(الصفحة 213)مسألة 3: لو أنكر أصل الطلاق وهي في العدّة، كان ذلك رجوعاً وإن علم كذبه(1).
1 ـ قد علّل ذلك في الشرائع: بأنّ الإنكار يتضمّن التمسّك بالزوجية(1) ، بل في محكيّ المسالك هو أبلغ من الرّجعة بألفاظها المشتقة منها وما في معناها; لدلالتها على رفعه في غير الماضي ودلالة الإنكار على رفعه مطلقاً(2) . لكن الأولى الاستدلال لذلك بالروايات الواردة ، مثل:
صحيحة أبي ولاّد الحنّاط ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : سألته عن امرأة ادّعت على زوجها أنّه طلّقها تطليقة طلاق العدّة طلاقاً صحيحاً ـ يعني: على طهر من غير جماع ـ وأشهد لها شهوداً على ذلك ، ثم أنكر الزوج بعد ذلك ، فقال : إن كان إنكاره الطلاق قبل انقضاء العدّة ، فإنّ إنكاره الطلاق رجعة لها ، وإن كان أنكر الطلاق بعد انقضاء العدّة ، فإنّ على الإمام أن يفرّق بينهما بعد شهادة الشهود ، بعد أن تستحلف أنّ إنكاره للطلاق بعد انقضاء العدّة ، وهو خاطب من الخطّاب(3) .
وذكر صاحب الوسائل: أنّ طلاق العدّة هنا مستعمل بالمعنى الأعم ، لا المقابل لطلاق السنّة وهو ظاهر . وقال صاحب الجواهر: ولعلّ من ذلك يظهر عدم اعتبار قصد معنى الرجوع في الرجعة ، ضرورة أنّ إنكار أصل الطلاق مناف لقصد الرجعة به ، ولذا أشكل بعض في أصل الحكم بأنّ الرجعة مترتّبة على الطلاق وتابعة له ، وإنكاره يقتضي إنكار التابع فلا يكون رجعة ، وإلاّ لكان الشيء سبباً في
- (1) شرائع الإسلام: 3 / 30 .
- (2) مسالك الافهام: 9 / 187 .
- (3) الكافي: 6 / 74 ح1 ، الوسائل: 22 / 136 ، أبواب أقسام الطلاق ب14 ح1 .
(الصفحة 214)مسألة 4 : لا يعتبر الإشهاد في الرجعة وإن استحبّ دفعاً لوقوع التخاصم والنزاع ، وكذا لا يعتبر فيها اطلاع الزوجة عليها ، فإن راجعها من دون اطلاع أحد عليها صحّت واقعاً ، لكن لو ادعاها بعد انقضاء العدّة ولم تصدقه الزوجة لم تسمع دعواه ، وغاية الأمر له عليها يمين نفي العلم لو ادعى عليها العلم ، كما أنّه لو ادعى الرجوع الفعلي كالوطء وأنكرته كان القول قولها بيمينها ، لكن على البت لا على نفي العلم(1) .
النقيضين(1) . هذا ، ولكن النصّ يدفعه ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق في ذلك بين صورة الشك وصورة العلم بالكذب ، كما في المتن .1 ـ امّا عدم اعتبار الإشهاد في الرّجعة ، فلدلالة الروايات المستفيضة بل المتواترة كما ادّعى عليه ، مثل :
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إنّ الطلاق لا يكون بغير شهود ، وإنّ الرجعة بغير شهود رجعة ، ولكن ليشهد بعد ، فهو أفضل(2) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الذي يراجع ولم يشهد ، قال : يشهد أحبّ إليّ ، ولا أرى بالّذي صنع بأساً(3) .
وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال: سألته عن رجل طلّق امرأته واحدة؟ قال : هو أملك برجعتها ما لم تنقض العدّة ، قلت: فإن لم يشهد على رجعتها؟ قال : فليشهد ، قلت : فإن غفل عن ذلك؟ قال : فليشهد حين يذكر ، وإنّما
- (1) جواهر الكلام: 32 / 183 .
- (2) الكافي: 6 / 73 ح3 ، التهذيب: 8 / 42 ح128 ، الوسائل: 22 / 134 ، أبواب أقسام الطلاق ب13 ح3 .
- (3) الكافي: 6 / 72 ح1 ، التهذيب: 8 / 42 ح126 ، الوسائل: 22 / 134 ، أبواب أقسام الطلاق ب13 ح2 .
(الصفحة 215)مسألة 5 : لو اتفقا على الرجوع وانقضاء العدّة ، واختلفا في المتقدّم منهما فادعى الزوج أنّ المتقدّم الرجوع ، وادّعت هي أنّه انقضاؤها ، فان تعيّن زمان الانقضاء وادعى الزوج أنّ رجوعه كان قبله وادّعت هي أنّه بعده ، فالأقرب أنّ القول قولها بيمينها ، وإن كان بالعكس بأن تعيّن زمان الرجوع دون الانقضاء ،
جعل ذلك
لمكان الميراث(1) .
وغير ذلك من الروايات(2) . وقد ظهر ممّا ذكرنا استحباب الإشهاد ، وأنّه دفع لوقوع التخاصم والتنازع .
