(الصفحة 158)
نعم ، نفى في المتن البعد عن عدم وجوب الحداد على من قصرت تمتعها كيوم أو يومين ، ولعلّ السرّ فيه أنّ الحداد قد روعي فيه احترام الزوج وشأنه ، فكما أنّها تتربّص أربعة أشهر وعشراً ، ولا يجوز لها الإقدام على التزويج حفظاً لمقام الزوج ، كذلك تحدّ الزوجة لذلك ، وتمنع نفسها عمّا به تتحقّق الزينة ، وإن شئت قلت : إنّ المنقطعة وإن كانت زوجة شرعاً ، ويجب عليها الاعتداد ولو كانت مدّة التمتّع بها قليلة ، إلاّ أنّه لا يبعد أن يقال بانصراف أدلّة الحداد عنها; لأنّه بملاحظة ما ذكرنا ينحصر بما إذا كانت الزوجة مع الزوج كثيراً ، فتراعى في العدّة احترامه ، وأمّا مع عدم الكون معه إلاّ قصيراً ، لا يبقى مجال للزوم الرعاية المذكورة .
وهل يجب الحداد على الزوجة الصغيرة أو المجنونة أيضاً أم لا؟ قولان أشهرهما الوجوب ، وقد صرّح بذلك المحقّق في الشرائع(1) . وعن ابن إدريس(2) والعلاّمة في المختلف(3) التردّد في ذلك ، بل في محكيّ كشف اللثام(4) هو ـ أي: عدم الوجوب ـ هو الأقوى وفاقاً للجامع(5) . وجه التردد إطلاق الأدلّة من ناحية ، وعدم توجّه التكليف إلى الصغيرة والمجنونة من ناحية اُخرى ، وتكليف الولي غير معلوم ، ولا إشارة في الأدلّة إليه ، ولا مفهوم من أمرها بالحداد ، ولكن ذكر في الجواهر قد يقال: لا يخفى على من رزقه الله فهم اللّسان مساواة الأمر بالحداد للأمر بالاعتداد ،
- (1) شرائع الإسلام: 3 / 38 .
- (2) السرائر: 2 / 739 .
- (3) مختلف الشيعة: 7 / 477 .
- (4) كشف اللثام: 2 / 139 .
- (5) الجامع للشرائع: 472 .
(الصفحة 159)مسألة 7 : يجوز للمعتدّة بعدّة الوفاة أن تخرج من بيتها في زمان عدّتها والتردّد في حوائجها خصوصاً إذا كانت ضرورية ، أو كان خروجها لاُمور راجحة كالحج والزيارة وعيادة المرضى وزيارة أرحامها ولا سيّما والديها ، نعم ينبغي بل الأحوط أن لا تبيت إلاّ في بيتها ، الذي كانت تسكنه في حياة زوجها أو تنتقل منه إليه للاعتداد بأن تخرج بعد الزوال وترجع عند العشي ، أو تخرج بعد نصف الليل وترجع صباحاً(1) .
الذي لا خلاف فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين في جريانه على الصغيرة على معنى تكليف الوليّ بالتربّص بها ، فيجري مثله في الحداد ولا حاجة إلى الاشارة في النصوص إلى خصوص ذلك ، ضرورة معلومية توجه التكليف إلى الأولياء في كلّ ما يراد عدم وجوده في الخارج(1) .
قلت : الفرق بين الحداد والاعتداد: أنّ الغرض المهم من الاعتداد عدم التزويج بالغير ، خصوصاً فيما لو احتمل اختلاط المياه كما في المجنونة والكبيرة والمدخول بها . وأمّا الحداد فليس إلاّ مجرّد تكليف ، وقد عرفت أنّه تكليف مستقل ، ولا يكون شرطاً في العدّة . ومن المعلوم انتفاء التكليف عن الصبي حتّى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق ، وليست المحرّمات التي يجب على الولي منع الصغير والمجنون عنها في رتبة واحدة ، ولو كان الولي واجباً عليه الأمر بالحداد والتجنيب عن التزيين لقد اُشير إليه في تلك الروايات الكثيرة الواردة في الحداد ، ومع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي الرعاية .1 ـ الكلام في هذه المسألة إنّما هو في أمرين :
- (1) جواهر الكلام: 32 / 381 .
(الصفحة 160)
أحدهما : أنّ المعتدّة بعدّة الوفاة ، هل يجوز لها الخروج من بيتها في زمان عدّتها ، والتردّد في حوائجها أو لا يجوز لها ذلك ؟
فنقول : الظاهر دلالة روايات كثيرة على جواز الخروج من منزلها سيّما في الاُمور الراجحة كالحجّ والزيارة ونحوهما ، مثل :
موثقة ابن بكير قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن التي يتوفى عنها زوجها تحجّ؟ قال : نعم ، وتخرج وتنتقل من منزل إلى منزل(1) .
ورواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في المتوفى عنها زوجها أتحجّ وتشهد الحقوق؟ قال : نعم(2) .
ومقتضى إطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب أنّه لا فرق بين الحجّ الواجب وغيره ، كما أنّه لا فرق بين أن تكون الحقوق المشهود بها هي حقوق الله أو حقوق الناس .
