(الصفحة 155)
والأعراس ونحوهما ، ومن المعلوم اختلاف ذلك بحسب الأشخاص من جهة السنّ ، ومن جهة الغنى والفقر ، ومن جهة الشرف وغيره ، وبحسب الأزمان والأمكنة ، ولعلّ الاكتحال كان من ذلك في الأزمنة السالفة دون مثل زماننا .
هذا ، وأمّا مثل تنظيف البدن ولو بالدلك ، وكذا تنظيف اللباس وتسريح الشعر ، ودخول الحمّام ، والافتراش بالفراش الفاخر ، والسكنى في المساكن المزيّنة ، وتزيين الأولاد والاخدام فلا مانع منه; لعدم كون الغرض من ذلك التزيين ، فإنّ من دخل الحمام لتنظيف البدن وكذا من غسل ثوبه الوسخ ، لا يكون عمله مصداقاً للتزيين ، وعلى ما ذكرنا فالعناوين المذكورة في جملة من الروايات لا خصوصية فيها ، بل المناط مجرد التزيين بها وصدقه عادة المختلف بحسب ما ذكر . نعم في جواز المبيت في غير بيتها كلام يأتي .
نعم في موثقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سأله عن المرأة يموت عنها زوجها ، هل يحلّ لها أن تخرج من منزلها في عدّتها؟ قال : نعم وتختضب وتكتحل وتمتشط وتصبغ وتلبس المصبغ ، وتصنع ما شاءت بغير زينة لزوج(1) .
وفي الجواهر «لغير ريبة من زوج» . . . بل في الوافي قد مضى حديث آخر(2) بهذا الإسناد فيما تفعل المطلّقة في عدّتها ، وكان مضمونه قريباً من مضمون هذا الحديث إلاّ ما تضمن صدره ، ويشبه أن يكون الحديثان واحداً ، وإنّما ورد في المتوفّى عنها زوجها والمطلّقة جميعاً وقد سقط منه شيء(3) ، ويمكن حملها على إرادة جواز فعل ذلك للضرورة ، بل ربّما كان في قوله(عليه السلام): «لغير ريبة من زوج» إشعار بذلك على أنّ
- (1) الفقيه: 3 / 328 ح1591 ، الوسائل: 22 / 234 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب29 ح7 .
- (2) أي في الوافي : 23 / 1206 ح13 .
- (3) الوافي : 23 / 1220 ح18 وذيله .
(الصفحة 156)مسألة 5 : الأقوى أنّ الحداد ليس شرطاً في صحّة العدّة ، بل هو تكليف مستقل في زمانها ، فلو تركته عصياناً أو جهلا أو نسياناً في تمام المدّة أو بعضها ، لم يجب عليها استئنافها وتدارك مقدار ما اعتدّت بدونه(1) .
التدهن والامتشاط ليس مطلقهما من الزينة (1) .
أقول : إنّ عنوان الزوج بهذه الصورة المذكورة لا ينطبق على المعتدّة بعد فرض كونها في العدّة ، ويحرم النكاح فيها قطعاً ، فاللاّزم أن يكون المراد هو الزوج التقديري ، وعليه فالراجح في النظر أن يكون الصادر ما في الجواهر لا ما في الوسائل . فتدبّر والأمر سهل .1 ـ المشهور(2) على ما حكاه غير واحد أنّ الحداد واجب تعبّدي ، وتكليف مستقلّ لا شرطي لتحقّق الاعتداد ، فلو أخلّت به عالمةً عامدةً وعصياناً لم يبطل الاعتداد ، ولا منافاة بين المعصية وانقضاء العدّة ، بل لو فرض النكاح في العدّة لا يوجب عدم الانقضاء ، فيجوز التزويج بالثالث بعده ، وحكي عن أبي الصلاح وبعض آخر(3) إبطال العدّة بالإخلال به مطلقاً أو حال العمد خاصة على اختلاف النقلين; لعدم حصول الامتثال فيجب الاستئناف . وردّ بأنّه لا دليل على شرطيته بل ظاهر الأدلّة خلافه .
وفي الجواهر: ولكن الانصاف عدم خلوّه عن الوجه ، خصوصاً مع ملاحظة
- (1) جواهر الكلام: 32 / 278 .
- (2) مسالك الافهام: 9 / 279 ، نهاية المرام: 2 / 101 ، الحدائق الناضرة: 25 / 478 ، رياض المسائل: 7 / 379 ـ 380 ، جواهر الكلام: 32 / 283 .
- (3) نقل ذلك عن أبي الصلاح والسيد الفاخر شارح الرسالة في مسالك الافهام: 9 / 279 ونهاية المرام: 2 / 102 ، ولكن لم نعثر عليهما .
(الصفحة 157)مسألة 6 : لا فرق في وجوب الحداد بين المسلمة والذمّية ، كما لا فرق على الظاهر بين الدائمة والمنقطعة ، نعم لا يبعد عدم وجوبه على من قصرت مدة تمتعها كيوم أو يومين ، وهل يجب على الصغيرة والمجنونة أم لا؟ قولان أشهرهما الوجوب بمعنى وجوبه على وليّهما ، فيجنبهما عن التزيين ما دامتا في العدّة ، وفيه تأمّل وإن كان أحوط(1) .
الاحتياط وقاعدة وجوب الشيء في الشيء والنصوص(1) المتكثرة التي ستسمع جملة منها في تعليل وجوب الاعتداد عليها عند بلوغ الخبر ، بخلاف المطلّقة بوجوب الحداد عليها أي في عدّتها بخلافها ، بل قال أبو جعفر(عليه السلام) في خبر زرارة منها: إن مات عنها ـ يعني: وهو غائب ـ فقامت البيّنة على موته ، فعدّتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر وعشراً; لأنّ عليها أن تحدّ عليه في الموت أربعة أشهر وعشراً ، فتمسك عن الكحل والطيب والأصباغ(2) . لا أقل من الشك في انقضاء العدّة بدونه ، فتأمّل جيّداً(3) .
