(الصفحة 12)
مرسلة ابن أبي عمير ـ التي قال صاحب الجواهر : إنّها بحكم الصحيح عند الأصحاب(1) ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين(2)وحكي عن الشيخين(3) وجماعة من القدماء(4) العمل بذلك ، إلاّ أنّ المشهور بين المتأخّرين بل لعلّ عليه عامّتهم(5) اعتبار البلوغ الشرعي ، ولكن قد عرفت في كلام المحقّق أنّه فيها ضعف ، والظاهر أنّ مراده هو الضعف بالإرسال .
والتحقيق أن يقال : إنّه إن قلنا: بأنّ الصبي مسلوب العبارة ما دام لم يبلغ ، فطلاقه وغيره من عقوده وإيقاعاته يكون باطلا ، ولازمه حينئذ عدم صحّة التوكيل من الغير في طلاق زوجته ، ولعلّه لا يجتمع ذلك مع شرعية عباداته التي اخترناه وحقّقناه وإن لم نقل بذلك; نظراً إلى عدم دلالة مثل حديث «رفع القلم عن الصبي»(6) على ذلك .
فالظاهر بمقتضى الجمع بين الروايات بعد وجود الضعف في الطائفة الثالثة هو حمل الطائفة الاُولى المطلقة على الطائفة الثانية ، والالتزام بما حكي عن ابن الجنيد
- (1) جواهر الكلام: 32 / 4 .
- (2) الكافي: 6 / 124 ح5، ورواه بسند آخر في التهذيب: 8 / 75 ح254، الوسائل: 22 / 77، أبواب مقدمات الطلاق ب32 ح2.
- (3) لم نجده في باب الطلاق من المقنعة . نعم ، حكم في باب الوصيّة (667) بصحّة وصيّة الصبيّ إذا بلغ عشر سنين ، وربما استظهر منه صحّة سائر تصرّفاته ، النهاية: 518 .
- (4) المهذب: 2 / 288 ، الوسيلة: 323 .
- (5) راجع رياض المسائل: 7 / 283 ، مسالك الافهام: 9 / 10 ـ 11 ، قواعد الاحكام: 2 / 60 ، إيضاح الفوائد: 3 / 291 ، التنقيح الرائع: 3 / 391 ـ 392 ، المقتصر : 269 .
- (6) الخصال: 93 ح40 وص175 ح233 ، الوسائل: 1 / 45 ، أبواب مقدمات العبادات ب4 ح11 ، سنن البيهقي: 6 / 84 و 206 .
(الصفحة 13)
من صحّة طلاق الصبي مع التمييز(1) . ومن الممكن أن يكون قوله: «حتى يحتلم» في رواية الحسين بن علوان المتقدّمة ، يراد به حتى يحصل له العقل والتمييز ، ولذا جمع المحقّق في كلامه المتقدّم بين البلوغ عشراً والعقل ، وإلاّ فليس في الروايات الواردة رواية جامعة بين الوصفين .
ولعلّه لما ذكرنا احتاط الماتن(قدس سره) في اعتبار البلوغ ، وفي أنّه لو طلّق من بلغه فلا يترك الاحتياط ، هذا بالإضافة إلى البلوغ .
وأمّا اعتبار العقل فنفى وجدان الخلاف فيه بيننا(2) صاحب الجواهر ، بل ثبوت الإجماع بقسميه عليه(3) . ويدلّ عليه مضافاً إلى عدم القصد الذي يتوقّف عليه الحكم روايات متعددة ، مثل :
رواية السكوني المتقدّمة والروايات المتكثّرة الواردة في أنـّه «لا طلاق للسكران»(4) بناءً على اشتراك العلّة فيه مع المجنون ; لعدم الفرق بينهما من هذه الجهة الراجعة إلى زوال القصد وزوال العقل ولو موقّتاً .
