(الصفحة 162)مسألة 8 : لا إشكال في أنّ مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه حاضراً كان الزوج أو غائباً بلغ الزوجة الخبر أم لا ، فلو طلّقها غائباً ولم يبلغها إلاّ بعد مضيّ مقدار العدّة فقد انقضت عدّتها ، وليس عليها عدّة بعد بلوغ الخبر ، ومثل عدّة الطلاق عدّة الفسخ والانفساخ على الظاهر ، وكذا عدّة وطء الشبهة وإن كان الأحوط الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة بل هذا الاحتياط لا يترك ، وأمّا عدّة الوفاة فان مات الزوج غائباً فهي من حين بلوغ الخبر إليها ، ولا يبعد عدم اختصاص الحكم بصورة غيبة الزوج ، بل يعمّ صورة حضوره إن خفي عليها موته لعلّة ، فتعتدّ من حين إخبارها بموته(1) .
فقال(عليه السلام) : تخرج بعد زوال الليل وترجع عند المساء . وفي بعض النسخ تخرج بعد زوال الشمس(1) .
وعلى ما ذكرنا فمقتضى الاحتياط الاستحبابي أن لا يكون خروجها عن المنزل مستوعباً لجميع الليل ، كالمبيت بمنى على المختار من أنّ الواجب فيه النصف من دون فرق بين الأوّل والآخر ، ولا مستوعباً لجميع النهار كما لايخفى .1 ـ هذه المسألة متعرضة للفرق بين عدّة الطلاق وعدّة الوفاة من جهة المبدأ ، وأنّ مبدأ عدّة الطلاق فيما إذا كان الزوج حاضراً من حين الطلاق ، وقد ادّعى نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر(2) ، وكذا إذا كان الزوج غائباً على المشهور بين الأصحاب(3) . ويدلّ عليه روايات متعددة ، مثل :
- (1) الكافي: 6 / 117 ح13 ، الوسائل: 22 / 244 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب32 ح7 .
- (2) جواهر الكلام: 32 / 371 .
- (3) مسالك الافهام: 9 / 349 ، جواهر الكلام: 32 / 371 .
(الصفحة 163)
صحيحة محمد بن مسلم قال : قال لي أبو جعفر(عليه السلام): إذا طلّق الرجل وهو غائب فليشهد على ذلك ، فإذا مضى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم فقد انقضت عدّتها(1) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب عنها من أيّ يوم تعتدّ؟ فقال : إن قامت لها بيّنة عدل أنّها طلّقت في يوم معلوم وتيقّنت ، فلتعتدّ من يوم طلّقت ، وإن لم تحفظ في أيّ يوم وأيّ شهر فلتعتد من يوم يبلغها(2) . إلى غير ذلك من النصوص(3) .
وفي مقابل المشهور ما يحكى من التقيّ من اعتبار البلوغ ظاهر الأمر بالتربّص; ولأنّ الاعتداد عبادة يحتاج إلى النية(4) . والجواب واضح خصوصاً بعد أنّ الموجب للاعتداد لا يكون إلاّ الطلاق لا البلوغ ، وعليه فلو لم يبلغها خبر الطلاق إلاّ بعد مضيّ مقدار العدّة فقد انقضت عدّتها ، وليس عليها العدّة بعد بلوغ الخبر .
والظاهر أنّ مثل عدّة الطلاق عدّة الفسخ بل والانفساخ ، وإن كان يبدو في بادئ النظر أنّه مثل الموت; لاشتراكهما في الأمر غير الاختياري ، إلاّ أنّ الظاهر كونها مثل عدّة الفسخ التي تماثل عدّة الطلاق ، والسرّ في الجميع ما عرفت من أنّ الموجب للاعتداد لا يكون إلاّ الطلاق أو مثله في مقابل البلوغ ، الذي تحتاج مبدئيّته للاعتداد إلى قيام الدليل عليه .
نعم ، ذكر في المتن في عدّة وطء الشبهة بعد استظهار أنّ مبدأها وطء الشبهة : أنّ
- (1) الكافي: 6 / 111 ح5 ، التهذيب: 8 / 162 ح561 ، الاستبصار: 3 / 353 ح1264 ، الوسائل: 22 / 225 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب26 ح1 .
- (2) الكافي: 6 / 110 ح1 ، التهذيب: 8 / 162 ح562 ، الاستبصار: 3 / 354 ح1265 ، الوسائل: 22 / 226 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب26 ح2 .
- (3) الوسائل: 22 / 225 ـ 228 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب26 ـ 27 .
- (4) الكافي في الفقه: 313 .
(الصفحة 164)
مقتضى الاحتياط الذي لا يترك أنّ مبدأها ارتفاع الشبهة ، ولعلّه يجيء الكلام في هذا المجال في بحث عدّة وطء الشبهة ، الذي سيأتي إن شاء الله تعالى ، فانتظر .
وأمّا عدّة وفاة الغائب ، فالمشهور(1) أنّه من حين بلوغ الخبر لا من حين الوفاة ، ويدلّ عليه الروايات المتكثرة ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام) في رجل يموت وتحته امرأته وهو غائب ، قال : تعتدّ من يوم يبلغها وفاته(2) .
وصحيحة محمد بن مسلم وزرارة وبُريد بن معاوية ، عن أبي جعفر(عليه السلام) ، أنّه قال في الغائب عنها زوجها إذا توفي ، قال : المتوفّى عنها تعتدّ من يوم يأتيها الخبر; لأنّها تحدّ عليه(3) . وهذه الصحيحة تهدي إلى علّة الفرق بين عدّة الوفاة وبين عدّة مثل الطلاق ، وأنّها لزوم الحداد عليها في عدّة الوفاة ، وعدم اللزوم في عدّة الطلاق ومثله .
