(الصفحة 59)
الشاهدين البصر ، كما أنّه لا يعتبر في الطلاق حضور المرأة فضلا عن إقرارها بأنّها في طهر من غير جماع ، كما يشهد به صحّة طلاق الغائب عن زوجته ، كما في بعض الروايات المتقدّمة ، الظاهر أنّه لا يعتبر في هذه الشهادة زائداً على ما اعتبر في الشهادة على غير الطلاق ، غاية الأمر وجوب الإشهاد هنا دون غيره .
ومن المعلوم أنّه لا يعتبر في الشهادة على غيره ومعرفة الشاهد وعلمه بجميع خصوصيّات الفاعل ، مثلا لا يعتبر في الشهادة على القتل كون القاتل معروفاً للشاهد بجميع الخصوصيات ، بل بمقدار يكون متميّزاً عن غيره عنده ، كذلك في باب الطلاق وكذلك بالإضافة إلى المرأة ، فتدبّر .
ومنها : لزوم كون الشاهدين ذكرين ، كما يدلّ عليه قوله تعالى :
{وأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْل مِنْكُمْ}(1) . وكذلك التعبير بالشاهدين في الروايات(2) الدالّة عليه ، فلا اعتبار بشهادة النساء منفردات ولا منضمّـات .
ومنها : أنّه يعتبر اجتماعهما حين سماع إنشاء صيغة الطلاق ، فلو شهد أحدهما وسمع في مجلس ثمّ كرّر اللفظ وسمع الآخر بانفراده لم يقع .
ومنها : أنّه يعتبر أن يكون الشاهدان عادلين . قال المحقّق في الشرائع : ومن فقهائنا من اقتصر على اعتبار الإسلام فيهما ، والأوّل أظهر(3) .
ويمكن أن يستدلّ للقول بالإقتصار ببعض الروايات ، مثل :
ما في ذيل رواية البزنطي المتقدّمة بعد قول أبي الحسن(عليه السلام) باعتبار شهادة عدلين ، قلت : فإن طلّق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين؟ قال : لا تجوز
- (1) سورة الطلاق: 65 / 2 .
- (2) الوسائل: 22 / 26 ـ 29 و 51 ـ 52 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب10 ، 22 ، 23 .
- (3) شرائع الإسلام: 3 / 21 .
(الصفحة 60)
شهادة النساء في الطلاق ، وقد تجوز شهادتهنّ مع غيرهنّ في الدم إذا حضرته ، قلت : فإن أشهد رجلين ناصبيّين على الطلاق أيكون طلاقاً؟ فقال : مَن ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير(1) .
وصحيحة عبدالله بن المغيرة قال : قلت للرضا(عليه السلام): رجل طلّق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيّين ، قال : كلّ من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته(2) .
وقد حملهما صاحب الجواهر(قدس سره) بشهادة العدول عن جواب السؤال على التعبير بما هو جامع بين التقية والحقّ الذي لا زالوا يستعملونه ، حتى قالوا لبعض أصحابهم في بعض نصوص الطلاق ثلاثاً(3) معلّمين لهم: إنّكم لا تحسنون مثل هذا ، فيراد حينئذ بمعرفة الخير فيه والصلاح في نفسه المؤمن العدل الذي قد يقال: إنّه مقتضى الفطرة أيضاً ، لا الناصب الذي هو كافر إجماعاً(4) بل ولا مطلق المخالف(5) .
والحقّ أن يقال : إنّ إعراض المشهور عن الخبرين وإن كانا صحيحين موجب لخروجهما عن الإعتبار والحجّية ، خصوصاً بعد كونهما مخالفين للكتاب الدالّ على اعتبار العدالة في الشاهدين ، وهي غير متحقّقة في غير المؤمن وإن كان مسلماً ، فضلا عن الناصب الذي عرفت أنّه كافر إجماعاً ، فما اختاره بعض المتأخّرين إغتراراً بالخبرين غير تامّ .
- (1) الكافي: 6 / 27 ح6 ، التهذيب: 8 / 49 ح152 ، الوسائل: 22 / 26 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب10 ح4 .
- (2) الفقيه: 3 / 28 ح83 ، الوسائل: 27 / 393 ، كتاب الشهادات ب41 ح5 .
- (3) التهذيب: 8/91 ح313 ، الاستبصار: 3 / 290 ح1025 ، الوسائل: 22 / 112 ، أبواب أقسام الطلاق ب3 ح6.
- (4) رياض المسائل: 6 / 538 ، الحدائق الناضرة: 24 / 61 وج25 / 255 .
- (5) جواهر الكلام: 32 / 110 .
(الصفحة 61)تتمّة
الظاهر أنّ العدالة المعتبرة في الشاهد هي العدالة الواقعيّة في مقابل الفسق الواقعي ، غاية الأمر أنّه قد تقرّر في محلّه أنّ حسن الظاهر أمارة شرعية على العدالة لعدم العلم بملكتها نوعاً; فلذا جعل الشارع حسن الظاهر كاشفاً شرعاً عليها ، ولكن لازم ذلك أنّه يجوز للمطلّق أن يكون الشاهدان عند طلاقه متّصفين بحسن الظاهر ، وأمّا إذا انكشف له بعد الطلاق الفسق وعدم العدالة فالظاهر بطلان الطلاق; لأنّ اعتبار الأمارة إنّما هو ما لم ينكشف الخلاف ، ومع انكشاف الخلاف ولو كانت الأمارة شرعية لا يبقى لها موقع ، كما لا يخفى .
وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما هو المحكي عن المسالك من قوله: هل يقدح فسقهما في نفس الأمر بالنسبة إليهما حتى لا يصحّ لأحدهما أن يتزوّج بها أم لا ، نظراً إلى حصول شرط الطلاق وهو العدالة ظاهراً وجهان . وكذا لو علم الزوج فسقهما مع ظهور عدالتهما ، ففي الحكم بالوقوع بالنسبة إليه حتى يسقط عنه حقوق الزوجية وتستبيح أختها والخامسة وجهان ، والحكم بصحّته فيهما لا يخلو من قوّة(1) .
ومن العجيب الحكم بصحّة الطلاق بمجرّد حسن الظاهر مع علم الزوج المطلِّق بفسق الشاهدين ، مع أنّ حسن الظاهر أمارة شرعية على العدالة ، ولا مجال للامارة مع العلم بالخلاف ، وكذا مع العلم بالوفاق من دون فرق بين الأمارات الشرعية والأمارات العقلائية .
وممّا ذكرنا يظهر أنّ حسن الظاهر إنّما يكفي للزوج في إنشاء الطلاق وإيقاعه إذا لم يكن الشاهد معلوم الفسق ، وإلاّ فلا يجوز أصلا ، خصوصاً بملاحظة قوله تعالى :
- (1) مسالك الافهام: 9 / 115 .
(الصفحة 62)مسألة 10 : لو طلّق الوكيل عن الزوج لا يكتفى به مع عدل آخر في الشاهدين ، كما لا يكتفى بالموكّل مع عدل آخر(1) .
مسألة 11 : المراد بالعدل في هذا المقام ما هو المراد به في غيره ممّا رتّب عليه بعض الأحكام ، كما مرّ في كتاب الصلاة(2) .
{وأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْل مِنْكُمْ}(1) مع كون الخطاب متوجّهاً إلى المطلّقين من الأزواج ، والشاهد في المفروض معلوم الفسق لا محرز العدالة . وقد تكلّمنا في بحث العدالة وفي الأمارة الشرعية عليها مفصّلا بما لا مزيد عليه في بحث اعتبار العدالة في مرجع التقليد ، وفي بيان معناها في كتاب الاجتهاد والتقليد من هذا الكتاب في المسائل الأخيرة منه(2) . وأحلنا إلى ذلك في مسألة اعتبار العدالة في الشاهد من كتاب الشهادات في بحث صفات الشهود ، فراجع .1 ـ وجه عدم الاكتفاء أنّ الظاهر المتفاهم عرفاً من أدلّة اعتبار شاهدين عدلين من الكتاب والسنّة إعتبار شاهدين خارجين عن المطلّق; ومن الواضح عدم ثبوتهما في الفرض الأوّل; لأنّ المطلّق أحد الشاهدين . والوجه في عدم الاكتفاء في الفرض الثاني صدق المطلّق على الزوج الموكّل ، فلا يجوز أن يكون أحد الشاهدين بل لابدّ أن يكون غيره،لكن في محكي المسالك(3) مايظهر منه خلاف ذلك،ومن الواضح خلافه.2 ـ قد عرفت أنّ معنى العدالة في الشريعة واحد ، غاية الأمر أنّ الشارع جعل
- (1) سورة الطلاق: 65 / 2 .
- (2) تفصيل الشريعة / الاجتهاد والتقليد : 75 ـ 79 .
- (3) مسالك الافهام: 9 / 115 .
(الصفحة 63)مسألة 12 : لو كان الشاهدان عادلين في اعتقاد المطلّق ـ أصيلا كان أو وكيلا ـ وفاسقين في الواقع يشكل ترتيب آثار الطلاق الصحيح لمن يطّلع على فسقهما ، وكذلك إذا كانا عادلين في اعتقاد الوكيل دون الموكّل ، فإنّه يشكل جواز ترتيب آثار الصحّة عليه ، بل الأمر فيه أشكل من سابقه(1) .
لها أمارة شرعية وهي حسن الظاهر ، على ما استفيد من الرواية الواردة في تفسيرها وبيان الأمارة لها ، وهي صحيحة ابن أبي يعفور المعروفة المذكورة في الوسائل في الباب الحادي والأربعين من كتاب الشهادات(1) . ولا يختلف معنى العدالة باعتبار اختلاف الأحكام المترتّبة عليها ، غاية الأمر قيام الدليل على ترتّب بعض الأحكام عند وجود الأمارة المزبورة كباب الجماعة ، وإن انكشف الخلاف وعدم قيامه على الصحّة مع انكشاف الخلاف بمجرّد قيام الأمارة الشرعية كباب الطلاق ، وإلاّ فلا يكون هناك اختلاف في معنى العدالة وتعريفها ، وكذا في وجود الأمارة الشرعية عليها ، كما لا يخفى .1 ـ يظهر الوجه في عدم الاعتبار ممّا ذكرنا ، كما أنّ الظاهر أنّ الوجه في كون الفرض الثاني أشكل من الفرض الأوّل هو وضوح كون المطلّق حقيقة هو الموكّل ، فمع عدم اعتقاده بعدالة الشاهدين كيف يمكن أن يقال بوقوع الطلاق الصحيح منه ، ولو كان إنشاء الطلاق صادراً من الوكيل والشاهدان عادلان عنده ، وهذا كالبيع الصادر من الوكيل مع اعتقاده الصحّة ، وعلم الموكّل بالبطلان ، كما لايخفى .
- (1) الفقيه: 3 / 24 ح65 ، الوسائل: 27 / 391 ، كتاب الشهادات ب41 ح1 .