(الصفحة 145)
القول في عدّة الوفاة
مسألة 1 : عدّة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيّام إذا كانت حائلا ، صغيرة كانت أو كبيرة ، يائسة كانت أو غيرها ، مدخولا بها كانت أم لا ، دائمة كانت أو منقطعة ، من ذوات الأقراء كانت أو لا . وإن كانت حاملا فأبعد الأجلين من وضع الحمل والمدّة المزبورة(1) .
1 ـ الأصل في هذه المسألة قوله تعالى :
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّونَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَعَشْراً}(1) ولا ينافيه قوله تعالى :
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لاَِزْوَاجِهِم مَتَاعاً إِلَى الحَوْلِ}(2) بناءً على أنّ المراد منها الاعتداد بالسنة; لأنّها حينئذ منسوخة بالاُولى ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الموارد المذكورة حتى بالنسبة إلى الزوجة غير المدخول بها ، التي لا عدّة لها في الطلاق ، كما أنّه لا فرق بين أن يكون الزوج كبيراً أو صغيراً ، وكذلك
- (1) سورة البقرة: 2/234 .
- (2) سورة البقرة: 2 / 240 .
(الصفحة 146)
لا فرق بين أن يكون الزوج حرّاً أو عبداً . نعم ، في رواية عدمها على غير المدخول بها كصورة الطلاق ، وهي :
رواية محمد بن عمر السّاباطي قال: سألت الرضا(عليه السلام)عن رجل تزوّج امرأة ، فطلّقها قبل أن يدخل بها؟ قال : لا عدّة عليها . وسألته عن المتوفى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها؟ قال : لا عدّة عليها ، وهما سواء(1) .
لكن في الجواهر إنّها من الشواذ المطروحة; لمنافاتها إطلاق الكتاب والسنّة(2)وإجماع المسلمين ، مضافاً إلى ظهور الفرق بين عدّة الطلاق وعدّة الوفاة ، التي هي في الحقيقة لإظهار الحزن والتفجع على الزوج والاحترام لفراشه; ولذلك اعتبرت بالأشهر ، وأمر فيها بالحداد ، بخلاف عدّة الطلاق المعتبر فيها الأقراء أوّلا وبالذات(3) . هذا كلّه بالإضافة إلى الحائل .
وأمّا الحامل فعدّتها أبعد الأجلين من وضع الحمل والمدّة المزبورة ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى نفي وجدان الخلاف فيه عند أصحابنا الإماميّة(4) ـ وجود روايات كثيرة دالّة عليه ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: في الحامل المتوفّى عنها زوجها تنقضي عدّتها آخر الأجلين(5) .
والمراد بالأجلين وضع الحمل والمدّة المزبورة .
- (1) التهذيب: 8 / 144 ح497 ، الاستبصار: 3 / 339 ح1210 ، الوسائل: 22 / 248 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب35 ح4 .
- (2) الوسائل: 22 / 235 / 239، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب30 .
- (3) جواهر الكلام: 32 / 274 .
- (4) مسالك الافهام: 9 / 274 ، جواهر الكلام: 32 / 275 .
- (5) الكافي: 6/114 ح2، التهذيب: 8/150 ح519، الوسائل: 22 / 239 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب31 ح1.
(الصفحة 147)
وموثّقة سماعة قال : قال: المتوفّى عنها زوجها الحامل ، أجلها آخر الأجلين إن كانت حبلى ، فتمّت لها أربعة أشهر وعشر ولم تضع ، فإنّ عدّتها إلى أن تضع ، وإن كانت تضع حملها قبل أن يتمّ لها أربعة أشهر وعشر ، تعتدّ بعدما تضع تمام أربعة أشهر وعشر ، وذلك أبعد الأجلين(1) .
ورواية محمد بن قيس ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين(عليه السلام) في امرأة توفّي زوجها وهي حبلى ، فولدت قبل أن تنقضي أربعة أشهر وعشر فتزوّجت ، فقضى أن يخلّي عنها ثم لا يخطبها حتى ينقضي آخر الأجلين ، فإن شاء أولياء المرأة أنكحوها وإن شاءوا أمسكوها ، فإنْ أمسكوها ردّوا عليه ماله(2) .
إلى غير ذلك من الروايات(3) الواردة في هذا المجال .
وربما يقال: بأنّ لزوم الاعتداد بأبعد الأجلين هو مقتضى الجمع بين الآيتين(4): الآية الواردة في الأحمال ، والآية الواردة في عدّة الوفاة بعد عدم لزوم الاعتداد مكرّراً ، بل تتداخل العدّتان ، فإنّ امتثالهما حينئذ يحصل بالاعتداد بأبعد الأجلين ، ويرد عليه:
أوّلا: أنّ آية الأحمال واردة في المطلّقات ، ولا إطلاق لها يشمل عدّة الوفاة .
وثانياً: لا دليل على عدم التداخل حينئذ ، وقد مرّ(5) نظيره سابقاً ، فالعمدة هي الروايات الواردة في المقام ، التي تقدّم بعضها .
- (1) الكافي: 6/113 ح1، التهذيب: 8/150 ح518، الوسائل: 22 / 240 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب31 ح2.
