عليه ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم قال: سألته عن الرجل يفتري على امرأته ، قال : يجلد ، ثم يخلّى بينهما ، ولا يلاعنها حتى يقول : أشهد أنّي رأيتك تفعلينِ كذا وكذا(2) .
- (1) سورة النور: 24 / 6 .
- (2) الكافي: 6 / 166 ح15 ، التهذيب: 8 / 186 ح648 و 193 ح678 ، الاستبصار: 3 / 372 ح1326 و1328 ، الوسائل: 22 / 416 ، كتاب اللعان ب4 ح2 .
(الصفحة 294)مسألة 4 : يشترط في ثبوت اللِّعان: أن تكون المقذوفة زوجة دائمة ، فلا لعان في قذف الأجنبيّة ، بل يحدّ القاذف مع عدم البيّنة ، وكذا في المنقطعة على الأقوى ، وأن تكون مدخولا بها ، وإلاّ فلا لعان ، وأن تكون غير مشهورة بالزنا ، وإلاّ فلا لعان ، بل ولا حدّ حتى يدفع باللعان ، بل عليه التعزير لو لم يدفعه عن نفسه بالبيّنة . نعم لو كانت متجاهرة بالزنا لا يبعد عدم ثبوت التعزير أيضاً ، ويشترط في اللعان أيضاً أن تكون كاملة سالمة عن الصمم والخرس(1) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إذا قذف الرجل امرأته فإنّه لا يلاعنها حتى يقول : رأيت بين رجليها رجلا يزني بها(1) .
ومرسلة أبان ، عن رجل ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا يكون لِعان حتى يزعم أنّه قد عاين(2) . وأمّا اعتبار أن لا يكون لها بيّنة فلما يأتي من أنّه مع ثبوتها تتعيّن إقامتها فلا لِعان .1 ـ قد اشترط في هذه المسألة أيضاً أموراً في ثبوت اللِّعان :
الأوّل : أن تكون المقذوفة زوجة دائمة ، فلا لعان في قذف الأجنبية بل يحدّ القاذف مع عدم البيّنة ، وكذا في المنقطعة .
أمّا الأجنبيّة، فهي داخلة في قوله تعالى قبل آيات اللِعان:
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}(3) الآية ، مضافاً إلى أنّ مورد اللعان قوله تعالى :
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ
- (1) التهذيب: 8 / 195 ح684 ، الوسائل: 22 / 417 ، كتاب اللعان ب4 ح4 .
- (2) الكافي: 6 / 167 ح21 ، الوسائل: 22 / 416 ، كتاب اللعان ب4 ح3 .
- (3) سورة النور: 24 / 4 .
(الصفحة 295)
إِلاَّ أَنفُسُهُمْ}(1) الآية ، ومضافاً إلى أنّ التأمّل في كلتا الآيتين يعطي أنّ المقصود حفظ أعراض الناس من جهة ، وحفظ الأزواج من جهة أخرى ، وهما لا يتحقّقان إلاّ بذلك.
نعم ، لو كان للقاذف ـ أي من يقذف زوجته ـ بيّنة وعدل إلى اللِّعان ، فعن الخلاف يصحّ(2) ، ومنع في المبسوط إلتفاتاً إلى اشتراط عدم البيّنة في الآية(3) ، وجعله المحقّق في الشرائع أشبه(4); ولعلّه لأنّ الآية قد قسَّمت المقذوف بها على قسمين :
أحدهما: المحصنات .
وثانيهما: الزوجات .
وحكم في الأوّل بثبوت الحدّ مع عدم البيّنة . وشرّع في الثاني اللعان مع أن لا يكون هناك شاهد غير القاذف .
وأمّا كونها زوجة دائمة فلدلالة بعض الروايات عليه ـ وإن كان إطلاق الآية شاملا للمنقطعة; لأنّها زوجة حقيقة شرعاً ـ مثل :
صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا يلاعن الحرّ الأمَة ولا الذمّية ولا التي يتمتّع بها(5) .
وصحيحة ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا يُلاعن الرجل المرأة التي
- (1) سورة النور: 24 / 6 .
- (2) الخلاف: 5 / 8 ، مسألة 3 .
- (3) المبسوط: 5 / 183 .
- (4) شرائع الإسلام: 3 / 93 .
- (5) التهذيب: 8 / 188 ح653 ، الاستبصار: 3 / 373 ح1332 ، الوسائل: 22 / 420 ، كتاب اللعان ب5 ح4 .
