(الصفحة 183)
ارتفاعه على الطلاق ، غاية الأمر أنّه لا يعتبر تحقّقه من الزوج ، وفي موثّقة سماعة المتقدّمة(1) التصريح بأنّه «إن قدم وهي في عدّتها فهو أملك برجعتها» فإذا كان القدوم في أثناء العدّة كذلك فالقدوم قبل شروعها في العدّة كذلك بطريق أولى ، بمعنى كونها زوجة له لا حاجة إلى الرجعة .
الثانية : الصورة المفروضة مع كون مجيء الزوج بعدما تزوّجت بالغير ، وفي هذه الصورة لا سبيل له عليها; لأنّ لازم صحّة التزويج بالغير بعد انقضاء الأجل والطلاق هي صيرورتها زوجة شرعيّة للزوج الثاني ، ولم يتحقّق شيء يقتضي ارتفاعها ، فمجيئه في هذه الصورة إنّما هو كإرادة التزويج معها مع تطليقه إيّاها بنفسه وانقضاء عدّة الطلاق وتزويجها مع الغير ، فكما أنّه لا سبيل له عليها هناك كذلك المقام .
الثالثة : الصورة المفروضة أيضاً مع كون مجيء الزوج في أثناء العدّة ، ومقتضى ما ذكرنا جواز الرجوع إليها ، كما أنّ له ابقاؤها على حالها حتى تنقضي عدّتها وتبين عنه ، وقد عرفت(2) التصريح بهذه الصورة في موثّقة سماعة ، وأنّه «إذا جاء الزوج في أثناء العدّة فهو أملك برجعتها» .
الرابعة : الصورة المفروضة أيضاً مع كون مجيء الزوج بعد انقضاء العدّة وقبل التزويج مع الغير ، وفي هذه الصورة ذكر المحقّق في الشرائع: فيه روايتان أشهرهما أنّه لا سبيل له عليها(3) . بل ذكر في الجواهر : لم نقف على رواية الرجوع فيما وصل
- (1 و2) في ص170 ـ 171 .
- (3) شرائع الإسلام: 3 / 39 .
(الصفحة 184)مسألة 24 : لو حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الأمارات العلمُ بموته جاز لها بينها وبين الله أن تتزوّج بعد العدّة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم ، وليس لأحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم . نعم في
إلينا ، كما اعترف به غير واحد(1) ممّن سبقنا ، بل في المسالك : لم نقف عليها بعد التتبّع التام(2) ، وكذا قال جماعة ممّن سبقنا . نعم صريح النصوص السابقة أنّه لا سبيل له عليها حتى موثّق سماعة ، الذي لم يذكر فيه الطلاق(3) .
وقد انقدح ممّا ذكرنا وجه أقوائية القول الثاني كما أفاده في المتن ، نعم حكي عن مختلف الفاضل التفصيل بين ما إذا كانت العدّة بعد طلاق الوليّ فلا سبيل للزوج عليها ، وإن كانت بأمر الحاكم من غير طلاق كان أملك بها; لأنّ الأوّل طلاق شرعي قد انقضت عدّته بخلاف الثاني ، فإنّ أمرها بالاعتداد كان مبنيّاً على الظنّ بوفاته وقد ظهر بطلانه ، فلا أثر لتلك العدّة والزوجية باقية; لبطلان الحكم بالوفاة(4) .
ويدفعه أنّ الحكم في جميع الفروض كما عرفت هو الطلاق ، غاية الأمر أنّه قد يقع بإيقاع الولي وقد يقع بسبب الحاكم ، ومع كون الواقع هو الطلاق تكون العدّة عدّة الوفاة ، وعليه فلا فرق بين الصورتين ، فتدبّر جيّداً .
- (1) السرائر: 2 / 737 ، مسالك الافهام: 9 / 290 ، رياض المسائل: 7 / 384 ، نهاية المرام: 2 / 107 ، كشف الرموز: 2 / 228 .
- (2) مسالك الافهام: 9 / 290 .
- (3) جواهر الكلام: 32 / 298 .
- (4) مختلف الشيعة: 7 / 376 ـ 377 .
(الصفحة 185)جواز الاكتفاء بقولها واعتقادها لمن أراد تزويجها وكذا لمن يصير وكيلا عنها في إيقاع العقد عليها إشكال ، والأحوط لها أن تتزوّج ممّن لم يطلع بالحال ولم يدر أن زوجها قد فقد ، ولم يكن في البين إلاّ دعواها بأنّ زوجها مات ، بل يقدم على تزويجها مستنداً إلى دعواها أنّها خليّة بلا مانع ، وكذا توكّل من كان كذلك(1).