وفي رواية أبي خالد القمّاط قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : رجل يعرف رأيه مرّة وينكره اُخرى ، يجوز طلاق وليّه عليه؟ قال : ما له هو لا يطلّق؟ قلت : لا يعرف حدّ الطلاق ، ولا يؤمن عليه إن طلّق اليوم أن يقول غداً : لم اُطلّق ، قال : ما أراه إلاّ بمنزلة الإمام يعني الوليّ(5) .
- (1) حكى عنه في مختلف الشيعة: 7 / 361 .
- (2) مختلف الشيعة: 7 / 362 ، مسالك الافهام: 9 / 15 ، رياض المسائل: 7 / 287 ، نهاية المرام: 2 / 10 .
- (3) جواهر الكلام: 32 / 8 .
- (4) الوسائل: 22 / 85 ، أبواب مقدمات الطلاق ب36 .
- (5) الكافي: 2 / 125 ح2 ، الوسائل: 22 / 81 ، أبواب مقدمات الطلاق ب34 ح1 .
(الصفحة 14)مسألة 2 : لا يصحّ طلاق وليّ الصبي عنه كأبيه وجدّه فضلا عن الوصي والحاكم . نعم لو بلغ فاسد العقل أو طرأ عليه الجنون بعد البلوغ طلّق عليه وليّه مع مراعاة الغبطة والصلاح ، فإن لم يكن له أب وجدّ فالأمر إلى الحاكم ، وإن كان أحدهما معه فالأحوط أن يكون الطلاق منه مع الحاكم ، وإن كان الأقوى نفوذ طلاقه بلا ضمّ الحاكم إليه(1) .
ثم إنّه ذكر في الوسائل لأبي خالد القمّاط ثلاث روايات في أبواب مختلفة ، والظاهر اتّحادها وعدم تعدّدها ، بمعنى سؤال أبي خالد عنه ثلاث مرّات ، نعم تكون إحداها فاقدة للسؤال ، وهو قول أبي عبدالله(عليه السلام) في طلاق المعتوه : يطلّق عنه وليّه ، فإنّي أراه بمنزلة الإمام عليه(1) . والمستفاد منهما أنّه لا يُطلّق زوجته بنفسه بل يُطلّق عنه الولي الذي هو بمنزلة الإمام عليه ، ولكن مع ذلك يكون الترك مقتضى الإحتياط .1 ـ أمّا عدم صحّة الطلاق عن الصّبي بالولاية الشرعية عليه ، كالولاية الثابتة للأب والجدّ فضلا عن الوصي والحاكم ، ولو كان فيه غبطة وصلاح ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى نفي وجدان الخلاف فيه منّا بل ثبوت الإجماع(2) بقسميه عليه ـ النبوي الذي وصفه صاحب الجواهر بالمقبولة(3) : «الطلاق بيد من أخذ بالساق»(4)الدالّ بمقتضى الحصر على اختصاص الطلاق بمالك البضع ، ولم تثبت الولاية في
- (1) الكافي : 6 / 126 ح7 ، الوسائل: 22 / 84 ، أبواب مقدمات الطلاق ب35 ح3 .
- (2) السرائر: 2/673، الخلاف: 4/442 ، رياض المسائل: 7 / 285 ، نهاية المرام: 2 / 8 .
- (3) جواهر الكلام: 32 / 5 .
- (4) سنن ابن ماجه: 1 / 672 ح2081 ، سنن البيهقي: 7 / 360 ، عوالي اللآلي: 1 / 234 .
(الصفحة 15)
مثله أصلا ، مضافاً إلى استصحاب بقاء علقة النكاح في صورة الشكّ في صحة طلاق الولي ، وإلى أنّه لم تثبت الملازمة بين صحّة النكاح وصحّة الطلاق ، فإذا جاز لوليّ الصغير تزويجه فلا يلازم جواز صحّة الطلاق عنه ، كما لا يخفى .
