(الصفحة 70)مسألة 1 : لو طلّقها ثلاثاً مع تخلّل رجعتين حرمت عليه ولو بعقد جديد ، ولا تحلّ له إلاّ بعد أن تنكح زوجاً غيره ثم فارقها بموت أو طلاق وانقضت عِدّتها وحينئذ جاز للأوّل نكاحها(1) .
لاتكون التطليقة الثالثة إلاّ بمراجعة ومواقعة بعد الرجعة، ثم حيض وطهر بعد الحيض، ثم طلاق بشهود حتى يكون لكلّ تطليقة طهر من تدنيس المواقعة بشهود(1).
إلى غير ذلك من النصوص(2) ، ولكن مع ذلك يكون الأمر سهلا; لأنّ المهمّ هي الأحكام المترتّبة على الأقسام لا إلى التسمية والعنوان .1 ـ الأصل في هذه المسألة قوله تعالى :
{الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بإحْسَان} إلى قوله تعالى :
{فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا}(3) .
ويدلّ عليه أيضاً بعض ما تقدّم من الروايات والروايات(4) الاُخر أيضاً ، وينبغي أن يعلم أنّه ليس لطلاق الزوج الآخر خصوصيّة ، بل المراد حصول المفارقة بموت أو طلاق وانقضاء عدّتها ، فيصير الزوج الأوّل ـ بتعبير الروايات المتقدّمة ـ كأحد من الخطّاب إن شاءت تزوّجته وإن شاءت لم تتزوّجه .
كما أنّه ينبغي أن يعلم أنّ نكاح الزوج الآخر لابدّ أن يكون بنحو النكاح الدائم الذي يجري فيه الطلاق بقرينة قوله تعالى:
{فَإِن طَلَّقَهَا} والنكاح المنقطع
- (1) الكافي: 6 / 66 ح4 ، التهذيب : 8 / 27 ح84 ، الاستبصار : 3/268 ح959 ، الوسائل: 22 / 104 و 109 ، أبواب أقسام الطلاق ب1 ح3 وب2 ح2 .
- (2) الوسائل: 22 / 101 ـ 110 ، أبواب أقسام الطلاق ب1 و 2 .
- (3) سورة البقرة: 2 / 229 ـ 230 .
- (4) الوسائل: 22 / 101 ـ 110 ، أبواب أقسام الطلاق ب1 و 2 .
(الصفحة 71)مسألة 2 : كلّ امرأة حرّة إذا استكملت الطلاق ثلاثاً مع تخلّل رجعتين في البين ، حرمت على المطلّق حتى تنكح زوجاً غيره ، سواء واقعها بعد كلّ رجعة وطلّقها في طهر آخر غير طهر المواقعة ، وهذا يقال له: طلاق العِدّة ، أو لم يواقعها ، وسواء وقع كلّ طلاق في طهر أو وقع الجميع في طهر واحد ، فلو طلّقها مع الشرائط ثم راجعها ثم طلّقها ثم راجعها ثم طلّقها في مجلس واحد حرمت عليه ، فضلا عمّا إذا طلّقها ثم راجعها ، ثم تركها حتى حاضت وطهرت ثم طلّقها وهكذا(1) .