(الصفحة 296)
يتمتع بها(1) . واطلاق اللعان يشمل اللّعان لنفي حدّ القذف ، مضافاً إلى وجود الشهرة العظيمة(2) على هذا القول ، بل لم يُحك الخلاف في ذلك إلاّ عن المفيد(3)والسيّد (قدس سرهما)(4) .
الثاني : أن تكون مدخولا بها; أي للزوج القاذف ، أعم من أن تكون بكراً قبل النكاح أم لا ، والدليل عليه ـ مع أنّ إطلاق الآية على الخلاف ـ الروايات الواردة في هذا المجال ، مثل :
رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا يقع اللّعان حتى يدخل الرجل بأهله(5) .
ومرسلة ابن أبي عمير قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): الرجل يقذف امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : يضرب الحدّ ويخلّى بينه وبينها(6) .
ورواية محمد بن مضارب ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : من قذف امرأته قبل أن يدخل بها جلد الحدّ وهي امرأته(7) .
الثالث : أن تكون غير مشهورة بالزنا ، وعلّله في الجواهر بأنّ اللعان إنّما شرّع صوناً لعرضها من الانتهاك ، وعرض المشهورة بالزنا منتهك ، لكن في محكي كشف
- (1) الكافي: 6 / 116 ح17 ، الوسائل: 22 / 430 ، كتاب اللعان ب10 ح1 .
- (2) رياض المسائل: 7 / 541 ، نهاية المرام: 2 / 226 ، جواهر الكلام: 34 / 33 .
- (3) لم نعثر عليه في المقنعة: 540 ـ 543، ولا في خلاصة الايجاز: 37، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، المجلّد السادس، لكن حكاه عن غريّة المفيد في جامع المقاصد: 13 / 35.
- (4) الانتصار: 276 .
- (5) الكافي: 6 / 162 ح1 ، الوسائل: 22 / 412 ، كتاب اللعان ب2 ح2 .
- (6) الكافي: 7 / 211 ح2 ، الوسائل: 22 / 413 ، كتاب اللعان ب2 ح3 .
- (7) الكافي: 7 / 211 ح3 ، الوسائل: 22 / 413 ، كتاب اللعان ب2 ح4 .
(الصفحة 297)
اللثام(1) لم أرَ من اشترطه من الأصحاب غير المصنّف ـ يعني العلاّمة(2) ـ والمحقّق(3) . وظاهره التأمّل فيه ، ولعلّ وجهه إطلاق الأدلّة(4) .
ويمكن أن يقال: إنّ الآية السابقة على آية اللعان قد علّق فيها الحدّ برمي المحصنات كما عرفت ، والآية الواردة في اللعان وإن كان موردها مطلق الأزواج أعمّ من أن تكون محصنة أم لا ، إلاّ أنّه من المحتمل أن يكون المراد الأزواج المحصنات بقرينة الآية السابقة ، وسيأتي(5) في محلّه إن شاء الله تعالى احتمال اعتبار الإحصان بمعنى العفّة في ثبوت حدّ القذف ، الذي شرّع اللعان لأجله مطلقاً ، وعليه فيتّجه اعتبار أن لا تكون المُلاعنة مشهورة بالزنا كغيرها من المقذوف بها .
نعم ، على تقدير الاعتبار قد فصّل في المتن بين المتجاهرة وغيرها بثبوت التعزير في الثانية دون الاُولى ، وسيأتي التحقيق في كتاب الحدود في باب حدّ القذف (6) .
الرابع : أن تكون كاملة سالمة عن الصّمم والخرس ، ويدلّ عليه جملة من الروايات ، مثل :
صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام): في رجل قذف امرأته وهي خرساء ، قال : يفرّق بينهما(7) .
وصحيحة أبي بصير قال: سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن رجل قذف امرأته بالزّنا وهي
- (1) كشف اللثام: 2 / 171 .
- (2) قواعد الاحكام: 2 / 89 .
- (3) شرائع الإسلام: 3 / 93 .
- (4) جواهر الكلام: 34 / 7 .
- (5) تفصيل الشريعة / كتاب الحدود: 229 .
- (6) تفصيل الشريعة / كتاب الحدود: 301 .
- (7) الكافي: 6 / 164 ح9 ، الوسائل: 22 / 427 ، كتاب اللعان ب8 ح1 .