(الصفحة 247)
الرجوع فيه كالطلاق الرجعي ، ويدلّ عليه الروايات الكثيرة ، مثل :
صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) عن المرأة تباري زوجها ، أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه بذلك ، أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال : تبين منه وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت . فقلت: فإنّه قد روي لنا أنّها لا تبين منه حتى يتبعها بطلاق ، قال : ليس ذلك إذا خلع ، فقلت : تبين منه؟ قال : نعم(1) .
ومفهوم موثّقة فضل أبي العبّاس ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : المختلعة إن رجعت في شيء من الصلح ، يقول: لأرجعنّ في بضعك(2) .
وذيل رواية عبدالله بن سنان الطويلة ، المروية في تفسير علي بن إبراهيم ، المشتمل على قوله(عليه السلام): ولا رجعة للزوج على المختلعة ولا على المبارأة ، إلاّ أن يبدو للمرأة ، فيردّ عليها ما أخذ منها(3) . وغيرها من النصوص(4) الدالة عليه بالصراحة أو الظهور ، وقد تقدّم بعضها .
الأمر الثاني : جواز رجوع المرأة فيما بذلت ما دامت في العدّة مطلقاً ، أي سواء رضي الزوج بذلك أم لم يرض ، وسواء كان المبذول موجوداً أم لا ، ويدلّ عليه جملة من الروايات المتقدّمة وغيرها .
ومقتضى القاعدة وإن كان هو عدم جواز رجوع المرأة ، سواء كان معاوضة أو صلحاً; لأنّ الأصل يقتضي اللزوم سيّما الاستصحاب ، إلاّ أنّه لابدّ من رفع اليد
- (1) التهذيب: 8/98 ح332، الاستبصار: 3/318 ح1132 ، الوسائل: 22 / 286 ، كتاب الخلع والمباراة ب3 ح9.
- (2) التهذيب: 8 / 100 ح337 ، الوسائل: 22 / 293 ، كتاب الخلع والمباراة ب7 ح3 .
- (3) تفسير القمي: 1 / 75 ، الوسائل: 22 / 293 ، كتاب الخلع والمباراة ب7 ح4 .
- (4) الوسائل: 22 / 284 ـ 287 و 293 ، كتاب الخلع والمباراة ب3 و7 .
(الصفحة 248)مسألة 17 : الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بإمكان رجوعه بعد رجوعها ، فلو لم يمكن كالمطلقة ثلاثاً ، وكما إذا كانت ممّن ليست لها عدّة كاليائسة وغير المدخول بها ، لم يكن لها الرجوع في البذل ، بل لا يبعد عدم صحّة رجوعها فيه مع فرض عدم علمه بذلك إلى انقضاء محلّ رجوعه ، فلو رجعت عند نفسها ، ولم يطلع عليه الزوج حتى انقضت العدّة ، فلا أثر لرجوعها(1) .
عنها; لدلالة النص الصحيح عليه كما عرفت .
الأمر الثالث : جواز رجوع الزوج إليها بعد رجوعها فيما بذلت ، وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر إلاّ من ابن حمزة(1) . حيث إنّه اعتبر التراضي منهما مع إطلاقهما ، أمّا إذا قيّدا أو أحدهما كان للمرأة الرجوع بما بذلت ، وله الرجوع بها إن شاء ، ولا ريب في ضعفه(2) .
ثم إنّ الظاهر أنّ رجوعها فيما بذلت إنّما يوجب جواز رجوعه بها ، لا صيرورتها زوجة له قهراً ، وإن كان ربّما يشعر به بعض الروايات ، إلاّ أنّ الظاهر هو الملازمة بين جواز رجوعها وجواز رجوعه ، فإذا ردّ إلى الزوجة ما بذلت ولم يرد الرجوع إليها ، لا تعود زوجة أبداً .1 ـ ظاهر الشيخ(3) بل المنسوب إلى المشهور(4) اشتراط جواز رجوعها
- (1) الوسيلة: 332 .
- (2) جواهر الكلام: 33 / 63 .
- (3) النهاية: 529 .
- (4) الروضة البهية: 6 / 106 ، رياض المسائل: 7 / 427 و 428 ، جواهر الكلام: 33 / 63 .
(الصفحة 249)
بإمكان صحّة رجوعه وعدمه ، وظاهر غير واحد(1) ممّن أطلق جواز الرجوع بها عدم الاشتراط . هذا ، ولكنَّ ظاهر النصوص المزبورة والروايات المتقدّمة هو الأوّل حتى رواية ابن بزيع ، الظاهرة في صيرورتها امرأة له قهراً بعد رجوعها في البذل إن شاء ، فإنّ التصرّف في هذا الظاهر إنّما هو بهذا المقدار وهو إرادة الزوج الرجوع ، وحتى الموثقة الدالة على الملازمة بين جواز رجوعها في البذل وجواز رجوعه في البضع بعد وضوح أنّ الرجوع في البضع لا يمكن إلاّ في العدّة ، ولعلّه لذا اتّفق الأصحاب على تقييد جواز رجوعها في البذل بما إذا كانت في العدّة مع خلوّ النصوص عنه .
فلو لم تكن للمرأة عدّة أصلا كاليائسة وغير المدخول بها لم يكن لها الرجوع في البذل ، وكذلك إذا كانت لها عدّة ولم يكن للزوج الرجوع فيها أصلا ، كما إذا كان الطلاق بائناً كالطلاق الثالث ، حيث إنّه لا يكون للزوج الرجوع في عدّته ، فلا يجوز لها الرجوع بالبذل وإن كان في العدّة ، والإجماع(2) وإطلاق النصوص(3) وإن كانا على جواز الخلع بالإضافة إلى الزوجة ، التي لا عدّة لها أصلا ، أو كانت عدّته بائناً كالطلاق الثالث ، إلاّ أنّه لا دلالة لهما على عدم تقيّد جواز رجوعها في البذل بما إذا كانت في العدّة ، وكان للزوج الرجوع بعد رجوعها .
