(الصفحة 101)
ارْتَبْتُمْ} ما ذكرنا ـ مضافاً إلى أنّ معناه الظاهر ذلك ـ صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : عدّة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر ، وعدّة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ، قال: وسألته عن قول الله عزّوجلّ:
{إن ارْتَبْتُمْ} ما الريبة؟ فقال : ما زاد على شهر فهو ريبة فلتعتد ثلاثة أشهر ولتترك الحيض ، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض فعدّتها ثلاث حيض(1) .
ولكن السيّد المرتضى(قدس سره) في الإنتصار الذي تكلّم فيه في هذه المسألة بنحو التفصيل قد فسّر هذا القول بأن جهلتم في أصل الحكم . وعليه فليس قيداً في الموضوع بل الموضوع مطلق اليائسة والصغيرة ، وعليه فتدل الآية بالمنطوق على حكمهما ولزوم الإعتداد عليهما بثلاثة أشهر .
وقد أيّد ما أفاده باُمور :
الأوّل : أنّ جمهور المفسّرين والمطّلعين على تأويل القرآن وتفسيره قد فسّروا قوله :
{إن ارْتَبْتُمْ} بذلك .
الثاني : ملاحظة شأن نزول الآية وهو أنّ أُبيّ بن كعب قال: يارسول الله (صلى الله عليه وآله)إنّ عدداً من عدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار وأُولات الأحمال ، فأنزل الله تعالى هذه الآية(2) .
ثم قال السيّد(قدس سره) ما حاصله : إنّه لو لم يكن قوله:
{إنِ ارْتَبْتُمْ} بمعنى إن جهلتم ، بل كان قيداً للطائفتين للاحتراز عن غير المرتابة منهما يلزم إشكالات متعدّدة :
- (1) الكافي: 6 / 100 ح8 ، التهذيب: 8 / 118 ح407 ، الاستبصار: 3 / 332 ح1183 ، الوسائل: 22 / 186 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب4 ح7 .
- (2) سنن البيهقي: 7 / 414 و 420 ، أحكام القرآن للجصاص: 3 / 683 ، أحكام القرآن لابن العربي: 4 / 284 .
(الصفحة 102)
منها : أنّ الجمع بين قوله تبارك وتعالى :
{وَاللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ المـَحِيضِ} الدالّ على أنّ ثبوت اليأس لهنّ محرزغيرمشكوك، وبين قوله:
{إِنِ ارْتَبْتُمْ} بالمعنى المشهور، وهو الارتياب في ثبوت اليأس لهنّ ممّا لا يليق بشأنه تعالى بل بغيره أصلا ، وهكذا في ناحية الصغيرة التي مرجعها إلى كون الصغر محرزاً غير مشكوك فيه ، كما لا يخفى .
ومنها : أنّ أمثال مسائل الحيض والطهر مسائل يكون للنساء فيها أصالة ، والرجال يرجعون إلى النساء للإطّلاع عليها ، وعليه فلو كان قوله:
{إِنِ ارْتَبْتُمْ} راجعاً إلى الإرتياب في النساء; لكان اللاّزم أن يقول تعالى مكانه: «إن ارْتَبْتُنّ» بحيث يكون الخطاب للنساء لا للرجال ، بخلاف أصل العِدّة فإنّ المعتدّة وإن كانت هي الزوجة ، أمّا الطرف الأصلي في باب العِدّة هم الرجال; ولذا ذكر في آية عدم الدخول
{ فَمَا لَكُمْ عَلَيهِنَّ مِن عِدَّة}(1) كما عرفت ، وهذا بخلاف ما إذا كان
{إنِ ارْتَبْتُمْ} بمعنى إن جهلتم ، فإنَّ المسألة الأصلية هي جهل الرجال بأصل الحكم ، كما عرفت في شأن نزول الآية .
ومنها: بعض الإشكالات الاُخر الذي لا يبلغ من القوة والاستحكام ما ذكر(2) .
