(الصفحة 43)مسألة 2 : يجوز إيقاع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة واحدة ، فلو قال: «زوجتاي طالقان» أو «زوجاتي طوالق» صحّ طلاق الجميع(1) .
الألفاظ الصريحة غير الصيغة المخصوصة التي يكون الركن فيها الإتيان بـ «طالق» بنحو التنكير مع اسم الفاعل ، فلا يقع حتى بمثل أنت مطلقة أو طلقت فلانة ، وإن كان يكفي مثل الأخير في باب البيع . وقد حكي عن الشيخ في المبسوط أنّه قوّى وقوع الطلاق بقوله : أنت مطلّقة إذا نوى الطلاق(1) .
وأمّا قوله: «إعتدِّي» مع إرادة الطلاق ، فقد عرفت عدم ثبوته في صحيحة محمد بن مسلم أوّلا ، وعدم إرادة وقوع الطلاق به ثانياً ، وإنّما هو قول الرسول بعد تحقّق المفارقة بصيغة الطلاق ، فالأقوى ما عليه المتن .
وممّا ذكرنا يظهر عدم وقوع الطلاق بمثل نعم في جواب السؤال عن أنّه هل طلّقت امرأتك، كما صرّح به الشيخ(2) وإن توهّمت دلالة بعض الأخبار عليه ، وهي:
رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام) في الرجل يقال له: أطلّقت امرأتك؟ فيقول : نعم ، قال : قال: قد طلّقها حينئذ(3) .
فإنّه من الواضح أنّ السؤال إنّما هو عن إيقاع الطلاق قبلا ، والجواب ناظر إليه لا إلى وقوع الطلاق بلفظ نعم ، فلا دلالة للرواية على خلاف ما تقدّم . بل خلاصة مفادها نفوذ إقرار الزوج بالطلاق ولو كان بلفظ نعم .1 ـ لعدم الفرق بين الطلاق وبين غيره من الايقاعات والعقود ، فكما أنّه يجوز في
- (1) المبسوط: 5 / 25 .
- (2) المبسوط: 5 / 52 ، النهاية: 511 .
- (3) التهذيب: 8 / 38 ح111 ، الوسائل: 22 / 42 ، أبواب مقدمات الطلاق ب16 ح6 .
(الصفحة 44)مسألة 3: لا يقع الطلاق بما يرادف الصيغة المزبورة من سائر اللغات مع القدرة، ومع العجز يصح ، وكذا لا يقع بالإشارة ولا بالكتابة مع القدرة على النطق ، ومع العجز يصحّ إيقاعه بهما ، والأحوط تقديم الكتابة لمن يعرفها على الإشارة(1) .
البيع بيع شيئين بصيغة واحدة ، ويكفي في العتق عتق عبدين أو أزيد ، كذلك يجوز في الطلاق طلاق زوجتين أو أزيد بصيغة واحدة ، ولم يدلّ دليل على خلاف القاعدة من هذه الجهة .1 ـ حيث إنّك قد عرفت أنّه يعتبر في الطلاق العربية وصيغة خاصّة ، وأنّه لا يجوز بغيرها حتى مثل قوله : أنت مطلّقة ، فلازم ذلك أنّه لا يجوز بما يرادف الصيغة المزبورة من سائر اللغات مع القدرة على تلك الصيغة ، كما أنّه لا يقع بالإشارة ولا بالكتابة مع القدرة عليه . نعم يجوز في كلتا الصورتين مع العجز ، وفي دوران الأمر بين الكتابة والإشارة يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي تقديم الكتابة; لأنّها أشدّ دلالة من الإشارة وأبعد من حيث احتمال الخلاف منها ، كما لا يخفى .
وقال ابنا حمزة(1) والبرّاج(2) تبعاً للشيخ في النهاية(3): يقع بالكتابة إذا كان غائباً عن الزوجة لصحيحة أبي حمزة الثمالي ، قال :
سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن رجل قال لرجل: اكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها ، أو اكتب إلى عبدي بعتقه ، يكون ذلك طلاقاً أو عتقاً؟ قال : لا يكون طلاقاً ولا عتقاً
- (1) الوسيلة: 323 .
- (2) المهذّب: 2 / 277 .
- (3) النهاية: 511 .
(الصفحة 45)مسألة 4 : يجوز للزوج أن يوكّل غيره في طلاق زوجته بالمباشرة أو بتوكيل غيره ، سواء كان الزوج حاضراً أو غائباً ، بل وكذا له أن يوكّل زوجته فيه بنفسها أو بالتوكيل ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم توكيلها(1) .
مسألة 5 : يجوز أن يوكّلها على أنّه لو طال سفره أزيد من ثلاثة شهور مثلا ، أو سامح في إنفاقها أزيد من شهر مثلا طلّقت نفسها ، لكن بشرط أن يكون
حتى ينطق به لسانه أو يخطّه بيده ، وهو يريد الطلاق أو العتق ، ويكون ذلك منه بالأهلّة والشهود ، ويكون غائباً عن أهله(1) .