1 ـ لو حصل لزوجة الغائب العلم بموت الزوج بسبب القرائن وتراكم الأمارات من دون فرق بين الأسباب; لأنّه لا فرق في القطع الطريقي بين سبب وسبب ، يجوز فيما بينها وبين الله تبارك وتعالى أن تتزوّج بعد العدّة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم; لأنّ الرجوع إلى الحاكم إنّما هو لأجل التفحص والتفتيش ، ومع العلم بالموت لا مجال للتفحص أصلا ، وفي هذه الصورة ليس لأحد الاعتراض عليها ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم ، فإن كان العالم بالكذب هو الزوج الذي أراد أن يتزوّج بها ، فلا إشكال في عدم جواز التزويج به; لأنّ علمها بموت الزوج الأوّل وان كانت صادقة في نفسها ، لا يستلزم جواز التزويج بالغير ، الذي يكون عالماً بكذبها وأنّ لها الزوج بحسب الواقع .
نعم ، لو كان الزوج الثاني غير عالم بكذبها فتارةً يكون مطّلعاً على الحال وعالماً بأنّ زوجها قد فقد ، ولا يكون في البين إلاّ دعواها بأنّ زوجها قد مات ، وأخرى لا يكون مطّلعاً على الحال ، واستشكل في المتن في جواز الاكتفاء بقولها واعتقادها مطلقاً ، واحتاط وجوباً بعدم التزويج بمن كان مطّلعاً على الحال وإن كان لا يعلم بكذبها .
أقول : وجه الاستشكال أنّه لا دليل على جواز الاكتفاء بقولها فيما يرتبط إلى موت الزوج خصوصاً مع أنّ مقتضى الإستصحاب عدمه، ومع أنّ الرواية المتقدمة(1)
(الصفحة 186)
في بعض المسائل السابقة تدلّ على أنّ التفويض إلى النساء إنّما هو في أمور ثلاثة : الحيض والطهر والحمل . والضابط الأمر الذي لا يعلم نوعاً إلاّ من قبلهنّ . وموت الزوج لا يكون من هذه الاُمور ، ولكن حيث إنّ موت الزوج ولو كان غائباً وحياته مرتبطان بالمرأة من جهات مختلفة ، يمكن أن يقال بالقبول والاكتفاء بقوله .
وأمّا وجه الاحتياط الوجوبي المذكور ; فلأنّه مع الاطلاع والعلم بأنّ زوجها قد فقد ، ولا يكون في البين إلاّ دعواها بأنّ زوجها قد مات ، قد علم بأنّ وظيفتها الأوّلية الفحص والتفتيش بعد المراجعة إلى الحاكم ، وشكّ في سقوط هذه الوظيفة بسبب العلم بالموت الذي تدّعيه ، ولا شاهد لها على ذلك ، فمقتضى الاستصحاب العدم ، ولكن لازم ذلك جريان الاحتياط الوجوبي بالإضافة إلى من كان زوجها حاضراً غير مفقود ، وادّعت موته وانقضاء العدّة ، مع أنّ الظاهر جواز الاتكال على قولها في ذلك ، وهكذا في نظائر الفرض ، وإلاّ يلزم الإشكال في كثير من الموارد . فإذا ادّعت كونها يائسة والانقطاع من الزوج قبل اليأس بزمن قليل بالطلاق في النكاح الدائم ، أو بانقضاء المدّة أو هبتها في النكاح المنقطع ، فهل لا يجوز الاكتفاء بقولها؟ الظاهر الجواز إلاّ أن يقال بالفرق بين موت الزوج الذي هو عارض للرجل وبين اليأس الذي لا يعلم نوعاً إلاّ من قبلها ، وحتى في زماننا هذا الذي يكون مقدار السّن معلوماً من طريق المعرّف المكتوب الذي يقال له السجل (شناسنامه); لاحتمال كون السن الواقعي أقل من ذلك المقدار أو أكثر ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ ما ذكرناه في الزوج يجري في وكيل الزوجة في إيقاع العقد عليها ، فيجري الاستشكال والاحتياط الوجوبي فيه أيضاً .
(الصفحة 187)
القول في عدّة وطء الشبهة
والمراد به وطء الأجنبيّة بشبهة أنّها حليلته إمّا لشبهة في الموضوع كما لو وَطِئ امرأة باعتقاد أنّها زوجته ، أو لشبهة في الحكم كما إذا عقد على اُخت الموطوء معتقداً صحّته ودخل بها(1) .مسألة 1 : لا عدّة على المزني بها سواء حملت من الزنا أم لا على الأقوى ،
1 ـ لا إشكال في أنّ المراد بوطء الشبهة وطء الأجنبية الواقعية بشبهة أنّها حليلته ، إمّا لشبهة في الموضوع كما لو وطئ امرأة باعتقاد أنّها زوجته أو لشبهة في الحكم ، كما إذا عقد على اُخت الموطوءة معتقداً صحّته ودخل بها ، مثل ما نقلناه سابقاً(1) من بعض من ينتحل العلم من أنّ الجمع بين الاُختين المنهي عنه إنّما هو فيما إذا أراد الجمع بينهما في النكاح الدائم ، وأمّا إذا أراد الجمع بينهما بالنكاح الدائم في إحداهما وبالمنقطع في الاُخرى فلا مانع منه ، كما أنّه قد تكون الشبهة من الطرفين ، وقد تكون من طرف الواطئ ، وقد تكون من طرف الموطوءة .
- (1) تفصيل الشريعة / كتاب النكاح: القول في المصاهرة ، مسألة 15 و16 .