لا يكون فيه طلاق ، ولعلّه سيجيء البحث فيه إن شاء الله تعالى .1 ـ وقد عرفت أنّ الأصل في ذلك قوله تعالى :
{فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} متفرّعاً على قوله تعالى :
{ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} من دون فرق بين طلاق العدّة المفسّر في الروايات بما إذا واقعها بعد كلّ رجعة ، وطلّقها في طهر آخر غير طهر المواقعة ، وبين ما إذا لم تتحقّق المواقعة بعد الرجوع أصلا; وذلك لإطلاق الآية الشريفة ، التي وقع فيها تفريع عدم الحلية يعني بحصول نكاح جديد من زوج جديد وحصول المفارقة منه وانقضاء العدّة بطلاق أو موت كما تقدّم . وكذلك مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين أن يتحقّق كلّ طلاق في طهر مستقل ، أو وقع الجميع في طهر واحد ، فلو طلّقها مع الشرائط ثم راجعها ثم طلّقها ثم راجعها ثم طلّقها في مجلس واحد ، حرمت عليه واحتاجت إلى المحلّل . ومن الواضح مغايرة هذا مع الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد الواقع عند مخالفينا(1) دون أصحابنا الإمامية
- (1) الأمّ: 5 / 280 ، المجموع: 18 / 249 ، مغني المحتاج: 3 / 311 ، المغني لابن قدامة: 8/240 ، الشرح الكبير: 8 / 257 ، المبسوط: 6 / 57 .
(الصفحة 72)
رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . ومن هذا تستفاد القاعدة الكلية وهو ترتّب الحرمة على الطلاق الثالث مع تخلّل رجعتين في البين ، سواء تحقّقت المواقعة بعد كلّ رجعة أو لم تتحقّق ، وسواء وقع كلّ طلاق في طهر مستقل أو وقع الجميع في طهر واحد بنحو ما عرفت .
ولكن ورد في هذا المجال طائفتان من الأخبار :
فالطائفة الاُولى: ما ظاهرها اعتبار المواقعة بعدالرجوع في صحّة الطلاق الثاني مثل:
صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام)في الرجل يطلّق امرأته له أن يراجع ، وقال: لا يطلّق التطليقة الاُخرى حتى يمسّها(1) .
والظاهر أنّ معنى قوله(عليه السلام) «له: أن يراجع» ، عبارة عن التطليقة الاُخرى .
ورواية المعلّى بن خنيس ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يطلّق امرأته تطليقة ثم يطلّقها الثانية قبل أن يراجع ، قال: فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : لا يقع الطلاق الثاني حتى يراجع ويجامع(2) .
وموثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم(عليه السلام) قال : سألته عن رجل يطلّق امرأته في طهر من غير جماع ، ثم يراجعها من يومه ثم يطلّقها ، تبين منه بثلاث تطليقات في طهر واحد؟ فقال: خالف السنّة ، قلت : فليس ينبغي له إذا راجعها أن يطلّقها إلاّ في طهر آخر؟ فقال : نعم ، قلت : حتى يجامع؟ قال : نعم(3) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : المراجعة في (هي خ ل) الجماع، وإلاّ
- (1) الكافي: 6 / 73 ح2 ، الوسائل: 22 / 141 ، أبواب أقسام الطلاق ب17 ح2 .
- (2) التهذيب: 8/46 ح143 ، الاستبصار: 3/284 ح1004 ، الوسائل: 22/142، أبواب أقسام الطلاق ب17 ح5 .
- (3) الكافي: 6 / 60 ح12 ، الوسائل: 22 / 21 ، أبواب أقسام الطلاق ب8 ح6 .
(الصفحة 73)
فانّما هي واحدة(1) .
وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه ، كرواية أبي بصير الطويلة المتقدّمة(2) .
والطائفة الثانية: ما تدلّ على الصحّة وإن لم تتحقّق المواقعة ، مثل:
موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : قلت له : رجل طلّق امرأته ثم راجعها بشهود ثم طلّقها ، ثم بدا له فراجعها بشهوة ثم طلّقها فراجعها بشهود تبين منه؟ قال : نعم ، قلت : كلّ ذلك في طهر واحد ، قال : تبين منه ، قلت : فإنّه فعل ذلك بامرأة حامل أتبين منه؟ قال : ليس هذا مثل هذا(3) .
وصحيحة عبد الحميد بن عوّاض ومحمد بن مسلم قالا : سألنا أبا عبدالله(عليه السلام)عن رجل طلّق امرأته وأشهد على الرجعة ولم يجامع ، ثم طلّق في طهر آخر على السّنة أتثبت التطليقة الثانية بغير جماع؟ قال : نعم ، إذا هو أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة ثابتة (ثانية خ ل)(4) .
