(الصفحة 98)
عليها ، وإن لم تكن شبهة الحمل متحقّقة ، فالعدّة لا تدور مدار ثبوت الحمل أو إحتماله .
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه ذكر المحقّق(قدس سره) في الشرائع بعد الحكم في اليائسة والصغيرة ، بأنّ أشهر الروايتين هي رواية نفي العدّة عليهما : ولو كان مثلها تحيض ، إعتدّت بثلاثة أشهر إجماعاً ، وهذه تراعى الشهور والحيض ، فإن سبقت الإطهار ، فقد خرجت من العدّة ، وكذا إن سبقت الشهور (1) .
ومن القدماء السيّد المرتضى(قدس سره) قد استفاد من مجموع الآيات الواردة في عِدّة المطلّقة ثبوت العدّة لهنّ ثلاثة أشهر(2) .
والروايات الدالة على الخلاف إمّا أن لا تكون حجّة كما هو مبناه في باب خبر الواحد ، وإمّا لا تنهض بظهورها في مقابل نصّ القرآن على اعتقاده; لأنّ النصّ قرينة على التصرف في الظاهر ، فلا مجال للأخذ بها في مقابل الكتاب .
واللاّزم أوّلا التعرّض لما يستفاد من الكتاب ، ثم التعرّض لما تفيده الروايات الواردة في هذا المجال ، أو التي يستفاد منها حكم المقام ، فنقول :
والآيات المهمّة المرتبطة ثلاثة :
الاُولى : قوله تعالى:
{وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوء وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ إن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
- (1) شرائع الإسلام: 3 / 35 .
- (2) الانتصار: 334 ـ 336 .
(الصفحة 99)
وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(1) .
وغير خفيّ أنّ مقتضى العموم في هذه الآية بلحاظ الجمع المحلّى باللاّم ثبوت العدّة لكلّ مطلّقة ، وكلمة
{ثَلاَثَةَ قُرُوء} لا تصير قرينة على عدم العموم ، بل الاختصاص بالنساء اللاّتي لهنّ الحيض والطهر ، سواء كانت القرء بالمعنى الأوّل أو الثاني ، وكذا قوله:
{وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِى أَرْحَامِهِنّ} الدالّ على عدم جواز الكتمان مع عدم اطلاع الغير ، وكذا قوله تعالى:
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ} لا دلالة له على اختصاص العموم بالمطلّقات الرّجعيّة ، فإنّ ثبوت عدّة ثلاثة قروء لعموم المطلّقات حكم عامّ قانوني ، وقد ثبت في محلّه أنّ تخصيص العموم لا يكشف عن عدم استعمال العموم فيه بمقتضى الإرادة الاستعمالية ، ولا يستلزم التجوز فيه أصلا كما لا يخفى ، فهذه الآية بمقتضى العموم تدلّ على ثبوت العدّة لعموم المطلّقات(2) .
الثانية : قوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّة تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلا}(3) .
والظاهر أنّ هذه الآية بمنزلة المخصّص للآية الاُولى; لأنّ مقتضاها عدم ثبوت العدّة على المطلّقة غير المدخول بها .
الثالثة : قوله تعالى:
{وَاللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ المـَحِيضِ مِن نِسَائِكُمْ إنِ ارْتَبْتُمْ
- (1) سورة البقرة: 2 / 228 .
- (2) ما ذكره شيخنا الأستاذ أدام الله ظلّه ، تامّ في العام المنفصل عن الخاصّ ، وأمّا في المتّصل فالمشهور على عدم انعقاد الظهور للعام بالنسبة إلى الخاصّ المتّصل به ، والمقام من احتفاف العامّ بالخاصّ المتّصل ، نعم فيما يكون الخاصّ بصورة الإستثناء كان الحقّ تماميّة الظهور ، فإنّ الإخراج فرع الدخول . «الكريمي القمّي»
- (3) سورة الأحزاب: 33 / 49 .
(الصفحة 100)
فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُر وَاللاَّئِى لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}(1) .
وقد استدلّ السيد المرتضى(قدس سره) بهذه الآية على ثبوت عدّة ثلاثة أشهر على اليائسة وعلى الصغيرة ، وعلى أنّ أولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ(2) . ولابدّ من ملاحظة أنّ المشهور(3) القائلين بعدم ثبوت العِدّة على الأوليين كيف فسّروا الآية الشريفة ، فنقول: هم يقولون : بأنّ الآية لا تدل على ثبوت العدّة لهما أي لليائسة والصغيرة مطلقاً ، بل مقيّداً بقوله:
{إِنِ ارْتَبْتُمْ} والمهم بيان المراد من هذه الجملة الشريفة، وأنّ هذا القيد يدل على عدم ترتب الحكم على مطلق اليائسة، بل على اليائسة المُرتابة وهي التي تشك في أنّها بلغت سنّ اليأس أم لا ، وفي الحقيقة تشك في أنّ عدم الحيض ، هل يكون مستنداً إلى اليأس ، أو يكون لعارض من مرض أو غيره؟ وعليه فمن بلغت سنّ اليأس مشخّصاً لا يكون حكمها مذكوراً في الآية الشريفة ، وهكذا بالإضافة إلى قوله :
{وَاللاَّئِى لَمْ يَحِضْنَ} فإنّ الظاهر ثبوت هذا القيد فيهنّ ، وأنّ المراد ثبوت الريبة فيهن ، بمعنى أنّ المرأة التي لم تر الدّم ، ولكن شكّت في أنّ عدم رؤيتها هل لأجل عدم البلوغ بسن الحيض ، أو مستند إلى عارض آخر ، تكون مورداً للحكم في الآية . وأمّا المرأة غير المرتابة ، وغير البالغة سنّ الحيض فلاتعرّض في الآية لحكمها . وعلى ما ذكرنا فقوله تعالى في الآية:
{إِنِ اِرْتَبْتُمْ} معناه الوقوع في الريبة والشك كما ذكرنا ، ويدلّ على أنّ المراد من قوله:
{إِنِ
- (1) سورة الطلاق: 65 / 4 .
