(الصفحة 209)القول في الرّجعة
وهي ردّ المطلّقة في زمان عدّتها إلى نكاحها السابق ، ولا رجعة في البائنة ولا في الرجعية بعد انقضاء عدّتها(1) .مسألة 1 : الرجعة إمّا بالقول وهو: كلّ لفظ دلّ على إنشاء الرجوع كقوله: «راجعتك إلى نكاحي» ونحوه ، أو دلّ على التمسّك بزوجيتها كقوله: «رددتك إلى نكاحي» أو «أمسكتك في نكاحي» ويجوز في الجميع إسقاط قوله: «إلى
1 ـ الرجعة لغةً: المرّة من الرجوع ، وشرعاً: ردّ المرأة المطلّقة بالطلاق الرجعي في زمان العدّة إلى النكاح السابق ، فلا رجعة في الطلاق البائن ولا الرجعي بعد انقضاء العدّة وتماميّتها ، والدليل على المشروعية قوله تعالى :
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إِصْلاَحاً}(1) الآية والروايات المتعدّدة(2) ، بل لا خلاف بين المسلمين في ذلك .
- (1) سورة البقرة: 2 / 228 .
- (2) الوسائل: 22 / 108 ـ 110 ، أبواب أقسام الطلاق ب2 .
(الصفحة 210)نكاحي» و: «في نكاحي» ولا يعتبر فيه العربيّة ، بل يقع بكلّ لغة إذا أفاد المعنى المقصود . وإمّا بالفعل بأن يفعل بها ما لا يحلّ إلاّ للزوج بحليلته كالوطء والتقبيل واللمس بشهوة أو بدونها(1) .
1 ـ الرجعة من الاُمور الإنشائية الإيقاعية ، ويتحقّق إمّا بالقول وإمّا بالفعل ، أمّا القول فهو كلّ لفظ دلّ إمّا على الرجوع كقوله: راجعتك وارتجعتك مطلقاً ، أو مع إضافة قوله إلى نكاحي أو في نكاحي ، أو على التمسك بزوجته ، كقوله: رددتك إلى نكاحي ، أو أمسكتك في نكاحي أو مطلقاً ، ولا دليل على اعتبار العربيّة ، بل يقع بكلّ لغة إذا أفاد المعنى المقصود ، كسائر العقود والإيقاعات مع عدم قيام دليل على اعتبار العربيّة ، كما في النكاح الدائم على احتمال .
نعم ، ربما يحتمل عدم كون الرجعة من أقسام الايقاع حتى يعتبر فيها ما يعتبر في سائر العقود والايقاعات من اُمور متعددة عمدتها ترجع إلى اعتبار القصد إلى المضمون واعتبار الصراحة أو الظهور ، بل هي من حقوق المطلّق ، كما ربما يؤيّده عدم اعتبار لفظ مخصوص فيها ، وعدم اعتبار الاقتران مع القصد في الفعل الذي يتحقّق به الرجوع ، كالوطء بل التقبيل واللمس اللذين ربّما يجتمعان مع عدم الزوجية ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ إنكار الطلاق رجعة ، ولا يعهد مثل ذلك في سائر العقود والإيقاعات .
هذا،خصوصاًمع أنّ الكلام لايرتبط بمقام الإثباتووجودالاختلاف بين الزوجين في ذلك ، بل بمقام الثبوت وأصل التحقق مع عدم الاختلاف أصلا . وكيف كان ، فلا دليل على اعتبار الصراحة بل الظهور المعتمد عند العقلاء في تحقّق الرجوع .
وأمّا الفعل ، فقد ذكر في المتن أنّه عبارة عن أن يفعل بها ما لا يحلّ إلاّ للزوج بحليلته كالاُمور المذكورة في المتن ، ومقتضى ذلك أن يكون تكرار
(الصفحة 211)
النظر إليها رجوعاً أيضاً ، خصوصاً إذا كان مع الشهوة; لأنّه لا يحلّ إلاّ لمثل الزوج بحليلته ، وفي صحيحة محمد بن القاسم ، قال سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : من غشى امرأته بعد انقضاء العدّة جلد الحدّ ، وإن غشيها قبل انقضاء العدّة غشيانه إيّاها رجعة(1) .
وظاهرها أنّ نفس الغشيان في العدّة رجعة وإن لم يكن مع قصد الرجوع ، بل عن كشف اللثام احتمال ذلك حتى مع نيّة الخلاف لإطلاق النص والفتوى(2) .
نعم ، لا اعتبار بفعل الغافل والنائم وغيرهما ممّا لا قصد فيه لأصل الفعل ، كما لا اعتبار بالفعل المقصود بها غيرها ، كما لو ظنّ أنّها غير المطلّقة فواقعها مثلا . وغير خفي أنّ حلّية الأفعال المذكورة لا تحتاج إلى تقدّم الرجعة ووقوعها قبلها لأنّها زوجة ; لأنّ المفروض أنّها المعتدّة بالعدّة الرجعية والمطلّقة كذلك زوجة .
هذا ، ولكن في الحدائق وغيرها المفروغية عن اعتبار قصد الرجوع بالفعل ; لأنّ الأحكام صحّة وبطلاناً وثواباً وعقاباً دائرة مدار المقصود(3) .
وذكر في الجواهر: أنّه كما ترى لا يستأهل ردّاً ، ضرورة تحقّق القصد إلى الفعل في مقابل الساهي والنائم ومثلهما ، وإنّما المفقود قصد الرجوع الذي هو أمر زائد(4) .
