(الصفحة 28)
الاُولى من سورة الطلاق :
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّة}(1) ، نظراً إلى أنّ المراد الأمر بطلاقهنّ في طهر يكون من عدَّتهنّ ، والحائض حال حيضها لا تكون كذلك ، وهكذا النفساء ، بل يلزم أن يكون الطهر غير طهر المواقعة ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى .
ومن الروايات ما وصفه في الجواهر بالاستفاضة لولا التواتر(2) .
منها: رواية الحلبي ، التي جعلها في الوسائل متعدّدة مع أنّ الظاهر الوحدة . قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : الرجل يطلّق امرأته وهي حائض ، قال : الطلاق على غير السنّة باطل ، قلت : فالرجل يطلِّق ثلاثاً في مقعد ، قال : يردّ إلى السنّة(3) .
وبالجملة لا ينبغي الارتياب في اعتبار هذا الأمر في المطلّقة ، إنّما اللازم ملاحظة أمرين :
الأوّل : الظاهر أنّ المراد منه ليس خصوص ذات الدم فعلا محكوم بأنّه حيض أو نفاس ، بل أعم منه ومن البياض المتخلّل بين الدمين المحكوم شرعاً بذلك ، فالنقاء المتخلّل بين الدمين إذا كان محكوماً شرعاً بأنّه حيض يترتّب عليه جميع أحكام الحيض التي منها المقام ، أمّا غير المحكوم بذلك كما إذا طهرت من عادة الحيض ولم تغتسل بعد ، فالظاهر أنّه لا مانع من وقوع الطلاق فيه لإطلاق الأدلّة ، وعدم كون الطلاق الواقع فيه واقعاً في حال الحيض أو النفاس .
الثاني : أنّ اعتبار هذا الأمر هل يكون بنحو الشرطية ، وعليه فالمعتبر هي الطهارة منهما ، أو أنّ اعتبار عدمه يكون بنحو المانعيّة ، ويترتّب على ذلك صحّة
- (1) سورة الطلاق: 65 / 1 .
- (2) جواهر الكلام: 32 / 29 .
- (3) الكافي: 6 / 58 ح3 ، التهذيب: 8 / 47 ح146 ، الوسائل: 22 / 20 ، أبواب مقدمات الطلاق ب8 ح3 .
(الصفحة 29)مسألة 11 : إنّما يشترط خلوّ المطلّقة من الحيض في المدخول بها الحائل دون غير المدخول بها ودون الحامل ، بناءً على مجامعة الحيض للحمل كما هو الأقوى ، فيصحّ طلاقها في حال الحيض ، وكذا يشترط ذلك فيما إذا كان الزوج حاضراً بمعنى كونهما في بلد واحد حين الطلاق ، ولو كان غائباً يصحّ طلاقها طلاق مجهول الحال وبطلانه ، فعلى الشرطيّة يعتبر الإحراز دون المانعيّة ، فإنه لا يعتبر إحراز العدم؟ فيه وجهان بل قولان ، ظاهر المتن الأوّل ، وربما يستفاد ذلك من الآية الشريفة المتقدّمة ، ولكن المتيقّن من النصوص والروايات الواردة هو الثاني .
أقول : لعلّ ملاحظة أحكام طلاق الغائب عن زوجته غير المطّلع على حيضها وعدمه كما سيجيء إن شاء الله تعالى تنفع المقام ، فانتظر .
ثالثها : أن لا تكون في طهر واقعها فيه زوجها ، ويدلّ عليه روايات(1) كثيرة ، وقد عقد في الوسائل باباً لذلك .
منها: رواية زرارة ومحمد بن مسلم وبكير وبريد وفضيل وإسماعيل الأزرق ومعمر بن يحيى ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) ، أنّهما قالا: إذا طلّق الرجل في دم النفاس أو طلّقها بعدما يمسّها فليس طلاقه إيّاها بطلاق ، الحديث(2) .
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال ، بل يدلّ عليه الآية المتقدّمة بناءً على ما أفاده صاحب الجواهر من استفاضة النصوص بكون المراد بها الطلاق في مستقبل العدّة .
- (1) الوسائل: 22 / 23 ـ 25 ، أبواب مقدمات الطلاق ب9 .
- (2) الكافي: 6 / 60 ح11 ، التهذيب: 8 / 47 ح147 ، الوسائل: 22 / 23 ، أبواب مقدمات الطلاق ب9 ح1 .
(الصفحة 30)وإن وقع في حال الحيض لكن إذا لم يعلم حالها من حيث الطهر والحيض وتعذّر أو تعسّر عليه استعلامها ، فلو علم أنّها في حال الحيض ولو من جهة علمه بعادتها الوقتية على الأظهر أو تمكّن من استعلامها وطلّقها فتبيّن وقوعه في حال الحيض بطل(1) .
1 ـ قد عرفت في المسألة المتقدّمة إعتبار خلوّ المطلّقة عن الحيض ، فاعلم أنّ اعتباره إنّما هو بالإضافة إلى المدخول بها الحائل ، وأمّا غير المدخول بها فيصحّ طلاقها ولو في حال الحيض; لأنّه لا عدّة لها أصلا في الطلاق ، كما أنّ الحامل عدّتها وضع الحمل على كلّ حال ، مضافاً إلى دلالة روايات(1) كثيرة بل مستفيضة على أنّ غير المدخول بها والحامل من الخمس التي يطلّقن على كلّ حال ، مثل:
رواية إسماعيل بن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : خمس يطلّقن على كلّ حال: الحامل المتبيّن حملها ، والتي لم يدخل بها زوجها ، والغائب عنها زوجها ، والتي لم تحض ، والتي قد جلست عن المحيض(2) . وغير ذلك من الروايات بهذا المضمون .