وصحيحة البزنطي قال : سألت الرضا(عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته بشاهدين ثم راجعها ولم يواقعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها ، ثم طلّقها على طهر بشاهدين أيقع عليها التطليقة الثالثة وقد راجعها ولم يواقعها؟ قال : نعم(5) .
وحسنة علي بن راشد المضمرة قال : سألته مشافهة عن رجل طلّق امرأته
- (1) الكافي: 6 / 73 ح1 ، التهذيب: 8 / 44 ح135 ، الاستبصار: 3 / 280 ح994 ، الوسائل: 22 / 140 ، أبواب أقسام الطلاق ب17 ح1 .
- (2) في ص68 ـ 70 .
- (3) التهذيب: 8/92 ح317 ، الاستبصار: 3/ 282 ح100 ، الوسائل: 22 / 144 ، أبواب أقسام الطلاق ب19 ح5 .
- (4) التهذيب: 8/45 ح139 ، الاستبصار: 3/ 281 ح997 ، الوسائل: 22 / 143 ، أبواب أقسام الطلاق ب19 ح1 .
- (5) التهذيب: 8/45 ح140 ، الاستبصار: 3/281 ح998 ، الوسائل: 22 / 143 ، أبواب أقسام الطلاق ب19 ح2 .
(الصفحة 74)
بشاهدين على طهر ثم سافر وأشهد على رجعتها ، فلما قدم طلّقها من غير جماع ، أيجوز ذلك له؟ قال : نعم قد جاز طلاقها(1) وغير ذلك من الروايات(2) الدالّة عليه .
قال المحقّق في الشرائع بعد الإشارة إلى الطائفتين : وهي ـ يعني الطائفة الثانية ـ الأصحّ . . . ومن فقهائنا من حمل الجواز على طلاق السنّة ، والمنع على طلاقه للعدّة ، وهو تحكّم(3) .
والأظهر ترجيح الطائفة الثانية على الاُولى بالشهرة الفتوائية المحقّقة بين الأصحاب(4) . بل قال في الجواهر: لا بأس بدعوى الإجماع معها إذ لم أجد قائلا بالاُولى ، إلاّ ما حكي عن ابن أبي عقيل(5) وقد لحقه الإجماع . فلا إشكال حينئذ في ترجيح هذه النصوص على السابقة وحملها على ضرب من الاستحباب(6) .
والجمع الذي أشار إليه المحقّق وإن استشهد له بالخبرين ، إلاّ أنّ دلالتهما على ذلك ممنوع ، ولعلّه لذا وصفه بأنّه تحكّم سيّما خبر أبي بصير قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره؟ فقال : أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي ، وأردت أن أطلّقها ، فتركتها حتى إذا طمثت وطهرت طلّقتها من غير جماع ، وأشهدت على ذلك شاهدين ، ثم تركتها حتى إذا كادت أن تنقضي عدّتها راجعتها ودخلت بها ، وتركتها حتى طمثت وطهرت ، ثم
- (1) التهذيب: 8/45 ح141 ، الاستبصار: 3/281 ح999 ، الوسائل: 22 / 144 ، أبواب أقسام الطلاق ب19 ح4 .
- (2) الوسائل: 22 / 101 ـ 110 و142 ـ 145 ، أبواب أقسام الطلاق ب1 ، 2 ، 18 ، 19 .
- (3) شرائع الإسلام: 3 / 25 .
- (4) مسالك الافهام: 9 / 136 ، رياض المسائل: 7 / 134 ، نهاية المرام: 2 / 56 ، الحدائق الناضرة: 25 / 294 .
- (5) حكى عنه في مختلف الشيعة: 7 / 372 .
- (6) جواهر الكلام: 32 / 138 .