وأمّا عدم اعتبار اطلاع الزوجة عليها ، فلعدم الدليل عليه ، فلو راجعها من دون اطّلاع أحد عليها صحّت واقعاً وفي مقام الثبوت ، لكن لو ادّعاها الزوج فإن كانت العدّة باقية بعد فواضح ، وإن انقضت العدّة فإن صدّقته الزوجة فبها ، وإن لم تصدّقه الزوجة ، فان ادّعى عليها العلم بذلك فالقول قولها ، غاية الأمر أنّ له عليها اليمين على نفي العلم ، ولو ادّعى الزوج الرجوع الفعلي كالوطء وأنكرته كان قولها مطابقاً للأصل; لأنّ مقتضاه عدم التحقّق مع الشك فيه ، غاية الأمر أنّ اليمين الثابت عليها هو اليمين على البت لا على نفي العلم ، كما في الرجوع اللفظي . والسرّ فيه أنّ الرجوع اللفظي قائم بالزوج ، ولا يعتبر فيه الإشهاد ولا الاطّلاع . وأمّا الرجوع الفعلي فهو قائم بالزوجين ، ويمكن لها اليمين على البت كما لا يخفى .
نعم ، يشكل الأمر لو عمّمنا الرجوع الفعلي لمثل تكرار النظر ، ولم نقل بالاختصاص بالوطء والتقبيل واللمس كما يظهر من المتن على ما عرفت .
- (1) الكافي: 6 / 73 ح5 ، الوسائل: 22 / 134 ، أبواب أقسام الطلاق ب13 ح1 .
- (2) الوسائل: 22/101 وما بعده، أبواب أقسام الطلاق ب1 ح2 و4و6 وب2 ح1 وب19 ح1 و4 و5 وب5 ح2.
(الصفحة 216)فالقول قوله بيمينه(1) .مسألة 6 : لو طلّق وراجع ، فأنكرت الدخول بها قبل الطلاق لئلا تكون عليها العدّة ولا تكون له الرجعة وادّعى الدخول ، فالقول قولها بيمينها(2) .
1 ـ لو اختلفا في تقدّم الرجوع على انقضاء العدّة وتأخّره عنه بعد الاتفاق على تحقّقهما ، فادّعى الزوج أنّ الرجوع واقع قبل الانقضاء فصحّ لكونه في العدّة ، وادّعت الزوجة التأخّر فلم يقع صحيحاً لوقوعه بعد الانقضاء ، فإن كان زمان الانقضاء معلوماً ، والاختلاف إنّما هو في التقدّم والتأخّر عن ذلك الزمان ، فالقول قول الزوجة بيمينها; لأنّه موافق لأصالة تأخّر الحادث ، كما أنّه لو كان بالعكس بأن كان زمان الرجوع معلوماً دون الانقضاء يكون القول قوله بيمينه; لما ذكر من موافقته للأصل ، ولو كان كلاهما مجهولي التاريخ يجرى عليه حكمه كما هو واضح .2 ـ لو اتّفقا على الطلاق والرجوع ، واختلفا في أصل ثبوت العدّة وعدمه باعتبار وقوع الدخول قبل الطلاق وعدمه ، فأنكرت الزوجة الدخول ، فلا تكون عليها العدّة ، ولا تكون له الرجعة ، ولو ادعى الزوج الدخول وأنّ الرجوع واقع في العدّة ، فالظاهر أنّ القول قولها بيمينها; لأنّ الدخول أمر حادث على تقديره ، والشك إنّما هو في حدوثه وعدمه ، فالقول قول من ينكر الحدوث ويرى عدم تحقّقه . لا يقال: إنّ الاختلاف إنّما هو في صحّة الرجوع وعدمها ، وقول الزوج موافق لأصالة الصحّة ، ضرورة أنّه يكون الرجوع في غير العدّة فاسداً ، فإنّه يقال: إنّ الاختلاف وإن كان في الصحّة وعدمها إلاّ أنّ منشأ الاختلاف وسببه إنّما هو وقوع الدخول وعدمه ، فمع جريان الأصل فيه لا مجال لجريانه في المسبّب بعد كون المسبب من الآثار الشرعية للسبب ، فالأصل الجاري هو الأصل في السبب ، ومنه
(الصفحة 217)مسألة 7 : الظاهر أنّ جواز الرجوع في الطلاق الرجعي حكم شرعي غير قابل للإسقاط ، وليس حقّاً قابلا له كالخيار في البيع الخياري ، فلو أسقطه لم يسقط ، وله الرجوع ، وكذلك إذا صالح عنه بعوض أو بغير عوض(1) .
يعلم أنّه لو اتفقا على وقوع البيع مثلا واختلفا في صحته وفساده; لأجل الشك في رعاية العربية وعدمها على تقدير اعتبارها مثلا ، فمدّعي الصحة يدّعي الرعاية ومدّعي الفساد العدم ، فلا مجال لتقديم قول مدّعي الصحّة ، بل يقدّم قول من يدّعي عدم الرّعاية ، فتقديم قول مدّعي الصحّة إنّما هو في صورة عدم جريان الأصل في السّبب .1 ـ إنّ أقلّ ما يثبت في الحق السقوط بالإسقاط ، فإذا شككنا في شيء أنّه حقّ أو حكم فيتحقق الشك في أنّه يسقط بالإسقاط أو لا يسقط . ومن المعلوم أنّ مقتضى الأصل عدم السقوط لثبوته قبل الإسقاط والأصل بقاؤه ، ولا يكون قوله تعالى :
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}(1) دالاًّ على كونه من باب الحقوق; لأنّه ليس في مقام البيان من هذه الجهة أصلا ، ولا يكون في شيء من الأخبار الواردة في هذا المجال إشعار بذلك .
وممّا ذكرنا تظهر الضابطة الكلية في دوران أمر بين الحقّ والحكم ، ولا منافاة بين كونه حكماً وبين كون المرعى جانباً واحداً كما في المقام ، حيث إنّ جواز الرجوع إنّما لوحظ فيه نفع الزوج فقط ، كما أنّه ظهر أنّ المصالحة عنه بعوض أو غير عوض لا تؤثّر في سقوطه .
- (1) سورة البقرة: 2 / 228 .