(الصفحة 30)وإن وقع في حال الحيض لكن إذا لم يعلم حالها من حيث الطهر والحيض وتعذّر أو تعسّر عليه استعلامها ، فلو علم أنّها في حال الحيض ولو من جهة علمه بعادتها الوقتية على الأظهر أو تمكّن من استعلامها وطلّقها فتبيّن وقوعه في حال الحيض بطل(1) .
1 ـ قد عرفت في المسألة المتقدّمة إعتبار خلوّ المطلّقة عن الحيض ، فاعلم أنّ اعتباره إنّما هو بالإضافة إلى المدخول بها الحائل ، وأمّا غير المدخول بها فيصحّ طلاقها ولو في حال الحيض; لأنّه لا عدّة لها أصلا في الطلاق ، كما أنّ الحامل عدّتها وضع الحمل على كلّ حال ، مضافاً إلى دلالة روايات(1) كثيرة بل مستفيضة على أنّ غير المدخول بها والحامل من الخمس التي يطلّقن على كلّ حال ، مثل:
رواية إسماعيل بن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : خمس يطلّقن على كلّ حال: الحامل المتبيّن حملها ، والتي لم يدخل بها زوجها ، والغائب عنها زوجها ، والتي لم تحض ، والتي قد جلست عن المحيض(2) . وغير ذلك من الروايات بهذا المضمون .
وبهذه الرواية وأمثالها يقيّد إطلاق رواية الحلبي المتقدّمة الظاهرة في بطلان طلاق الحائض; لعدم الاستفصال في الجواب وإطلاق السؤال; لأنّ قوله(عليه السلام): «على كلّ حال» ناظر إلى روايات المنع ، واختصاصها بغير المدخول بها والحامل ، فلا يتوهّم ثبوت التعارض وأنّه بالعموم والخصوص من وجه; لافتراقهما في مثل الحائل غير المدخول بها الحائض ، وفي مثل الحامل والتي لم يدخل بها زوجها
- (1) الوسائل: 22 / 54 ـ 56 ، أبواب مقدمات الطلاق ب25 .
- (2) الفقيه: 3 / 334 ح1615 ، الوسائل: 22 / 54 ، أبواب مقدمات الطلاق ب25 ح1 .
(الصفحة 31)
غير الحائض ، واجتماعهما في الحامل الحائض بناءً على اجتماع الحيض مع الحمل على الأقوى وغير المدخول بها الحائض ، فإنّ الترجيح مع الروايات الدالّة على جواز طلاقها في حال الحيض أيضاً; لأنّه مقتضى الجمع الدلالي وتقدّم النص أو الأظهر على الظاهر ، وعلى تقدير التعارض يكون الإجماع مرجّحاً لهذه الروايات .
وأمّا الغائب ، فالمصرّح به أنّ الغائب عن زوجته في طهر مواقعتها ينتظر لأجل الطلاق مدّة يعلم بمقتضى عادتها انتقالها من القرء الذي وطأها فيه إلى وقت قرء آخر ، وإن احتمل أنّها في حال الطلاق حائض ، أو باقية على الطهر الأوّل الذي هو طهر المواقعة ، والروايات الواردة في هذا المجال على ثلاث طوائف :
الطائفة الاُولى : ما تدلّ على جواز طلاق الغائب مطلقاً ، مثل :
رواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يطلّق امرأته وهو غائب ؟ قال : يجوز طلاقه على كلّ حال ، وتعتدّ امرأته من يوم طلّقها(1) .
الطائفة الثانية : ما تدلّ على لزوم مضيّ شهر في طلاق الغائب ، مثل :
رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : الغائب إذا أراد أن يطلّقها تركها شهراً(2) .
الطائفة الثالثة: ما تدلّ على لزوم مضيّ ثلاثة أشهر في طلاق الغائب ، مثل:
- (1) الكافي: 6 / 80 ح7 ، التهذيب: 8 / 60 ح195 ، الاستبصار: 3 / 294 ح1038 ، الوسائل: 22 / 56 ، أبواب مقدمات الطلاق ب26 ح1 .
- (2) الكافي: 6 / 80 ح3 ، التهذيب: 8 / 62 ح202 ، الاستبصار: 3 / 295 ح1041 ، الوسائل: 22 / 56 ، أبواب مقدمات الطلاق ب26 ح3 .
(الصفحة 32)مسألة 12 : لو غاب الزوج فإن خرج حال حيضها لم يجز طلاقها إلاّ بعد مضيّ مدّة قطع بانقطاع ذلك الحيض ، أو كانت ذات العادة ومضت عادتها ، فإن طلّقها بعد ذلك في زمان لم يعلم بكونها حائضاً في ذلك الزمان صحّ طلاقها وإن تبيّن وقوعه في حال الحيض ، وإن خرج في حال الطهر الذي لم يواقعها فيه طلّقها في أيّ زمان لم يعلم بكونها حائضاً وصحّ طلاقها وإن صادف الحيض . نعم لو طلّقها في زمان علم بأنّ عادتها التحيض فيه بطل إن صادفه ، ولو خرج في الطهر الذي واقعها فيه ينتظر مضيّ زمان انتقلت بمقتضى العادة من ذلك الطهر رواية جميل بن دراج ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلّق حتّى تمضي ثلاثة أشهر(1) .