ويبقى الكلام فيما لو رجعت في البذل عند نفسها ، ولم يطّلع عليه الزوج حتى انقضت العدّة وفات محلّ رجوعه . فنفى البعد في المتن عن عدم صحّة رجوعها في البذل في هذه الصورة وأنّه لا أثر له ، وعلّله في الجواهر بأنّ الثابت من الأدلّة
- (1) شرائع الإسلام: 3 / 55 ، الكافي في الفقه: 308 .
- (2) جواهر الكلام: 33 / 63 .
- (3) الوسائل: 22 / 179 ـ 182، كتاب الخلع والمباراة ب1.
(الصفحة 250)
المزبورة رجوعها في حال علم الزوج بذلك .
أمّا الصحيح الأوّل(1) ، الذي قد اعتبر في شرط كونها امرأة له فأقرب مجازاته حال علمه الذي يكون فيه حينئذ أحقّ ببضعها .
وأمّا الموثقة(2) فجواب الشرط فيه الخطاب بقوله: «لأرجعنّ في بضعك» الذي لا ينطبق إلاّ على حال العلم .
وأمّا الثالث(3) فاختصاص دلالته بحال العلم واضح ، ولم نقف على غيرها ، فيبقى في غير مفادها على أصالة المنع(4) .
ودعوى مقايسة جواز الرجوع بالبذل هنا بجواز رجوع الزوج المطلّق في الطلاق الرجعي ، نظراً إلى أنّه لو لم يعلم بذلك حتّى انقضت العدّة ، لا يسوّغ له الرجوع بمجرّد الجهل ، ولا يبقى المحلّ لفرض انقضاء العدّة ، ففي المقام إذا لم يكن عالماً بذلك فأيّ مانع من جواز رجوعها في البذل; لعدم مدخلية العلم في ذلك ، بل المدار كون الطرف هي العدّة ، والشرط إمكان صحّة رجوعه إلى الزوجة والمفروض ثبوته ، مدفوعة بما عرفت(5) من أنّ جواز الرجوع في البذل على خلاف القاعدة ، والمستفاد من النصوص الواردة جوازه في صورة علم الزوج بأنّ له حقّ الرجوع بالزوجة ، ولا يكفي مجرّد الإمكان مع فرض الجهل .
وكذا دعوى ثبوت الدور في صورة عدم الجواز; نظراً إلى أنّ المتحصّل من
- (1) التهذيب: 8/98 ح332، الاستبصار: 3/ 318 ح1132 ، الوسائل: 22 / 286 ، كتاب الخلع والمباراة ب3 ح9.
- (2) التهذيب: 8 / 100 ح337 ، الوسائل: 22 / 293 ، كتاب الخلع والمباراة ب7 ح3 .
- (3) تفسير القمي: 1 / 75 ، الوسائل: 22 / 293 ، كتاب والخلع المباراة ب7 ح4 .
- (4) جواهر الكلام: 33 / 64 .
- (5) في ص247 .
(الصفحة 251)مسألة 18 : المباراة قسم من الطلاق ، فيعتبر فيه جميع شروطه المتقدّمة ، ويعتبر فيه ما يشترط في الخلع من الفدية والكراهة ، فهي كالخلع طلاق بعوض ما تبذله المرأة ، وتقع بلفظ الطلاق بأن يقول الزوج بعدما بذلت له شيئاً ليطلّقها : «أنت طالق على ما بذلت» ولو قرنه بلفظ «بارأتك» كان الفراق بلفظ الطلاق من غير دخل للفظ «بارأتك» ولا يقع بقوله «بارأتك» مجرّداً(1) .
الأدلّة كون رجعتها شرطاً في جواز رجوعه ، والشرط لا يتوقّف وجوده على وجود المشروط بالفعل وإلاّ يتحقّق الدور ، فإنّها مدفوعة بعدم ثبوت الدور في المقام ، بعد كون حاصل ما ذكر راجعاً إلى أنّ ثبوت حقّ الرجوع لها في البذل ينحصر بصورة علم الزوج بجواز رجوعه بعد رجوعها ، فجواز رجوعه وإن كان مشروطاً برجوعها في البذل ، إلاّ أنّ رجوعها في البذل مشروط بإمكان رجوعه المتوقف على العلم ، فلا دور أصلا كما لا يخفى . وعليه فلا وجه لما عن القواعد(1)وغيرها(2) من الحكم بالصحة في المقام ، كما لايخفى .1 ـ المباراة التي هي في اللغة بمعنى المفارقة ، قسم من الخلع الذي هو قسم من الطلاق; لأنّ المعتبر في الخلع كراهية الزوجة أعمّ من كراهية الزوج وعدمها ولااختصاص له بكراهة الزوجة خاصّة ، ويدلّ عليه الاستدلال بآية الفداء(3) على الخلع ، مع أنّها في المباراة باعتبار ظهورها في كون المورد خوفهما من عدم إقامتهما حدود الله ، وهو لا يكون إلاّ مع كراهتهما لا كراهة الزوجة خاصّة ، ويدلّ عليه
- (1) قواعد الاحكام: 2 / 78.
- (2) الروضة البهية: 6 / 106 .
- (3) سورة البقرة: 2 / 229 .