(الصفحة 288)
(الصفحة 289)
كتاب اللّعان
وهي مباهلة خاصّة بين الزوجين ، أثرها دفع الحدّ أو نفي الولد(1) .
1 ـ اللعان مصدر «لاعن» من باب المفاعلة ، أو جمع اللّعن ، وهو لغة : الطّرد والإبعاد . وشرعاً كما في المتن مباهلة خاصّة متحقّقة بين الزوجين ، وتؤثِّر في رفع الحدّ عن الزوج الرّامي الملاعن والعذاب عن المرميّة الملاعنة ، أو في إثبات نفي الولد على ما سيجيء تفصيله إن شاء الله تعالى .
والأصل فيه قوله تعالى :
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَات بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ* وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ* وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَاالْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَات بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ* وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}(1) .
وقد ورد في شأن النزول ما عن ابن عبّاس من أنّه لمّا نزلت
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ}(2) إلى آخرها قال سعد بن عباد: يا رسول الله إنّي لأعلم أنّها حقّ من
- (1) سورة النور: 24 / 6 ـ 9 .
- (2) سورة النور : 24 / 4 .
(الصفحة 290)
عند الله تعالى شأنه ، لكن تعجّبت أن لو وجدت لكاعاً يفخذها ، لم يكن لي أن أهيّجه ولا أحرّكه حتى آتي بأربعة شهداء ، فوالله إنّي لا آتي بهم حتى يقضي حاجته ، فما لبثوا حتى جاء هلال بن أميّة فقال: يارسول الله إنّي جئت أهلي عشاء ، فوجدت عندها رجلا يقال له شريك بن سمحاء ، فرأيت بعيني وسمعت بإذني . فكره النبيّ (صلى الله عليه وآله)ذلك فقال سعد: الآن يضرب النبيّ (صلى الله عليه وآله)هلال بن أميّة وتبطل شهادته في المسلمين فقال هلال : والله إنّي لأرجو أن يجعل الله لي مخرجاً ، فبينما هم كذلك إذ نزل
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إلى آخرها ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً(1) . وقد روي بكيفية أخرى .
وأمّا المرويّ من طرقنا معاشر الإماميّة ، فعن عبد الرّحمن بن الحجّاج: أنّ عبّاد البصري سأل أبا عبدالله(عليه السلام) وأنا حاضر ، كيف يلاعن الرجل المرأة؟ فقال: إنّ رجلا من المسلمين أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال : يا رسول الله! اَرأيت لو أنّ رجلا دخل منزله ، فرأى مع امرأته رجلا يجامعها ، ما كان يصنع؟ فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فانصرف الرجل ، وكان ذلك الرجل هو الذي ابتلي بذلك من امرأته ، قال: فنزل الوحي من عند الله عزّوجل بالحكم فيها ، قال: فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ذلك الرجل ، فدعاه ، فقال: أنت الّذي رأيت مع امرأتك رجلا؟ فقال : نعم ، فقال له : انطلق فأتني بامرأتك ، فإنّ الله عزّوجلّ قد أنزل الحكم فيك وفيها ، قال: فأحضرها زوجها ، فوقفها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقال للزوج: إشهد أربع شهادات بالله إنّك لمن الصادقين فيما رميتها به ، قال : فشهد ، قال: ثم قال
- (1) جامع البيان ، المعروف بتفسير الطبري : 18/65 ـ 66 ، سنن البيهقي: 7 / 394 ، مجمع البيان: 7 / 201 ، مع اختلاف في الألفاظ في الجميع ، والمتن مطابق لما في الجواهر : 34 / 3 .
(الصفحة 291)
رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أمسك ، ووعظه ، ثم قال: إتقّ الله ، فإنّ لعنة الله شديدة ، ثم قال : إشهد الخامسة أنّ لعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين ، قال : فشهد ، فأمر به فنحي ، ثم قال (صلى الله عليه وآله)للمرأة: إشهدي أربع شهادات بالله إنّ زوجك من الكاذبين فيما رماك به ، قال : فشهدت ، ثم قال لها : أمسكي ، فوعظها ، ثم قال لها : إتّقي الله ، فإنّ غضب الله شديد ، ثم قال لها : إشهدي الخامسة أنّ غضب الله عليك إن كان زوجك من الصادقين فيما رماك به ، قال : فشهدت ، قال: ففرّق بينهما ، وقال لهما: لا تجتمعا بنكاح أبداً بعد ما تلاعنتما(1) .