وأنت خبير بعدم دلالة شيء ممّا ذكر على الوجوب الشرطي ، بل مقتضى القاعدة مع عدم الدليل عليه عدم الإشتراط; لأنّه أمر ثالث يحتاج إليه .1 ـ لافرق في وجوب الحداد بين الزوجة المسلمة والكافرة الذمّية ، وقد صرّح بذلك غيرواحد(4)، والدليل عليه إطلاق الأدلّة، كما أنّه لافرق بين الدائمة والمنقطعة.
- (1) الوسائل: 22 / 228 ـ 232 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب28 .
- (2) الكافي: 6 / 112 ح6 ، التهذيب: 8 / 163 ح566 ، الاستبصار: 3 / 354 ح1269 ، الوسائل: 22 / 233 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب29 ح1 .
- (3) جواهر الكلام: 32 / 283 .
- (4) شرائع الإسلام: 3 / 38 ، مسالك الافهام: 9 / 278 ، رياض المسائل: 7 / 379 ، جواهر الكلام: 32/ 381 .
(الصفحة 158)
نعم ، نفى في المتن البعد عن عدم وجوب الحداد على من قصرت تمتعها كيوم أو يومين ، ولعلّ السرّ فيه أنّ الحداد قد روعي فيه احترام الزوج وشأنه ، فكما أنّها تتربّص أربعة أشهر وعشراً ، ولا يجوز لها الإقدام على التزويج حفظاً لمقام الزوج ، كذلك تحدّ الزوجة لذلك ، وتمنع نفسها عمّا به تتحقّق الزينة ، وإن شئت قلت : إنّ المنقطعة وإن كانت زوجة شرعاً ، ويجب عليها الاعتداد ولو كانت مدّة التمتّع بها قليلة ، إلاّ أنّه لا يبعد أن يقال بانصراف أدلّة الحداد عنها; لأنّه بملاحظة ما ذكرنا ينحصر بما إذا كانت الزوجة مع الزوج كثيراً ، فتراعى في العدّة احترامه ، وأمّا مع عدم الكون معه إلاّ قصيراً ، لا يبقى مجال للزوم الرعاية المذكورة .
وهل يجب الحداد على الزوجة الصغيرة أو المجنونة أيضاً أم لا؟ قولان أشهرهما الوجوب ، وقد صرّح بذلك المحقّق في الشرائع(1) . وعن ابن إدريس(2) والعلاّمة في المختلف(3) التردّد في ذلك ، بل في محكيّ كشف اللثام(4) هو ـ أي: عدم الوجوب ـ هو الأقوى وفاقاً للجامع(5) . وجه التردد إطلاق الأدلّة من ناحية ، وعدم توجّه التكليف إلى الصغيرة والمجنونة من ناحية اُخرى ، وتكليف الولي غير معلوم ، ولا إشارة في الأدلّة إليه ، ولا مفهوم من أمرها بالحداد ، ولكن ذكر في الجواهر قد يقال: لا يخفى على من رزقه الله فهم اللّسان مساواة الأمر بالحداد للأمر بالاعتداد ،
- (1) شرائع الإسلام: 3 / 38 .
- (2) السرائر: 2 / 739 .
- (3) مختلف الشيعة: 7 / 477 .
- (4) كشف اللثام: 2 / 139 .
- (5) الجامع للشرائع: 472 .
(الصفحة 159)مسألة 7 : يجوز للمعتدّة بعدّة الوفاة أن تخرج من بيتها في زمان عدّتها والتردّد في حوائجها خصوصاً إذا كانت ضرورية ، أو كان خروجها لاُمور راجحة كالحج والزيارة وعيادة المرضى وزيارة أرحامها ولا سيّما والديها ، نعم ينبغي بل الأحوط أن لا تبيت إلاّ في بيتها ، الذي كانت تسكنه في حياة زوجها أو تنتقل منه إليه للاعتداد بأن تخرج بعد الزوال وترجع عند العشي ، أو تخرج بعد نصف الليل وترجع صباحاً(1) .
الذي لا خلاف فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين في جريانه على الصغيرة على معنى تكليف الوليّ بالتربّص بها ، فيجري مثله في الحداد ولا حاجة إلى الاشارة في النصوص إلى خصوص ذلك ، ضرورة معلومية توجه التكليف إلى الأولياء في كلّ ما يراد عدم وجوده في الخارج(1) .
قلت : الفرق بين الحداد والاعتداد: أنّ الغرض المهم من الاعتداد عدم التزويج بالغير ، خصوصاً فيما لو احتمل اختلاط المياه كما في المجنونة والكبيرة والمدخول بها . وأمّا الحداد فليس إلاّ مجرّد تكليف ، وقد عرفت أنّه تكليف مستقل ، ولا يكون شرطاً في العدّة . ومن المعلوم انتفاء التكليف عن الصبي حتّى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق ، وليست المحرّمات التي يجب على الولي منع الصغير والمجنون عنها في رتبة واحدة ، ولو كان الولي واجباً عليه الأمر بالحداد والتجنيب عن التزيين لقد اُشير إليه في تلك الروايات الكثيرة الواردة في الحداد ، ومع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي الرعاية .1 ـ الكلام في هذه المسألة إنّما هو في أمرين :
- (1) جواهر الكلام: 32 / 381 .