وأمّا صحّة طلاق الأب والجدّ عن الزوج فيما إذا بلغ فاسد العقل ، بحيث كان جنونه متّصلا بصغره أو طرأ عليه الجنون بعد البلوغ ، ففي المتن طلّق عليه وليّه مع مراعاة الغبطة والصلاح ، ومع عدم الأب والجدّ يكون الأمر إلى الحاكم ، وعن خلاف الشيخ(1) وابن إدريس(2) المنع من ذلك ، وفي الشرائع: وهو بعيد(3) ، والدليل عليه خبر أبي خالد القمّاط المتقدّم الذي جعله في الوسائل على ما مرّ ثلاث روايات ، ورواية شهاب بن عبد ربّه قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : المعتوه الذي لا يُحسن أن يُطلِّق يُطلِّق عنه وليّه على السنّة ، قلت : فطلّقها ثلاثاً في مقعد ، قال : تردّ إلى السنّة ، فإذا مضت ثلاثة أشهر ، أو ثلاثة قروء ، فقد بانت منه بواحدة(4) .
وفي محكي المسالك المناقشة في رواية القمّاط بعدم وضوح دلالتها ، فإنّ السائل وصف الزوج ـ يعني في إحدى رواياته ـ بكونه ذاهب العقل ، ثم يقول له الإمام : ما له لا يُطلّق ؟ مع الإجماع(5) على أنّ المجنون ليس له مباشرة الطلاق ولا أهلية التصرف ، ثم يُعلّل السائل عدم طلاقه بكونه ينكر الطلاق أو لا يعرف حدوده ، ثم
- (1) الخلاف: 4 / 442 .
- (2) السرائر: 2 / 673 .
- (3) شرائع الإسلام: 3 / 9 .
- (4) الكافي: 6 / 125 ح5 ، الوسائل: 22 / 84 ، أبواب مقدمات الطلاق ب35 ح2 .
- (5) مختلف الشيعة: 7 / 362 ، نهاية المرام: 2 / 10 ، رياض المسائل: 7 / 287 .
(الصفحة 16)
يجيبه بكون الوليّ بمنزلة السلطان(1) .
وأورد عليه في الجواهر بأنّه قد يقال : إنّ المراد بالمعتوه ناقص العقل ، ثم حكى عن بعض أعلام اللغويين أنّ المراد بالمعتوه من نقص عقله من دون جنون(2) ، ثم قال : وحينئذ لا يبعد أن يكون المراد به من لا عقل له كامل ، ومثله تصح مباشرته للطلاق ، لكن بإذن الوليّ; لأنّه من السفيه فيه كالسّفيه في المال(3) .
أقول : ويؤيّده التعبير عن الرجل المذكور بالأحمق في إحدى رواياته ، وهو غير المجنون عرفاً وعند العقلاء ، مضافاً إلى ما عرفت من أنّ التعبير بالمعتوه إنّما وقع في الرواية الخالية عن السؤال ، ويحتمل أن تكون مغايرة للروايتين الاُخريين .
نعم ، في رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سئل عن المعتوه أيجوز طلاقه؟ فقال : ما هو؟ قال: فقلت : الأحمق الذاهب العقل ، فقال : نعم(4) .
هذا ، وقد ورد في روايات متكثرّة ما ظاهره بطلان طلاق المعتوه ، مثل :
رواية الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن طلاق السكران وعتقه؟ فقال : لا يجوز . قال : وسألته عن طلاق المعتوه ، قال : وما هو؟ قال : قلت : الأحمق الذاهب العقل ، قال : لا يجوز ، قلت : فالمرأة كذلك ، يجوز بيعها وشراؤها؟ قال : لا(5) .
وكيف كان فإن كان خلاف الشيخ وابن إدريس في جواز الطلاق عن
- (1) مسالك الافهام: 9 / 13 .
- (2) مصباح المنير: 392 .
- (3) جواهر الكلام: 32 / 7 .
- (4) التهذيب: 8/75 ح252، الاستبصار: 3/302 ح1070، الوسائل: 22/83، أبواب مقدمات الطلاق ب34 ح8.
- (5) التهذيب: 8 / 73 ح245 ، الوسائل: 22 / 82 ، أبواب مقدمات الطلاق ب34 ح5 .