(الصفحة 281)
المختص به أو الغالب إطلاقه عليه ، وقد نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر(1) ، وفي صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): قول الله عزّوجلّ :
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى }(2)
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}(3) وما أشبه ذلك ، قال : إنّ لله أن يقسم من خلقه بما يشاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به(4) .
وفي صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا أرى أن يحلف الرجل إلاّ بالله ، الحديث(5) .
وفي صحيحته الاُخرى، قول أبي عبدالله(عليه السلام) : أيّما رجل آلى من امرأته ـ والإيلاء أن يقول: والله لا أجامعكِ كذا وكذا ، والله لأغيظنّكِ ، ثمّ يغاضبها ـ فإنّه يتربّص به أربعة أشهر ، الحديث(6) .
وغير ذلك ممّا يدلّ عليه ، وعليه فلا يقع لو كان الحلف بالكعبة أو القرآن أو النبيّ أو أحد الأئمّة(عليهم السلام) . نعم لا ينحصر بلفظ الجلالة على ما يوهمه بعض الروايات المتقدّمة ، بل يقع بكلّ اسم له تعالى المختصّ به أو الغالب ، كما أنّه لا ينحصر باللغة العربية على ما ذكرنا . نعم لابدّ وأن يكون مع القصد المعتبر في سائر الإيقاعات أيضاً ، كما أنّه لا يعتبر فيه الصراحة ، بل يكفي الظهور العقلائي المعتبر كما في سائر المقامات، حيث إنّ الإفادة والإستفادة في الأكثر مبنيّتان على الظهور، فيكفي لاأطأك
- (1) جواهر الكلام: 33 / 298 .
- (2) سورة الليل: 92 / 1 .
- (3) سورة النجم: 53 / 1 .
- (4) الكافي: 7 / 449 ح1 ، التهذيب: 8 / 277 ح1009 ، الوسائل: 22 / 343 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الإيلاء ب3 ح1 .
- (5) الكافي: 7 / 449 ح2 ، الوسائل: 22 / 343 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الإيلاء ب3 ح2 .
- (6) الفقيه: 3 / 339 ح1634 ، الوسائل: 22 / 341 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الإيلاء ب1 ح1 .
(الصفحة 282)مسألة 2 : لو تمّ الإيلاء بشرائطه ، فإن صبرت المرأة مع امتناعه عن المواقعة فلا كلام ، وإلاّ فلها الرفع إلى الحاكم فيحضره وينظره أربعة أشهر ، فإن رجع
ولا أجامعك ولا أمسّك ، بل يكفي مثل قوله : لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدّة إذا قصد به ترك الجماع ، وإن حكي عن خلاف الشيخ(1) وتبعه ابن إدريس(2) أنّه لا يصحّ بالأخير إيلاءً ، لكن في محكي المبسوط يقع مع القصد(3) ، واستحسنه المحقّق في الشرائع(4); لدلالة بعض الروايات عليه ، مثل :
صحيحة بريدبن معاوية قال: سمعت أباعبدالله(عليه السلام) يقول في الإيلاء: إذ آلى الرجل أن لا يقرب امرأته ، ولا يمسّها ، ولا يجمع رأسه ورأسها فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر ، فإذا مضت أربعة أشهر وقف ، فإمّا أن يفيء فيمسّها ، وإمّا أن يعزم على الطلاق ، فيخلّي عنها حتّى إذا حاضت ، وتطهّرت من محيضها طلّقها تطليقة قبل أن يجامعها بشهادة عدلين ، ثم هو أحقّ برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء(5) .
ورواية أبي الصباح الكناني ، المُشتملة على قول أبي عبدالله(عليه السلام): الإيلاء أن يقول الرجل لامرأته: والله لأغيظنّك ، ولأسوأنّك ، ثم يهجرها ، ولا يجامعها حتى تمضي أربعة أشهر ، فقد وقع الإيلاء ، الحديث(6) .
وصحيحة الحلبي المتقدّمة ، المُشتملة على بيان كيفيّة الإيلاء .
- (1) الخلاف: 4 / 515 مسألة 7 .
- (2) السرائر: 2 / 722 .
- (3) المبسوط: 5 / 116 ـ 117 .
- (4) شرائع الإسلام: 3 / 83 .
- (5) الكافي: 6 / 130 ح1 ، التهذيب: 8 / 3 ح3 ، الاستبصار: 3 / 255 ح915 ، الوسائل: 22 / 351 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الإيلاء ب10 ح1 .
- (6) الكافي: 6 / 132 ح7 ، الوسائل: 22 / 350 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الإيلاء ب9 ح3 .
(الصفحة 283)وواقعها في هذه المدّة فهو ، وإلاّ أجبره على أحد الأمرين: إمّا الرجوع أو الطلاق ، فإن فعل أحدهما وإلاّ حبسه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتى يختار أحدهما ، ولا يجبره على أحدهما معيّناً(1) .
1 ـ مع تمامية الإيلاء بشرائطه وقيوده ، فإن صبرت المرأة مع امتناعه عن المواقعة فلا كلام ، وكذا لو لم يمتنع وواقع محرّماً على ما عرفت في الظهار(1) ، وإلاّ فلها الرفع إلى الحاكم المُعدّ لأمثال هذه الاُمور ، فيحضره وينظره أربعة أشهر كما هو مقتضى الآية الشريفة(2) ، فإن فاء ورجع في هذه المدّة وواقعها ، وإلاّ أجبره على أحد الأمرين لا على التعيين .