ومكاتبة الصفّار أنّه كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام) في امرأة مات عنها زوجها وهي في عدّة منه ، وهي محتاجة لا تجد من ينفق عليها وهي تعمل للناس ، هل يجوز لها أن تخرج وتعمل وتبيت عن منزلها في عدّتها؟ قال : فوقّع(عليه السلام): لا بأس بذلك إن شاء الله(3) .
وغير ذلك ممّا يدلّ عليه من الروايات(4) ، فلا إشكال في هذا الأمر .
ثانيهما : أنّ المعتدة المذكورة هل يجوز لها البيتوتة في غير بيتها ، الذي كانت
- (1) قرب الاسناد: 168 ح617 ، الوسائل: 22 / 243 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب33 ح3 .
- (2) الكافي: 6 / 116 ح5 و 7 ، الوسائل: 22 / 244 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب33 ح4 و 5 .
- (3) الفقيه: 3 / 328 ح1590 ، الوسائل: 22 / 246 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب34 ح1 .
- (4) الوسائل: 22 / 243 ـ 247 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب33 ـ 34 .
(الصفحة 161)
تسكنه في حياة زوجها أو انتقلت إليه للاعتداد؟ الظاهر اختلاف الروايات(1) في ذلك ، والمحكي عن الشيخ(2) الجمع بين النصوص بحمل النهي على الكراهة . وعن صاحب الحدائق(3) أنّه استظهر الجمع بينهما بالفرق بين صورة الضرورة وعدمها ، مؤيّداً ذلك بمكاتبة الحميري لصاحب الزمان(عليه السلام) في جواب سؤاله عن المرأة يموت زوجها ، هل يجوز لها أن تخرج في جنازته أم لا؟ فّوقع : تخرج في جنازته .
وفي جواب سؤاله أنّه: هل يجوز لها وهي في عدّتها أن تزور قبر زوجها؟ فوقّع: تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها .
وفي جواب سؤاله أنّه: هل يجوز لها أن تخرج في قضاء حقّ يلزمها أم لا تخرج من بيتها وهي في عدّتها؟ فوقّع: إذا كان حقّ خرجت فيه وقضته . وإن كان لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت لها حتى تقضيها ولا تبيت إلاّ في منزلها(4) .
هذا ، ولكن ذكر في الجواهر: أنّي لم أجد أحداً من معتبري الأصحاب منعها عن ذلك ، بل ظاهرهم أنّه يجوز لها من دون ضرورة ، لكن على كراهية ، خصوصاً بعد ملاحظة النصوص المستفيضة الدالة على جواز قضاء عدّتها فيما شاءت من المنازل ولو كان شهر في منزل(5) .
وفي بعض الروايات في جواب السؤال عن أنّها: كيف تصنع إن عرض لها حقّ؟
- (1) الوسائل: 22 / 233 ـ 235 و 243 ـ 247 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب29 و33 و 34 .
- (2) التهذيب: 8 / 158 ـ 161 ، الاستبصار: 3 / 352 ـ 353 ، والحاكي هو صاحب الحدائق الناضرة: 25 / 473 .
- (3) الحدائق الناضرة: 25 / 471 ـ 473 .
- (4) الاحتجاج: 482 ، الوسائل: 22 / 245 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب33 ح8 .
- (5) جواهر الكلام: 32 / 279 .
(الصفحة 162)مسألة 8 : لا إشكال في أنّ مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه حاضراً كان الزوج أو غائباً بلغ الزوجة الخبر أم لا ، فلو طلّقها غائباً ولم يبلغها إلاّ بعد مضيّ مقدار العدّة فقد انقضت عدّتها ، وليس عليها عدّة بعد بلوغ الخبر ، ومثل عدّة الطلاق عدّة الفسخ والانفساخ على الظاهر ، وكذا عدّة وطء الشبهة وإن كان الأحوط الاعتداد من حين ارتفاع الشبهة بل هذا الاحتياط لا يترك ، وأمّا عدّة الوفاة فان مات الزوج غائباً فهي من حين بلوغ الخبر إليها ، ولا يبعد عدم اختصاص الحكم بصورة غيبة الزوج ، بل يعمّ صورة حضوره إن خفي عليها موته لعلّة ، فتعتدّ من حين إخبارها بموته(1) .
فقال(عليه السلام) : تخرج بعد زوال الليل وترجع عند المساء . وفي بعض النسخ تخرج بعد زوال الشمس(1) .
وعلى ما ذكرنا فمقتضى الاحتياط الاستحبابي أن لا يكون خروجها عن المنزل مستوعباً لجميع الليل ، كالمبيت بمنى على المختار من أنّ الواجب فيه النصف من دون فرق بين الأوّل والآخر ، ولا مستوعباً لجميع النهار كما لايخفى .1 ـ هذه المسألة متعرضة للفرق بين عدّة الطلاق وعدّة الوفاة من جهة المبدأ ، وأنّ مبدأ عدّة الطلاق فيما إذا كان الزوج حاضراً من حين الطلاق ، وقد ادّعى نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر(2) ، وكذا إذا كان الزوج غائباً على المشهور بين الأصحاب(3) . ويدلّ عليه روايات متعددة ، مثل :
- (1) الكافي: 6 / 117 ح13 ، الوسائل: 22 / 244 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب32 ح7 .
- (2) جواهر الكلام: 32 / 371 .
- (3) مسالك الافهام: 9 / 349 ، جواهر الكلام: 32 / 371 .