ويرد على مجموع ما أفاده(قدس سره) :
أوّلا : أنّ الإرتياب والجهل بأصل الحكم في أصل العدّة هل له أيّة خصوصية في باب العدّة حتى يعلّق الحكم عليه في هذا الباب ، مع أنّ الناس كانوا بالإضافة إلى أغلب الأحكام جاهلين ، ولم يعلّق في شيء منها الحكم على الجهل حتى في باب الصلاة ، مع أنّها أهم الواجبات إن قُبِلَتْ قُبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها ؟
وثانياً : أنّ كلمة الارتياب تغاير كلمة الجهل ، فإنّ الأوّل يستعمل معمولا في
- (1) سورة الأحزاب : 33 / 49 .
- (2) الانتصار : 334 ـ 336 .
(الصفحة 103)
مورد كان في مقابل الواقعية الموجودة شك وترديد ، مثل قوله تعالى:
{ وَإِنْ كُنتُمْ فِى رَيْب مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}(1) . ولا يقال لمن كان جاهلا بوجوب الصلاة: إن كنت في ريب من وجوب الصلاة .
وثالثاً : ظاهر الآية الشريفة أنّ القيد قد ذكر عقيب الموضوع قبل مجيء الحكم وبيانه ، فاللاّزم ملاحظة الموضوع مقيّداً بهذا القيد ، ومرجعه إلى لزوم فهم الموضوع قبل الحكم ، فالارتياب لابدّ أن يلاحظ معناه قبل الحكم بثبوت العِدّة أو بنفيها ، وفي الموارد التي تكون مرتبطةً بالحكم لابدّ وأن يقال: إذا جهلتم بوجوب الصلاة مثلا فاعلموا أنّها واجبة ومثل ذلك . وبالنتيجة ذكر القيد في الموضوع قبل بيان الحكم لابدّ من أن يكون مرتبطاً به وموجباً لتمييز الموضوع عن غيره .
ورابعاً : أنّ ما نسبه السيّد إلى جمهور المفسّرين ليس على ما ينبغي لا بالنسبة إلى المفسّرين من الشيعة الإمامية(2) ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ ولا بالإضافة إلى المُفسّرين من العامة(3) ، فإنّ هذا التفسير لا يكون شائعاً بينهم ، فانظر إلى كلام الطبرسي(قدس سره) في مجمع البيان ، فإنّه يقول في تفسير الآية: إنّ معنى قوله تعالى :
{إنِ ارْتَبْتُمْ} عبارة عن أنّكم لا تعلمون أنّ اليأس هل هو مستند إلى كبر السنّ أو إلى عروض عارض . ولم يطرح مسألة الجهل بوجه .
وخامساً : أنّ ما أفاده السيّد(قدس سره) من أنّ الجمع بين قوله تعالى:
{واللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ المـَحيضِ} الظاهر في إحراز اليأس وعدم الشك فيه ، وبين قوله:
{إنِ ارْتَبْتُمْ} إن كان بمعنى الإرتياب والشك في اليأس غير صحيح مما لا يستقيم ، كما أفاده في
- (1) سورة البقرة: 2 / 23 .
- (2) التبيان: 10 / 33 ، مجمع البيان: 10 / 39 .
- (3) جامع البيان ، المعروف بتفسير الطبري: 28 / 91 ، تفسير البيضاوي مع حاشية الشهاب: 8 / 207 .
(الصفحة 104)
الجواهر(1); لعدم العلم بكون المراد من يئسن من المحيض هو اليأس الإصطلاحي ، بل المراد من ينقطع عنها دم الحيض ، واليائسة إصطلاح فقهي لا قرآني ، وعليه فالجمع بين الأمرين ممّا لا ريب فيه .
ونحن نزيد عليه بأنّ هذاالإشكال يجري في كثير من التقييدات، فإنّ مرجع التقييد إلى إخراج الموضوع الفاقد للقيد عن دائرة الحكم ، فقولنا في الغنم السائمة زكاة ، إذا اُريد بيان نفي وجوب الزكاة في الغنم المعلوفة فرضاً يجري هذا الإشكال بعينه .