- (2) الكافي: 6 / 114 ح4 ، الوسائل: 22 / 240 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب31 ح3 .
- (3) الوسائل: 22 / 239 ـ 241 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب31 .
- (4) سورة البقرة: 2 / 234 ، سورة الطلاق: 65 / 4 .
- (5) في ص129 ـ 131 .
(الصفحة 148)مسألة 2 : المراد بالأشهر هي الهلالية ، فإن مات عند رؤية الهلال اعتدّت بأربعة أشهر وضمّت إليها من الخامس عشرة أيام ، وإن مات في أثناء الشهر فالأظهر أنّها تجعل ثلاثة أشهر هلاليات في الوسط ، وأكملت الأوّل بمقدار ما مضى منه من الشهر الخامس حتى تصير مع التلفيق أربعة أشهر وعشرة أيام(1) .
1 ـ قد عرفت(1) أنّ المراد بالأشهر في عرف الشارع بل في العرف العام هي: الأشهر الهلاليّة . فلو مات عند رؤية الهلال من شهر اعتدّت بأربعة أشهر ، وضمّت إليهامن الخامس عشرة أيام، وتبين كما في الشرائع بغروب الشمس من اليوم العاشر; لأنّه نهاية اليوم(2) . للإجماع(3) على أنّ المراد بالعشر عشر ليال مع عشرة أيام، خلافاًللأوزاعي(4) فأبانهابطلوع فجرالعاشرلتذكيرالعددفي الآية،المقتضي للتأنيث في تمييزه فيكون ليالي . لكن في الجواهر أنّ المحكيّ عن بعض أهل العربيّة أنّ ذلك مع ذكر التمييز ، أمّا مع عدمه كما في الآية فلا يدلّ على ذلك ، ويجوز تناوله للمذكر والمؤنث ، بل قد يقال: كما فيها ، أنّ كونه مؤنثاً لا ينافي إرادة عشر ليال بأيّامها(5) .
وإن مات في أثناء الشهر ، فإن كان الباقي أقلّ من عشرة أيّام كما إذا بقي من الشهر ثلاث تحسب أربعاً هلالية أيضاً ، وتكمل باقي العشر من الشهر السادس ، وإن كان الباقي أكثر جاء البحث السابق الذي مقتضاه هنا جعل ثلاثة أشهر هلاليات في الوسط ، وإكمال الأوّل بمقدار ما مضى منه من الشهر الخامس
- (1) في ص143 .
- (2) شرائع الإسلام: 3 / 38 .
- (3) مسالك الافهام: 9 / 273 .
- (4) المغني لابن قدامة: 9 / 107 ، الشرح الكبير: 9 / 90 ، المغني المحتاج: 3 / 395 ، الخلاف: 5 / 67 .
- (5) جواهر الكلام: 32 / 275 .
(الصفحة 149)مسألة 3 : لو طلّقها ثم مات قبل انقضاء العدّة ، فإن كان رجعيّاً بطلت عدّة الطلاق ، واعتدّت من حين موته عدّة الوفاة ، إلاّ في المسترابة بالحمل فإنّ فيها محل تأمّل ، فالأحوط لها الاعتداد بأبعد الأجلين من عدّة الوفاة ووظيفة المسترابة ، فإذا مات الزوج بعد الطلاق بشهر مثلا تعتدّ عدّة الوفاة ، وتتم عدّة المسترابة إلى رفع الريبة وظهور التكليف ، ولو مات بعد سبعة أشهر اعتدت بأبعدهما من اتضاح الحال وعدّة الوفاة ، ولو كانت المرأة حاملا اعتدت بأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل كغير المطلّقة . وإن كان بائناً اقتصرت على إتمام عدّة الطلاق ولا عدّة لها بسبب الوفاة(1) .
حتّى تصير مع التّلفيق أربعة أشهر وعشرة أيام .
هذا ، وربما يمكن أن يتوهم هنا أنّ ذكر العشر قرينة على أنّ الشهر قد حسب ثلاثين ، بخلاف ما مرّ من الشهور في عدّة الطلاق ، فإنّ خلوّه عن مثل العشر قرينة على إرادة عرف الشرع من الشهر الهلالي ، ولكن قرينية ذكر العشر على ذلك ممنوعة ، بل العرف المذكور بحاله ، فلا اختلاف بين المقامين من هذه الجهة ، فكما أنّ المراد بالشهر هناك الهلالي ، وفي صورة الانكسار يتوقف التلفيق على ما ذكر ، كذلك المراد بالشهر هنا أيضاً ذلك ، والتلفيق متحقّق بما ذكرنا ، فتدبّر جيّداً .1 ـ لو طلّقها ثمّ مات قبل انقضاء العدّة ، فتارةً يكون الطلاق رجعياً ، واُخرى يكون بائناً ، فهنا مقامان :
المقام الأوّل : فيما إذا كان الطلاق رجعيّاً ، فقد لا تكون المرأة حاملا ولا مسترابة بالحمل، بل هي حائل غيرمسترابة، وقدتكون حاملا،وقد تكون مسترابة.
أمّا الصورة الاُولى: فالظاهر بطلان عدّة الطلاق ، ولزوم الاعتداد من حين