وصحيحة البزنطي ، عن الرضا(عليه السلام) قال : سأله صفوان وأنا حاضر عن رجل طلّق امرأته وهو غائب فمضت أشهر؟ فقال : إذا قامت البيّنة أنّه طلّقها منذ كذا وكذا ، وكانت عدّتها قد انقضت فقد حلّت للأزواج ، قال: فالمتوفّى عنها زوجها؟ فقال: هذه ليست مثل تلك ، هذه تعتدّ من يوم يبلغها الخبر لأنّ عليها أن تحدّ(4) .
- (1) مسالك الافهام : 9 / 349 ـ 351 ، الحدائق الناضرة: 25 / 537 و543 ، رياض المسائل: 7 / 409 ، جواهر الكلام: 32 / 372 .
- (2) الكافي: 6 / 112 ح1 ، الوسائل: 22 / 228 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب28 ح1 .
- (3) الكافي: 6 / 112 ح3 ، التهذيب: 8 / 163 ح567 ، الاستبصار: 3 / 355 ح1270 ، الوسائل: 22 / 229 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب28 ح3 .
- (4) قرب الاسناد: 362 ح1297 ، الوسائل: 22 / 227 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب26 ح7 .
(الصفحة 165)
ورواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: التي يموت عنها زوجها وهو غائب ، فعدّتها من يوم يبلغها إن قامت البيّنة أو لم تقم(1) .
لكن في مقابل هذه الروايات أيضاً روايات ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له: امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة أو نحو ذلك ، قال: فقال : إن كانت حبلى فأجلها أن تضع حملها ، وإن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدّتها إذا قامت لها البيّنة أنّه مات في يوم كذا وكذا ، وإن لم يكن لها بيّنة فلتعتد من يوم سمعت(2) .
ورواية الحسن بن زياد قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن المطلّقة يطلّقها زوجها ولا تعلم إلاّ بعد سنة ، والمتوفّى عنها زوجها ولا تعلم بموته إلاّ بعد سنة؟ قال : إن جاء شاهدان عادلان فلا تعتدّان وإلاّ تعتدّان(3) .
ورواية وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام) أنّه سئل عن المتوفّى عنها زوجها إذا بلغها ذلك وقد انقضت عدّتها فالحداد يجب عليها؟ فقال علي(عليه السلام) : إذا لم يبلغها ذلك حتى تنقضي عدّتها فقد ذهب ذلك كلّه وتنكح من أحبّت(4) .
وقد حكي عن ابن الجنيد(5) القول بمضمون هذه الروايات ، وعن جمع آخر
- (1) الكافي: 6 / 112 ح2 ، التهذيب: 8 / 163 ح568 ، الاستبصار: 3 / 355 ح1271 ، الوسائل: 22 / 229 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب28 ح2 .
- (2) التهذيب: 8/164 ح571، الاستبصار: 3/355 ح1274، الوسائل: 22/231، كتاب الطلاق، أبواب العدد ب28 ح10 .
- (3) التهذيب: 8 / 164 ح570 ، الاستبصار: 3 / 355 ح1273 ، الوسائل: 22 / 231 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب28 ح9 .
- (4) التهذيب: 7 / 469 ح1879 ، الوسائل: 22 / 230 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب28 ح7 .
- (5) حكى عنه في مختلف الشيعة: 7 / 479 .
(الصفحة 166)
الجمع بينها وبين الطائفة الأولى بالحمل على الندب(1) . وعن الشيخ(قدس سره)(2) في التهذيب التفصيل بين المسافة القريبة كيوم أو يومين أو ثلاثة والمسافة البعيدة ، فالأولى تعتدّ من حين الوفاة والثانية من حين البلوغ ، مستشهداً بصحيحة منصور ابن حازم قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول في المرأة يموت زوجها ، أو يطلّقها وهو غائب ، قال : إن كان مسيرة أيام فمن يوم يموت زوجها تعتدّ ، وإن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر; لأنّها لابد من أن تحدّ له(3) .
ولكنّ الظاهر ـ بعد عدم إمكان الجمع الدلالي العقلائي بين الطائفتين حتى تخرجا عن موضوع المتعارضين ، وبعد الاشكال في بعض الروايات من الطائفة الثانية ، مثل صحيحة الحلبي المتقدمة ، الواردة في امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة أو نحو ذلك ، فإنّ الجمع بينه وبين كونها حبلى مع أنّ أكثر الحمل أقل من سنة مما لا يمكن، وكذا الفرق بين صورة قيام البيّنة وصورة عدمه مع تصريح رواية أبي الصباح بعدم الفرق ـ ترجيح الطائفة الأولى بسبب موافقة المشهور ، التي هي أوّل المرجحات في باب المتعارضين على ما استفدنا من مقبولة ابن حنظلة المعروفة(4) .
وأمّا الصحيحة التي استشهد بها الشيخ فلابدّ من طرحها أو حملها كما في المحكيّ عن الحدائق على من كان في حكم الحاضر ممن كان في بلاد متسعة جدّاً ، بحيث يمكن تأخّر وصول الخبر اليوم واليومين أو رستاق فيه قرى
- (1) مسالك الافهام: 9 / 352 ، نهاية المرام: 2 / 124 .
- (2) التهذيب: 8 / 165 ذيل ح571 .
- (3) التهذيب: 8/165 ح572، الاستبصار: 3/356 ح1275، الوسائل:22/232 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب29 ح12 .
- (4) الكافي: 1 / 54 ح10 ، الوسائل: 27 / 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب9 ح1 .