(الصفحة 242)
لكن في مقابلها ظاهراً صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : إذا قالت المرأة لزوجها جملة: لا أطيع لك أمراً ، مفسّراً أو غير مفسّر ، حلّ له ما أخذ منها ، وليس له عليها رجعة(1) .
وموثّقة سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : لا يجوز للرجل أن يأخذ من المختلعة حتى تتكلّم بهذا الكلام كلّه ، فقال : إذا قالت لا أطيع الله فيك ، حلّ له أن يأخذ منها ما وجد(2) .
ومع ملاحظة الروايات يقع الكلام في أمرين :
أحدهما : اعتبار كلام مخصوص وجملة خاصة وعدم اعتباره ، ويمكن استكشاف الثاني من اختلاف الروايات الواردة في هذا المجال ، خصوصاً مع ملاحظة شأن نزول الآية الشريفة المتقدّمة ممّا حاصله: أنّه جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يحبّها وتبغضه ، فقالت: يا رسول الله لا أنا ولا ثابت ولا يجمع رأسي ورأسه شيء ، والله ما أعيب عليه في دين ولا خلق ، ولكن أكره الكفر بعد الإسلام ما أصفه بغضاً ، إنّي رفعت جانب الخباء ، فرأيته أقبل في عدّة ، فإذا هو أشدّهم سواداً ، وأخصرهم قامة ، وأقبحهم وجهاً . فنزلت الآية . وكان قد أصدقها حديقة ، فقال ثابت : يا رسول الله تردّ الحديقة ، فقال رسول الله: ما تقولين؟ فقالت : نعم وأزيده ، فقال : لا ، حديقته فقط ، فاختلعت منه(3) .
ثانيهما : اعتبار الكراهية الشديدة وعدمها ، والظاهر أنّ المراد من الكراهية
- (1) التهذيب: 8/97 ح328، الاستبصار: 3/ 316 ح1127 ، الوسائل: 22 / 279 ، كتاب الخلع والمباراة ب1 ح1.
- (2) التهذيب: 8/96 ح327، الاستبصار: 3/316 ح1126 ، الوسائل: 22 / 279 ، كتاب الخلع والمباراة ب1 ح2.
- (3) مجمع البيان: 2 / 104 ذيل الآية 229 من سورة البقرة ، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 3 / 139 ، سنن البيهقي: 7 / 313 .
(الصفحة 243)مسألة 14 : الظاهر أنّه لا فرق بين أن تكون الكراهة المشترطة في الخلع ذاتية ناشئة من خصوصيات الزوج كقبح منظره وسوء خلقه وفقره وغير ذلك ، وبين أن تكون ناشئة من بعض العوارض مثل وجود الضّرة وعدم إيفاء الزوج بعض الحقوق الواجبة أو المستحبّة . نعم إن كانت الكراهة وطلب المفارقة من جهة إيذاء الزوج لها بالسبّ والشتم والضرب ونحوها فتريد تخليص نفسها منها فبذلت شيئاً ليطلّقها فطلّقها ، فلم يتحقق الخلع وحرم عليه ما أخذه منها ، ولكن الطلاق صحّ رجعيّاً بالشرط المتقدّم(1) .
الشديدة إن كان قول المرأة لزوجها: لا أطيع لك ، أو لا أطيع الله فيك ، كما في الروايتين الأخيرتين ، فلا شبهة في اعتبارها ، خصوصاً بملاحظة شأن نزول الآية الدالّ على أنّها كانت تبغضه ، مع أنّ الزوجة لها علاقة بالزوج نوعاً بلحاظ تكفّله أمور معيشتها كذلك وارضائه إيّاها لما تقتضيه الغريزة الجنسية ، فإذا صرّحت بعدم إطاعتها له أمراً بنحو النكرة في سياق النفي ، فهو دليل على كمال الكراهة ، ويؤيّده قوله تعالى :
{ إِلاَّ أن يَخَافا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ}(1) بعد كون المراد ليس مجرّد الخوف كما في قوله تعالى :
{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}(2) على ما تقدّم ، وإن كان المراد أشدّ من ذلك فالدليل لا يساعده .1 ـ لا فرق بين أن تكون الكراهة المعتبرة في صحة الخلع ذاتية ناشئة من خصوصيات الزوج ، كالأوصاف التي أشير إليها في مورد نزول الآية الشريفة : من قبح المنظر ونقصان القامة وشدّة السواد وغير ذلك ، أو ناشئة من بعض العوارض
- (1) سورة البقرة: 2 / 229 .
- (2) سورة النساء: 4 / 35 .
(الصفحة 244)
الخارجية مثل إدخال الضرّة عليها ، أو انكشاف وجودها بعد العقد ، أو عدم إيفاء الزوج بعض الحقوق الواجبة أو المستحبّة، وأمثال ذلك من حين الزوجية أو بعدها.
وأمّا إن كانت الكراهة وطلب المفارقة لأجل إيذاء الزوج لها بالسبّ والشتم والضرب ونحوها ، فتريد تخليص النفس منها ، فتبذل شيئاً ليطلّقها ، فطلّقها لأجل البذل والعوض ، فهذا يكون طلاقاً بالعوض ولا يكون خلعاً ، فيحرم عليه ما أخذه منها ، ولا يكون الطلاق المزبور خُلعاً بل طلاق رجعي مع الاتباع بالطلاق أي بصيغته . ولكن في محكيّ المسالك أنّ هذا بالنسبة إلى الخلع ، وأمّا الطلاق بعوض فمقتضى كلام المصنّف والجماعة(1) كونه كذلك; لاشتراكهما في المعنى ، بل عدّه في المبسوط(2) خلعاً صريحاً ، حيث قسّمه إلى واقع بصريح الطلاق وإلى واقع بغيره ، وجعل الأوّل طلاقاً وخلعاً ، وجعل الخلاف في الثاني هل هو طلاق أم لا؟ وهذا إن كان إجماعاً فهو الحُجة في حكمه ، وإلاّ فلا يخلو من إشكال; لأنّ النصوص(3) إنّما دلّت على توقّف الخلع على الكراهة ، وظاهر الطلاق بعوض أنّه مغاير له ، وإن شاركه في بعض الأحكام(4) .