وسادساً : أنّ ما استند إليه السيّد(قدس سره) من أنّ الأصالة في بابي الحيض والطهر إنّما هي للنساء دون الرجال ، ولو كان المراد من الارتياب غير عنوان الجهل; لكان اللاّزم أن يقول: «إن ارتَبتُنَّ» لا «إِنِ ارْتَبْتُمْ» فقد اُجيب عنه في الجواهر(2)وغيرها(3) بأنّه لا منافاة بين كون الأصالة للنساء ، وبين كون الخطاب متوجّهاً إلى الرجال كما في صدر الآية ، حيث يقول:
{من نِسَائِكُم} .
واللاّزم في الآية ملاحظة نكتتين والتوجّه إلى خصوصيّتين ، تظهر الاُولى بملاحظة التفاسير المختلفة والثانية مفتاح حلّ الآية الشريفة والوصول إلى المراد منها إن شاء الله تعالى .
امّا الاُولى: فهي التي تظهر من كلمات المفسّرين بنحو النفي والإثبات ، وهي أنّه قدذكر في الجملة الثانية قوله تعالى:
{وَاللاَّئِى لَمْ يَحِضنَ} وهومبتدأوخبره محذوف; لأنّ الجملة الاُولى قد تمّت قبله ، والظاهر أنّ الخبر المحذوف في هذا الكلام قوله: «كذلك» أي واللاّئي لم يحضن كذلك ، أي تعتدون ثلاثة أشهر ، والبحث إنّما هو في
- (1) جواهر الكلام : 32 / 235 .
- (2) جواهر الكلام: 32 / 234 ـ 235.
- (3) مسالك الافهام: 9 / 233 ـ 234 ، نهاية المرام: 2 / 91 .
(الصفحة 105)
أنّ قيد
{إنِ ارْتَبْتُمْ} مقصود في هذه الجملة أيضاً أم لا ، فعن الزمخشري(1)وصاحب المجمع(2) وتبعهما صاحب الجواهر(قدس سره)(3) ذكر القيد في هذه الجملة كالجملة الاُولى ، والمنقول عن بعض آخر كالشيخ الطوسي(قدس سره)(4) عدم إضافة هذا القيد في الجملة الثانية; نظراً إلى أنّه لا دليل على إضافة هذا القيد ، بل المقدار اللازم حذف الخبر ، والمراد وجوب الإعتداد ثلاثة أشهر من دون أن يكون الموضوع مقيّداً ، ويؤيّد الأخير أنّه لو كان القيد مراداً في الجملة الأخيرة; لكان اللازم عطف الموضوع الثاني على الموضوع الأوّل مع قيد «إنِ ارْتَبْتُمْ» ثمّ بيان الحكم لا البيان بهذه الكيفيّة ، وبالجملة لا دليل على ثبوت القيد في الجملة الثانية أيضاً .
أقول : ولعلّ هذا يؤيّد ما أفاده السيّد(قدس سره) من أنّ «إنِ ارْتَبْتُمْ» إنّما هو بمعنى إن جهلتم ، كما لا يخفى .
وأمّا الثانية: فهو أنّه لو لم يكن قيد «إنِ ارْتَبْتُمْ» مقصوداً في الجملة الثانية وهي «اللاّئِى لَمْ يَحِضْنَ» يلزم أن لا يخطر بالبال أنّ المصداق الواضح لها أيّة جماعة من النساء ، إذ لا شبهة بحسب الظاهر في أنّ المراد بهنّ الصغيرة غير البالغة سنّ الحيض عادةً ، لكن لنا دليل على أنّ المراد بها ليس مطلق الصغيرة ، وهي الآية الثانية المتقدّمة(5) الدالّة على أنّه لا عِدّة للزوجات المطلّقة قبل أن تمسّوهنّ ، وقد عرفت
- (1) الكشّاف: 4 / 557.
- (2) مجمع البيان: 10 / 39 .
- (3) جواهر الكلام: 32 / 235 .
- (4) التبيان: 10 / 33 .
- (5) في ص99 .