وذكر صاحب الجواهر في وجه قصوره عمّا تقدّم أموراً ، منها: الموافقة للعامّة ، ومنها: الشذوذ حتى من القائل به; لعدم اعتبار الكتابة بيده(2) ، وأولى منهما عدم صحّة الطلاق بما هو أقوى من الكتابة ، كقوله: أنت مطلّقة أو أنت طالق ، أو غيرهما من الألفاظ على ما تقدّم ، فلا يجوز الاكتفاء بها مع القدرة ، فلاحظ وتأمّل .1 ـ يجوز التوكيل في الطلاق كما في سائر العقود والايقاعات بأن يوقعه الوكيل بالمباشرة أو بتوكيل غيره ، سواء كان الزوج حاضراً أو غائباً ، ويجوز أن يكون الوكيل هي الزوجة فيطلّقها بنفسها أو بالتوكيل ، لكن ذكر في المتن: لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم توكيلها ، والسرّ فيه أنّه يلزم أن يكون المطلّق والطالق واحداً ، وهو وإن كان صحيحاً بلحاظ تعدّد الإعتبار ، إلاّ أنّ كون الإحتياط الاستحبابي في الخلاف ممّا لا يكاد ينكر .
- (1) الكافي: 6 / 64 ح1 ، الوسائل: 22 / 37 ، أبواب مقدمات الطلاق ب14 ح3 .
- (2) جواهر الكلام: 32 / 63 .
(الصفحة 46)الشرط قيداً للموكّل فيه لا تعليقاً في الوكالة(1) .
مسألة 6 : يشترط في صيغة الطلاق التنجيز ، فلو علّقه على شرط بطل ، سواء كان ممّا يحتمل وقوعه كما إذا قال: «أنت طالق إن جاء زيد» أو ممّا يتيقّن حصوله ، كما إذا قال: «إن طلعت الشمس» . نعم لا يبعد جواز تعليقه على ما يكون معلّقاً عليه في الواقع ، كقوله: «إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق» سواء
1 ـ يجوز للزوج توكيل الزوجة في طلاق نفسها لو طال سفره أزيد من ثلاثة أشهر مثلا ، أو تسامح في الإنفاق عليها أزيد من شهر واحد مثلا ، كما هو المتداول اليوم في القبالات الرسمية المشتملة على وكالة الزوجة لطلاق نفسها عند عروض بعض الحالات للزوج ، كما إذا حبس أزيد من سنة واحدة مثلا بعلّة ارتكاب بعض ما هو ممنوع قانوناً أو شرعاً ، لكن بشرط أن يكون الشرط قيداً للموكّل فيه لا تعليقاً في الوكالة ، فإنّه موجب لبطلانها; لاعتبار التنجيز فيها كغيرها من العقود .
وأمّا إن كان قيداً للموكّل فيه بأن كان الموكّل فيه هو الطلاق المقيّد بطول سفره أو تسامحه في الإنفاق زماناً معيّناً فلا مانع منه ، والفرق أنّ الوكالة في الصورة الأولى معلّقة على طول السفر وحصول المسامحة في الإنفاق ، فلا وكالة بالفعل للشك في تحقّق المعلّق عليه ، ومع العلم أيضاً لا يكون بالفعل وكالة; لعدم تحقق المعلّق عليه ، بخلاف الصورة الثانية ، فإنّ الوكالة بالفعل حاصلة وإن كان قيد الموكّل فيه لم يتحقّق بعد ، نظير الواجب المعلّق ، حيث يكون الوجوب فعليّاً وإن كان الواجب إستقباليّاً ، كالحجّ بالإضافة إلى الإستطاعة الموجبة له ، وإن كان ظرفه الموسم في شهر ذي الحجّة ، كما تقرّر في محلّه .
(الصفحة 47)كان عالماً بأنّها زوجته أم لا(1) .
مسألة 7 : لو كرّر صيغة الطلاق ثلاثاً فقال : «هي طالق هي طالق هي طالق» من دون تخلّل رجعة في البين قاصداً تعدّده تقع واحدة وَلَغت الاُخريان ، ولو
1 ـ يشترط في صيغة الطلاق كسائر صيغ الايقاعات بل العقود التنجيز ، وقد استدلّ له مفصّلا في مثل كتاب المتاجر للشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره)(1) ، سواء كان المعلّق عليه محتمل الحصول ، كما إذا قال: أنت طالق إن جاء زيد ، مع كون مجيء زيد مشكوكاً مردّداً بين الوجود والعدم ، وفي هذه الصورة التي هي القدر المتيقّن يكون السرّ في بطلان التعليق الإنجرار إلى التنازع والتخاصم غالباً; لأجل الإختلاف في حصول المعلّق عليه وعدمه ، خصوصاً في باب الطلاق الذي عرفت في عبارة المحقّق المتقدّمة(2) أنّ النكاح عصمة يقف رفعها على إذن الشارع أي الاذن المتيقّن ، ولا يسلم صحّة الطلاق بدون التنجيز ، أو كان متيقّن الحصول ، كما إذا قال: إن طلعت الشمس فأنت طالق .
واستثني من التعليق صورة واحدة ونفي البعد عن الجواز فيه ، وهو التعليق على ما يكون معلّقاً عليه في الواقع وإن لم يكن هناك تعليق ، كما إذا قال: إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق ، أو قال في الإعتاق: إن كان زيد عبدي فهو معتق . والسرّ فيه تحقّق التعليق في الواقع وإن لم يعلّق عليه ، وهذا من دون فرق بين العلم بحصول المعلّق عليه وعدم العلم بحصوله ; لعدم تحقّق التعليق من ناحيته أصلا ، فلا يكون مفاد الصيغة مع التعليق إلاّ كمفادها بدونه ، فتدبّر جيّداً .
- (1) المكاسب: 3 / 162 ـ 174 (تراث الشيخ الأعظم) ج16 .
- (2) في ص41 .