وفي ذيل رواية أبي الصباح المتقدّمة: «وينبغي للإمام أن يجبره على أن يفيء ، أو يُطلّق ، فإن فاء فإنّ الله غفور رحيم ، وإن عزم الطلاق فإنّ الله سميع عليم ، وهو قول الله تبارك وتعالى في كتابه» .
وأمّا الحبس والتضييق عليه في المطعم والمشرب فيدلّ عليه رواية غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : كان أمير المؤمنين (عليه السلام)إذا أبى المؤلي أن يطلّق جعل له حظيرة من قصب ، وأعطاه ربع قوته حتى يطلّق(3) .
ورواية حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: في المؤلي إذا أبى أن يطلّق ، قال: كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يجعل له حظيرة من قصب ، ويجعله (يحبسه خ ل) فيها ، ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلّق(4) .
- (1) في ص275 .
- (2) سورة البقرة: 2 / 226 .
- (3) الكافي: 6 / 133 ح13 ، الوسائل: 22 / 354 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الإيلاء ب11 ح3 .
- (4) الكافي: 6 / 133 ح10 ، التهذيب: 8 / 6 ح13 ، الاستبصار: 3 / 257 ح920 ، الوسائل: 22 / 353 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الإيلاء ب11 ح1 .
(الصفحة 284)مسألة 3 : الأقوى أنّ الأشهر الأربعة التي ينظر فيها ، ثم يُجبر على أحد الأمرين بعدها هي من حين الرفع إلى الحاكم(1) .مسألة 4 : يزول حكم الإيلاء بالطلاق البائن ، وإن عقد عليها في العدّة بخلاف الرجعي فإنّه وإن خرج بذلك عن حقّها فليست لها المطالبة والترافع إلى الحاكم ، لكن لا يزول حكم الإيلاء إلاّ بانقضاء عدّتها ، فلو راجعها في العدّة عاد
والرواية المتقدّمة شارحة لهذه الرواية من جهة أنّ المراد ليس المنع من الطعام والشراب مطلقاً بل العادي منهما ، ومفسّرة بهذه الرواية من جهة عدم خصوصية للربع بعنوانه ، كما لا يخفى .
ومرسلة الصدوق قال: وروي أنّه إن فاء ـ وهو أن يراجع إلى الجماع ـ وإلاّ حبس في حظيرة من قصب ، وشدّد عليه في المأكل والمشرب حتى يُطلّق(1) .1 ـ ظاهر الآية الشريفة المتقدّمة ، الواردة في الإيلاء(2) كون التربّص من حين الرفع إلى الحاكم لا من حين الإيلاء ، وإن كان ربّما يتوهّم ذلك; لأنّها دالّة على لزوم التربّص في المدّة المذكورة مطلقاً وهو لا يجتمع إلاّ مع ما ذكر ، وإلاّ فيلزم عدم لزوم التربّص إذا كان الرفع إليه بعد المدّة المذكورة .
هذا ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات(3) على أنّه يوقف بعد سنة ، وعلى لزوم مضي أربعة أشهر وإن لم يوقفه عشر سنين فهي امرئته ، كما لايخفى .
- (1) الفقيه: 3 / 339 ح1635 ، الوسائل: 22 / 354 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الإيلاء ب11 ح4 .
- (2) في ص279 .
- (3) الوسائل: 22 / 347 ـ348 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الإيلاء ب8 ح2 و 4 .
(الصفحة 285)إلى الحكم الأوّل ، فلها المطالبة بحقّها والمرافعة(1) .مسألة 5 : متى وطأها الزوج بعد الإيلاء لزمته الكفارة سواء كان في مدّة التربّص أو بعدها أو قبلها ، لأنّه قد حنث اليمين على كلّ حال وإن جاز له هذا الحنث ، بل وجب بعد انقضاء المدّة ومطالبتها وأمر الحاكم به تخييراً ، وبهذا يمتاز هذا الحلف عن سائر الأيمان ، كما أنّه يمتاز عن غيره بأنّه لا يعتبر فيه ما يعتبر في غيره من كون متعلّقه مباحاً تساوى طرفاه ، أو كان راجحاً ديناً أو دنياً(2).
1 ـ لو طلّق الزوجة التي وقع إيلاؤها ، فالظاهر أنّه إن كان الطلاق رجعيّاً ولازمه كون حقّ الرجوع بيد الزوج يصير الزوج المؤلي خارجاً عن حقّها ، فليست لها المطالبة والترافع إلى الحاكم ، لكن زوال حكم الإيلاء متوقّف على انقضاء العدّة ، الذي تصير الزوجة بسببه مختارة في أمر نفسها ، ويجوز لها التزويج مع الغير، فلو راجعها في العدّة وصارت زوجة له بالفعل يكون لها المطالبة والمرافعة ، وإن كان الطلاق بائناً كاليائسة والمدخول بها فالظاهر زوال حكم الإيلاء بسببه ، سواء كانت له العدّة أم لا; لصيرورتها مختارة بسببه وإن كانت له العدّة .2 ـ قد عرفت(1) أنّ الإيلاء قسم من الحلف ونوع منه ، لكن يمتاز عنه بأمرين :
أحدهما : أنّه لا يعتبر في الإيلاء ما يعتبر في مطلق الحلف الذي يترتّب على حنثه الكفّارة من كون المتعلّق مباحاً تساوى طرفاه ، أو راجحاً بحسب الدين أو الدنيا ، ضرورة أنّه لا رجحان في ترك وطء الزوجة أزيد من أربعة أشهر بعد لزوم الوطء في تلك المدّة ولو مرّة ، وقد عرفت(2) أنّ هذا كان طلاقاً في الجاهلية متداولا
- (1) في ص280 ـ 281 .
- (2) في ص279 .