وكيف كان ، فظاهر الصحيحة المتقدّمة أنّ نفس غشيانه إيّاها يعني في العدّة رجعة ، وهو يشعر بل يدلّ على عدم اعتبار قصد الرجوع ، فالظاهر أن يقال ـ بعد
- (1) التهذيب: 10 / 25 ح74 ، الوسائل: 28 / 131 ، أبواب حدّ الزنا ب29 ح1 .
- (2) كشف اللثام: 2 / 131 .
- (3) الحدائق الناضرة: 25 / 358 ، رياض المسائل: 7 / 351 ، الروضة البهية: 6 / 50 ، نهاية المرام: 2 / 71ـ 72 .
- (4) جواهر الكلام: 32 / 181 .
(الصفحة 212)مسألة 2 : لا تتوقّف حلّية الوطء وما دونه من التقبيل واللمس على سبق الرجوع لفظاً ، ولا على قصد الرجوع به; لأنّ الرّجعية بحكم الزوجة ، وهل يعتبر في كونه رجوعاً أن يقصد به الرجوع؟ قولان ، أقواهما العدم ، ولو قصد عدم الرجوع ، وعدم التمسّك بالزوجية ، ففي كونه رجوعاً تأمّل . نعم في خصوص الغشيان غير بعيد ، ولا عبرة بفعل الغافل والسّاهي والنائم ممّا لا قصد فيه للفعل ، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلّقة كما لو واقعها باعتقاد أنّها غيرها(1) .
استبعاد أن يكون الفعل الخالي عن قصد الرجوع رجوعاً لما أفاده في الحدائق بإمكان الفرق بين الوطء وغيره من الأفعال ـ : بأنّ الأوّل رجوع وإن لم يكن مع قصده ، والثاني رجوع فيما إذا كان مع القصد; لأجل أنّ مقتضى إطلاق النص الوارد في الأوّل ذلك ، فيحمل على كونه رجوعاً تعبداً ، والثاني باق على مقتضى القاعدة; ولعلّ السرّ فيه أنّ حلّية الوطء من ناحية لأجل أنّها زوجة ، وكون العدّة مرتبطة بالدخول ـ ولذا ذكرنا أنّه لا تكون العدّة على غير المدخول بها; لعدم اختلاط المياه، والأنساب ـ لا تجتمعان إلاّ مع كون الوطء رجوعاً ، فكيف يمكن أن يقال: بأنّ الوطء في أثناء العدّة أو في آخرها لا يكون رجوعاً ، مع أنّ تمامية العدّة مع ذلك والتزويج بآخر مستلزم للإختلاط المذكور ، وهذا بخلاف مثل التقبيل واللمس والنظر وإن كانت مقرونة بالشهوة ، فتدبّر واغتنم . فانقدح حينئذ الفرق بين الوطء وغيره من الأفعال في أنّه لا يحتاج الأوّل إلى قصد الرجوع دون غيره .1 ـ قد تقدّم البحث في هذه المسألة في شرح المسألة المتقدّمة ولاحاجة إلى الإعادة.
(الصفحة 213)مسألة 3: لو أنكر أصل الطلاق وهي في العدّة، كان ذلك رجوعاً وإن علم كذبه(1).
1 ـ قد علّل ذلك في الشرائع: بأنّ الإنكار يتضمّن التمسّك بالزوجية(1) ، بل في محكيّ المسالك هو أبلغ من الرّجعة بألفاظها المشتقة منها وما في معناها; لدلالتها على رفعه في غير الماضي ودلالة الإنكار على رفعه مطلقاً(2) . لكن الأولى الاستدلال لذلك بالروايات الواردة ، مثل:
صحيحة أبي ولاّد الحنّاط ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : سألته عن امرأة ادّعت على زوجها أنّه طلّقها تطليقة طلاق العدّة طلاقاً صحيحاً ـ يعني: على طهر من غير جماع ـ وأشهد لها شهوداً على ذلك ، ثم أنكر الزوج بعد ذلك ، فقال : إن كان إنكاره الطلاق قبل انقضاء العدّة ، فإنّ إنكاره الطلاق رجعة لها ، وإن كان أنكر الطلاق بعد انقضاء العدّة ، فإنّ على الإمام أن يفرّق بينهما بعد شهادة الشهود ، بعد أن تستحلف أنّ إنكاره للطلاق بعد انقضاء العدّة ، وهو خاطب من الخطّاب(3) .
وذكر صاحب الوسائل: أنّ طلاق العدّة هنا مستعمل بالمعنى الأعم ، لا المقابل لطلاق السنّة وهو ظاهر . وقال صاحب الجواهر: ولعلّ من ذلك يظهر عدم اعتبار قصد معنى الرجوع في الرجعة ، ضرورة أنّ إنكار أصل الطلاق مناف لقصد الرجعة به ، ولذا أشكل بعض في أصل الحكم بأنّ الرجعة مترتّبة على الطلاق وتابعة له ، وإنكاره يقتضي إنكار التابع فلا يكون رجعة ، وإلاّ لكان الشيء سبباً في
- (1) شرائع الإسلام: 3 / 30 .
- (2) مسالك الافهام: 9 / 187 .
- (3) الكافي: 6 / 74 ح1 ، الوسائل: 22 / 136 ، أبواب أقسام الطلاق ب14 ح1 .