- (2) الانتصار: 334 ـ 336 .
- (3) شرائع الإسلام: 3 / 35 ، المقنعة: 532 ـ 533 ، النهاية: 532 ـ 533 ، مسالك الافهام: 9 / 230 ، رياض المسائل: 7 / 367 ، الحدائق الناضرة: 25 / 431 .
(الصفحة 101)
ارْتَبْتُمْ} ما ذكرنا ـ مضافاً إلى أنّ معناه الظاهر ذلك ـ صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : عدّة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر ، وعدّة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ، قال: وسألته عن قول الله عزّوجلّ:
{إن ارْتَبْتُمْ} ما الريبة؟ فقال : ما زاد على شهر فهو ريبة فلتعتد ثلاثة أشهر ولتترك الحيض ، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض فعدّتها ثلاث حيض(1) .
ولكن السيّد المرتضى(قدس سره) في الإنتصار الذي تكلّم فيه في هذه المسألة بنحو التفصيل قد فسّر هذا القول بأن جهلتم في أصل الحكم . وعليه فليس قيداً في الموضوع بل الموضوع مطلق اليائسة والصغيرة ، وعليه فتدل الآية بالمنطوق على حكمهما ولزوم الإعتداد عليهما بثلاثة أشهر .
وقد أيّد ما أفاده باُمور :
الأوّل : أنّ جمهور المفسّرين والمطّلعين على تأويل القرآن وتفسيره قد فسّروا قوله :
{إن ارْتَبْتُمْ} بذلك .
الثاني : ملاحظة شأن نزول الآية وهو أنّ أُبيّ بن كعب قال: يارسول الله (صلى الله عليه وآله)إنّ عدداً من عدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار وأُولات الأحمال ، فأنزل الله تعالى هذه الآية(2) .
ثم قال السيّد(قدس سره) ما حاصله : إنّه لو لم يكن قوله:
{إنِ ارْتَبْتُمْ} بمعنى إن جهلتم ، بل كان قيداً للطائفتين للاحتراز عن غير المرتابة منهما يلزم إشكالات متعدّدة :
- (1) الكافي: 6 / 100 ح8 ، التهذيب: 8 / 118 ح407 ، الاستبصار: 3 / 332 ح1183 ، الوسائل: 22 / 186 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب4 ح7 .
- (2) سنن البيهقي: 7 / 414 و 420 ، أحكام القرآن للجصاص: 3 / 683 ، أحكام القرآن لابن العربي: 4 / 284 .
(الصفحة 102)
منها : أنّ الجمع بين قوله تبارك وتعالى :
{وَاللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ المـَحِيضِ} الدالّ على أنّ ثبوت اليأس لهنّ محرزغيرمشكوك، وبين قوله:
{إِنِ ارْتَبْتُمْ} بالمعنى المشهور، وهو الارتياب في ثبوت اليأس لهنّ ممّا لا يليق بشأنه تعالى بل بغيره أصلا ، وهكذا في ناحية الصغيرة التي مرجعها إلى كون الصغر محرزاً غير مشكوك فيه ، كما لا يخفى .
ومنها : أنّ أمثال مسائل الحيض والطهر مسائل يكون للنساء فيها أصالة ، والرجال يرجعون إلى النساء للإطّلاع عليها ، وعليه فلو كان قوله:
{إِنِ ارْتَبْتُمْ} راجعاً إلى الإرتياب في النساء; لكان اللاّزم أن يقول تعالى مكانه: «إن ارْتَبْتُنّ» بحيث يكون الخطاب للنساء لا للرجال ، بخلاف أصل العِدّة فإنّ المعتدّة وإن كانت هي الزوجة ، أمّا الطرف الأصلي في باب العِدّة هم الرجال; ولذا ذكر في آية عدم الدخول
{ فَمَا لَكُمْ عَلَيهِنَّ مِن عِدَّة}(1) كما عرفت ، وهذا بخلاف ما إذا كان
{إنِ ارْتَبْتُمْ} بمعنى إن جهلتم ، فإنَّ المسألة الأصلية هي جهل الرجال بأصل الحكم ، كما عرفت في شأن نزول الآية .
ومنها: بعض الإشكالات الاُخر الذي لا يبلغ من القوة والاستحكام ما ذكر(2) .
ويرد على مجموع ما أفاده(قدس سره) :
أوّلا : أنّ الإرتياب والجهل بأصل الحكم في أصل العدّة هل له أيّة خصوصية في باب العدّة حتى يعلّق الحكم عليه في هذا الباب ، مع أنّ الناس كانوا بالإضافة إلى أغلب الأحكام جاهلين ، ولم يعلّق في شيء منها الحكم على الجهل حتى في باب الصلاة ، مع أنّها أهم الواجبات إن قُبِلَتْ قُبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها ؟
وثانياً : أنّ كلمة الارتياب تغاير كلمة الجهل ، فإنّ الأوّل يستعمل معمولا في
- (1) سورة الأحزاب : 33 / 49 .
- (2) الانتصار : 334 ـ 336 .