وبهذه الرواية وأمثالها يقيّد إطلاق رواية الحلبي المتقدّمة الظاهرة في بطلان طلاق الحائض; لعدم الاستفصال في الجواب وإطلاق السؤال; لأنّ قوله(عليه السلام): «على كلّ حال» ناظر إلى روايات المنع ، واختصاصها بغير المدخول بها والحامل ، فلا يتوهّم ثبوت التعارض وأنّه بالعموم والخصوص من وجه; لافتراقهما في مثل الحائل غير المدخول بها الحائض ، وفي مثل الحامل والتي لم يدخل بها زوجها
- (1) الوسائل: 22 / 54 ـ 56 ، أبواب مقدمات الطلاق ب25 .
- (2) الفقيه: 3 / 334 ح1615 ، الوسائل: 22 / 54 ، أبواب مقدمات الطلاق ب25 ح1 .
(الصفحة 31)
غير الحائض ، واجتماعهما في الحامل الحائض بناءً على اجتماع الحيض مع الحمل على الأقوى وغير المدخول بها الحائض ، فإنّ الترجيح مع الروايات الدالّة على جواز طلاقها في حال الحيض أيضاً; لأنّه مقتضى الجمع الدلالي وتقدّم النص أو الأظهر على الظاهر ، وعلى تقدير التعارض يكون الإجماع مرجّحاً لهذه الروايات .
وأمّا الغائب ، فالمصرّح به أنّ الغائب عن زوجته في طهر مواقعتها ينتظر لأجل الطلاق مدّة يعلم بمقتضى عادتها انتقالها من القرء الذي وطأها فيه إلى وقت قرء آخر ، وإن احتمل أنّها في حال الطلاق حائض ، أو باقية على الطهر الأوّل الذي هو طهر المواقعة ، والروايات الواردة في هذا المجال على ثلاث طوائف :
الطائفة الاُولى : ما تدلّ على جواز طلاق الغائب مطلقاً ، مثل :
رواية محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يطلّق امرأته وهو غائب ؟ قال : يجوز طلاقه على كلّ حال ، وتعتدّ امرأته من يوم طلّقها(1) .
الطائفة الثانية : ما تدلّ على لزوم مضيّ شهر في طلاق الغائب ، مثل :
رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : الغائب إذا أراد أن يطلّقها تركها شهراً(2) .
الطائفة الثالثة: ما تدلّ على لزوم مضيّ ثلاثة أشهر في طلاق الغائب ، مثل:
- (1) الكافي: 6 / 80 ح7 ، التهذيب: 8 / 60 ح195 ، الاستبصار: 3 / 294 ح1038 ، الوسائل: 22 / 56 ، أبواب مقدمات الطلاق ب26 ح1 .
- (2) الكافي: 6 / 80 ح3 ، التهذيب: 8 / 62 ح202 ، الاستبصار: 3 / 295 ح1041 ، الوسائل: 22 / 56 ، أبواب مقدمات الطلاق ب26 ح3 .
(الصفحة 32)مسألة 12 : لو غاب الزوج فإن خرج حال حيضها لم يجز طلاقها إلاّ بعد مضيّ مدّة قطع بانقطاع ذلك الحيض ، أو كانت ذات العادة ومضت عادتها ، فإن طلّقها بعد ذلك في زمان لم يعلم بكونها حائضاً في ذلك الزمان صحّ طلاقها وإن تبيّن وقوعه في حال الحيض ، وإن خرج في حال الطهر الذي لم يواقعها فيه طلّقها في أيّ زمان لم يعلم بكونها حائضاً وصحّ طلاقها وإن صادف الحيض . نعم لو طلّقها في زمان علم بأنّ عادتها التحيض فيه بطل إن صادفه ، ولو خرج في الطهر الذي واقعها فيه ينتظر مضيّ زمان انتقلت بمقتضى العادة من ذلك الطهر رواية جميل بن دراج ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلّق حتّى تمضي ثلاثة أشهر(1) .
وقد أفاد صاحب الجواهر ما مرجعه إلى أنّه بعد لزوم حمل الطائفة الاُولى المطلقة على الطائفتين المقيّدتين يكون الوجه في اختلاف القيدين اختلاف عادة النساء في ذلك ، وإلاّ فالمراد انتقالها من زمان طهر المواقعة إلى زمان طهر آخر(2) ، وأنت خبير ببعد هذا التوجيه كما لا يخفى ، بل لا يمكن حمل الطائفة الاُولى على الأخيرتين بعد تصريح الجواب بجواز طلاقه على كلّ حال ، الظاهر في صورة تعذّر الإستعلام وتعسّره وعدمه .
نعم ، هي منصرفة عمّا لو علم بأنّ زوجته حائض أو في العادة ، ولا يشملها مورد السؤال بوجه ، أمّا بالإضافة إلى الموارد الاُخرى فهي دالّة على الجواز ، وسيأتي التفصيل في المسألة إن شاء الله تعالى .
- (1) التهذيب : 7 / 62 ح 203 ، الوسائل : 22/58 ، أبواب مقدّمات الطلاق : ب26 ح7 .
- (2) جواهر الكلام: 32 / 34 .