وقد رواها المشايخ الثلاثة بأسانيد صحيحة(2) .
هذا بالإضافة إلى رفع الحدّ ، وأمّا بالإضافة إلى نفي الولد ، ففي رواية البزنطي التي رواها في الفقيه أنّه سأل أبا الحسن الرضا(عليه السلام) فقال له : أصلحك الله كيف الملاعنة؟ قال : يعقد الإمام ويجعل ظهره إلى القبلة ، ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة والصبي عن يساره(3) .
قال : وفي خبر آخر قوله(عليه السلام) : وإن دعا أحد ولدها : ابن الزانية جلد الحدّ ، فإن ادّعى الرجل الولد بعد الملاعنة نسب إليه ولده ، ولم ترجع إليه امرأته ، فإن مات الأب ورثه الابن ، وإن مات الابن لم يرثه الأب ويكون ميراثه لاُمّه ، فإن لم يكن له أمّ فميراثه لأخواله ، ولم يرثه أحد من قبل الأب ، الحديث(4) .
- (1 ، 2) الفقيه : 3 / 349 ح1671 الكافي : 6 / 163 ح4 ، التهذيب : 8 / 184 ح644 ، الاستبصار : 3 / 370 ح1322 الوسائل : 22 / 407 ، كتاب اللعان ب1 ح1 .
- (3) الفقيه: 3 / 346 ح1664 ، الوسائل: 22 / 408 ، كتاب اللعان ب1 ح2 .
- (4) الفقيه: 3 / 347 ح1665 ، الوسائل: 22 / 408 ، كتاب اللعان ب1 ح3 .
(الصفحة 292)مسألة 1 : إنّما يشرّع اللعان في مقامين :
أحدهما: فيما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا .
ثانيهما: فيما إذا نفى ولدية من ولد في فراشه مع إمكان لحوقه به(1) .مسألة 2 : لا يجوز للرّجل قذف زوجته بالزنا مع الريب ، ولا مع غلبة الظنّ ببعض الأسباب المريبة ، بل ولا بالشياع ولا بإخبار ثقة . نعم يجوز مع اليقين ، لكن لا يصدّق إذا لم تعترف به الزوجة ولم تكن بيّنة ، بل يحدّ حدّ القذف مع مطالبتها ، إلاّ إذا أوقع اللّعان الجامعة للشروط الآتية ، فيدرأ عنه الحدّ(2) .
هذا ، وفي خبر أبي بصير ، عن الصادق(عليه السلام) في حديث قال : ولا يكون اللعان إلاّ بنفي الولد(1) . وفي الوافي: لعلّ المراد أنّه إذا كانت المرأة حاملا ، فأقرّ الزوج بأنّ الولد منه ، ومع هذا قذفها بالزنا فلا لعان ، وأمّا إذا لم يكن حمل ، وإنّما قذفها بالزنا مع الدخول والمعاينة فيثبت اللعان كما دلّت عليه الأخبار(2) .
هذا ، ولكن معارضته مع الكتاب والأخبار الاُخر تكفي في عدم اعتباره .1 ـ قد تقدّم شرح هذه المسألة في بيان أصل اللعان وكيفيّته وشأن نزول الآية الواردة فيه .2 ـ لا يجوز للرجل قذف المرأة بالزنا ، سواء كانت زوجته أو غيرها، غاية الأمر أنّه إذا كانت المرمية به هي غير الزوجة ، فمع عدم الإتيان بأربعة شهداء ولو كان مع اليقين يترتّب عليه حدّ القذف والفسق إلاّ مع التوبة والإصلاح ، وإن كانت هي
- (1) التهذيب: 8 / 185 ح646 ، الاستبصار: 3 / 371 ح1324 ، الوسائل: 22 / 429 ، كتاب اللعان ب9 ح2 .
- (2) الوافي: 22 / 963 .