وقد أفاد صاحب الجواهر ما مرجعه إلى أنّه بعد لزوم حمل الطائفة الاُولى المطلقة على الطائفتين المقيّدتين يكون الوجه في اختلاف القيدين اختلاف عادة النساء في ذلك ، وإلاّ فالمراد انتقالها من زمان طهر المواقعة إلى زمان طهر آخر(2) ، وأنت خبير ببعد هذا التوجيه كما لا يخفى ، بل لا يمكن حمل الطائفة الاُولى على الأخيرتين بعد تصريح الجواب بجواز طلاقه على كلّ حال ، الظاهر في صورة تعذّر الإستعلام وتعسّره وعدمه .
نعم ، هي منصرفة عمّا لو علم بأنّ زوجته حائض أو في العادة ، ولا يشملها مورد السؤال بوجه ، أمّا بالإضافة إلى الموارد الاُخرى فهي دالّة على الجواز ، وسيأتي التفصيل في المسألة إن شاء الله تعالى .
- (1) التهذيب : 7 / 62 ح 203 ، الوسائل : 22/58 ، أبواب مقدّمات الطلاق : ب26 ح7 .
- (2) جواهر الكلام: 32 / 34 .
(الصفحة 33)إلى طهر آخر ، ويكفي تربّص شهر ، والأحوط أن لا ينقص عن ذلك ، والأولى تربّص ثلاثة أشهر ، هذا مع الجهل بعادتها وإلاّ فيتبع العادة على الأقوى ، ولو وقع الطلاق بعد التربّص المذكور لم يضر مصادفة الحيض في الواقع ، بل الظاهر أنّه لا يضرّ مصادفته للطهر الذي واقعها فيه بأن طلّقها بعد شهر مثلا ، أو بعد مضيّ مدّة علم بحسب عادتها خروجها من الطهر الأوّل والحيض الذي بعده ثم تبيّن الخلاف(1) .
1 ـ لو غاب الزوج عن زوجته وأراد طلاقها ففيه
صور :
الصورة الاُولى : ما إذا خرج حال حيضها ، وأفاد في هذه الصورة أنّه لا يجوز طلاقها إلاّ بعد مضيّ مدّة يحصل له القطع بانقطاع ذلك الحيض ، وكون الطلاق واقعاً في طهر غير المواقعة ، أو كانت ذات العادة ومضت مدّة عادتها ، فإن طلّقها بعد ذلك في زمان لم يعلم بكونها حائضاً في ذلك الزمان يصحّ طلاقها ، وإن تبيّن وقوعه في حال الحيض ، وهو القدر المتيقّن من طوائف الأخبار المتقدّمة بعد حمل مطلقها على مقيّدها ، وحمل تركها شهراً أو ثلاثة أشهر على صورة العلم بانقطاع الحيض أو إنقضاء العادة; نظراً إلى أنّه لا موضوعية لترك الشهر أو ثلاثة أشهر ، فإنّ الترك كذلك لا يوجب العلم بكونها طاهرة من الحيض في حال الطلاق .
الصورة الثانية : ما إذا خرج في حال الطهر الذي لم يواقعها فيه ، وقد فصّل فيه بأنّه إن طلّقها في زمان لم يعلم بكونها حائضاً فطلاقه صحيح وإن صادف الحيض; لإستصحاب بقاء الطهارة وعدم الحيض ، وكون الاستصحاب حجّة مجزياً وإن كان مخالفاً للواقع ، كاستصحاب بقاء طهارة الثوب والبدن في حال الصلاة ثم انكشاف وقوعها في حال النجاسة ، فإنّ مرجع دليل الحجّية إلى
(الصفحة 34)
التوسعة في أدلّة الشروط ، والحكم بأنّ مستصحب الطهارة يكون كمتيقّنها في واجديّة الصلاة لشرط الطهارة ، فتكون الصلاة مع الاستصحاب مجزية ، وهكذا المقام .
وإن طلّقها في زمان علم بأنّ عادتها التحيّض فيه بطل مع المصادفة; لما عرفت من انصراف دليل جواز طلاق الغائب عن مثل هذه الصورة ، والمفروض المصادفة مع الحيض فلا وجه للصحّة .
الصورة الثالثة : ما لو خرج في الطهر الذي واقعها فيه ، وقد حكم فيه في المتن بلزوم انتظار مدّة انتقلت بمقتضى العادة من ذلك الطهر إلى طهر آخر ، واحتاط وجوباً بأن لا ينقص عن شهر ، واستحباباً أن يتربّص ثلاثة أشهر ، هذا مع الجهل بالعادة وإلاّ فيتبعها على الأقوى كما في المتن ، ويظهر منه الجمع بين الروايات الدالّة على التقييد بالحمل على الوجوب والاستحباب .
وهذا الجمع ـ وإن كان بعيداً في نفسه ، كما عرفت أنّ الجمع بكون مرجع الاختلاف إلى اختلاف عادة النساء ، كما قد تقدّم من الجواهر ـ أيضاً بعيد ، فاللازم أن يقال : بأنّ مقتضى الجمع بين الروايات المقيدة الحمل على مراتب الاستحباب ، بأن يكون تربّص شهر مستحبّاً وأشدّ استحباباً تربّص ثلاثة أشهر .
وحينئذ فبعد التربّص المذكور يصحّ طلاقها ولو صادف الحيض ، والظاهر أنّه لو صادف الطهر الذي واقعها فيه يكون صحيحاً ، بأن لم تحض بعد خروجه في طهر المواقعة أصلا; وذلك لأولويّة الطهر المزبور عن الحيض ، وإن كان مقتضى الاستصحاب في الأوّل البقاء وفي الثاني العدم ، كما لا يخفى .