هذا ، والظاهر أنّ الطلاق بالعوض خالياً عن شرائط الخلع ، التي عمدتها كراهة الزوجة أو شدّة كراهتها لا يكون مشروعاً في نفسه ولا موجباً لحلّية الفداء ، وإن كان منشأ التوهم ما ربّما يظهر من المحقّق(5) ومن جماعة(6) أخرى من الفقهاء ، ولكنّ
- (1) الجامع للشرائع: 476 ، إرشاد الاذهان: 2 / 52 ، قواعد الاحكام: 2 / 77 .
- (2) المبسوط: 4 / 344 .
- (3) الوسائل: 22 / 179 ـ 182 ، كتاب الخلع والمباراة ب1 .
- (4) مسالك الافهام: 9 / 420 .
- (5) شرائع الإسلام: 3 / 54 .
- (6) المبسوط: 4 / 344 ، الجامع للشرائع: 476 ، قواعد الاحكام: 2 / 77 .
(الصفحة 245)
الآية الشريفة(1) التي قد علّق فيها عدم الجناح فيما افتدت به على خوف ألاّ يقيما حدود الله ، والروايات(2) الكثيرة التي مرّت جملة منها دلّتا على اعتبار الكراهة أو شدّتها ، كما لا يخفى .
وذكر في الجواهر : أنّه عثر على رسالة كبيرة مصنّفة في هذه المسألة للمحقّق القمي(قدس سره) صاحب القوانين ، وذكر فيها أنّه منذ أربعين سنة أو أزيد كان على خلاف ما ذكره الشهيد(3) ، ولكنّه ظهر له بعد ذلك صحّته ، ولكن ذكر فيها أي في الجواهر أيضاً : أنّه أوفق بفقه الأعاجم المبني على التجشّم والتدقيق على خلاف طريقة المعتدلين من أهل الفنّ(4) .
قلت : إنّي لم أعثر على تلك الرسالة ، إلاّ أنّي أظنّ أنّ منشأ التوهّم المذكور أنّ الخلع يعتبر فيه الفداء بلا إشكال من ناحية ، وكونه قسماً من الطلاق من ناحية أخرى ، فتخيّل أنّ الطلاق بالعوض مطلقاً قسم من الطلاق ، وأنّ عدم الكراهة يمنع عن وقوع الخلع لا الطلاق بالعوض ، مع أنّ كون الخلع قسماً من الطلاق لا دلالة فيه على صحّة الطلاق مع العوض ، خصوصاً مع أنّك عرفت(5) أنّ جعلهم كتاب الخلع والمباراة كتاباً مستقلاًّ بعد كتاب الطلاق ربّما يشعر بعدم كونه منه ، وإن كانت الروايات ربّما يظهر منها خلاف ذلك ، فتدبّر جيّداً .
- (1) سورة البقرة: 2 / 229 .
- (2) الوسائل: 22 / 179 ـ 182 ، كتاب الخلع والمباراة ب1 .
- (3) الروضة البهية: 6 / 90 ، مسالك الافهام: 9 / 420 .
- (4) جواهر الكلام: 33 / 56 .
- (5) في ص221 ـ 222 .
(الصفحة 246)مسألة 15 : لو طلّقها بعوض مع عدم الكراهة وكون الأخلاق ملتئمة لم يصحّ الخلع ولم يملك العوض ، ولكن صحّ الطلاق بالشرط المقدّم ، فإن كان مورده الرجعي كان رجعيّاً وإلاّ بائناً(1) .مسألة 16 : طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع ما لم ترجع المرأة فيما بذلت ، ولها الرجوع فيه ما دامت في العدّة ، فإذا رجعت كان له الرجوع إليها(2) .
1 ـ قد مرّ في شرح المسألة السابقة أنّ الطلاق بالعوض بهذا العنوان مع عدم وجود شرائط الخلع ، التي عمدتها اعتبار مطلق الكراهة أو الكراهة الشديدة ، لا يكون مشروعاً وموجباً لحليّة العوض ، الذي يأخذه الرجل منها ، ففي كلّ مورد لا يوجد جميع شرائط الخلع لا يتحقّق الخلع ، وكذا ملكيّة العوض .
ووقوع أصل الطلاق رجعيّاً أو بائناً متوقّف على الشرط المتقدّم ، وهو الاتباع بصيغة الطلاق ، وإلاّ فلا يقع خلعاً ولا طلاقاً ، وجعل كتاب الخلع والمباراة كتاباً مستقلاًّ في مقابل كتاب الطلاق لا دلالة فيه على عدم كون الخلع ومثله قسماً للطلاق ، ولعلّ الإفراد لكثرة الأحكام المترتّبة عليه ، وقد عرفت(1) ظهور بعض الروايات بل صراحتها في كون الخلع طلاقاً ، فتدبّر في المقام ، فإنّه من مزالّ الأقدام حتى الأقدام العالية والمقامات العلمية المرتفعة ، كما عرفت بعض كلماتهم .2 ـ في هذه المسألة اُمور ثلاثة :
الأمر الأوّل : أنّ طلاق الخلع في نفسه طلاق بائن ، لا يجوز للزوج ابتداءً