(الصفحة 297)
اللثام(1) لم أرَ من اشترطه من الأصحاب غير المصنّف ـ يعني العلاّمة(2) ـ والمحقّق(3) . وظاهره التأمّل فيه ، ولعلّ وجهه إطلاق الأدلّة(4) .
ويمكن أن يقال: إنّ الآية السابقة على آية اللعان قد علّق فيها الحدّ برمي المحصنات كما عرفت ، والآية الواردة في اللعان وإن كان موردها مطلق الأزواج أعمّ من أن تكون محصنة أم لا ، إلاّ أنّه من المحتمل أن يكون المراد الأزواج المحصنات بقرينة الآية السابقة ، وسيأتي(5) في محلّه إن شاء الله تعالى احتمال اعتبار الإحصان بمعنى العفّة في ثبوت حدّ القذف ، الذي شرّع اللعان لأجله مطلقاً ، وعليه فيتّجه اعتبار أن لا تكون المُلاعنة مشهورة بالزنا كغيرها من المقذوف بها .
نعم ، على تقدير الاعتبار قد فصّل في المتن بين المتجاهرة وغيرها بثبوت التعزير في الثانية دون الاُولى ، وسيأتي التحقيق في كتاب الحدود في باب حدّ القذف (6) .
الرابع : أن تكون كاملة سالمة عن الصّمم والخرس ، ويدلّ عليه جملة من الروايات ، مثل :
صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام): في رجل قذف امرأته وهي خرساء ، قال : يفرّق بينهما(7) .
وصحيحة أبي بصير قال: سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن رجل قذف امرأته بالزّنا وهي
- (1) كشف اللثام: 2 / 171 .
- (2) قواعد الاحكام: 2 / 89 .
- (3) شرائع الإسلام: 3 / 93 .
- (4) جواهر الكلام: 34 / 7 .
- (5) تفصيل الشريعة / كتاب الحدود: 229 .
- (6) تفصيل الشريعة / كتاب الحدود: 301 .
- (7) الكافي: 6 / 164 ح9 ، الوسائل: 22 / 427 ، كتاب اللعان ب8 ح1 .
(الصفحة 298)
خرساء صمّاء لا تسمع ما قال ، قال : إن كان لها بيّنة فشهدت عند الإمام جلد الحدّ وفرّق بينها وبينه ثم لا تحلّ له أبداً ، وإن لم يكن لها بيّنة فهي حرام عليه ما أقام معها ولا إثم عليها منه(1) .
ورواية محمد بن مروان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام): في المرأة الخرساء كيف يُلاعِنُها زوجها؟ قال : يفرّق بينهما ولا تحلّ له أبداً(2) . وغير ذلك من الروايات(3) الدالّة عليه .
ولا يخفى أنّ اعتبار هذا الأمر إنّما هو بالإضافة إلى الزوجة المرميّ بها من جهة اللِّعان ، وأمّا بالإضافة إلى الزوج المُلاعن فالظاهر عدم اعتباره .
قال المحقّق في الشرائع : ويصحّ لِعان الأخرس ، إذا كان له إشارة معقولة ، كما يصحّ طلاقه وإقراره ، وربّما توقّف شاذ منّا; نظراً إلى تعذّر العلم بالإشارة وهو ضعيف ، إذ ليس حال اللعان بزائد عن حال الإقرار بالقتل .
نعم ، لا يصحّ اللعان مع عدم النطق وعدم الإشارة المعقولة(4) .
وذكر في الجواهر: أنّ بين سائر الموارد وبين المقام من حيث إنّه يتعيّن تأديته بلفظ الشهادة واللعن والغضب ، والإشارة لا ترشد إلى ذلك ، يدفعه تصريح الأدلة بقيام إشارته مقام التكبير والتلبية ونحوهما ممّا يراد منها اللفظ ، لكن من القادر عليه(5) .
- (1) الكافي: 6 / 166 ح18 ، التهذيب: 7 / 310 ح1288 ، الوسائل: 22 / 427 ، كتاب اللعان ب8 ح2 .
- (2) الكافي: 6 / 167 ح20 ، الوسائل: 22 / 428 ، كتاب اللعان ب8 ح4 .
- (3) الوسائل: 22 / 422 ، كتاب اللعان ب5 ح12 ، مستدرك الوسائل: 15 / 439 أبواب اللعان ب8 .
- (4) شرائع الإسلام: 3 / 96 .
- (5) جواهر الكلام: 34 / 27 .
(الصفحة 299)مسألة 5 : لا يجوز للرجل أن ينكر ولدية من تولّد في فراشه مع إمكان لحوقه به ، بأن دخل بأمّه أو أمنى في فرجها أو حواليه بحيث أمكن جذب الرحم إيّاه ، وقد مضى من ذلك إلى زمان وضعه ستّة أشهر فصاعداً ، ولم يتجاوز عن أقصى مدّة الحمل ، حتى فيما إذا فجر أحد بها فضلا عمّا إذا اتّهمها ، بل يجب الإقرار بولديّته . نعم يجب عليه أن ينفيه ولو باللّعان مع علمه بعدم تكوّنه منه من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به ، إذا كان بحسب ظاهر الشرع ملحقاً به لولا نفيه; لئلاّ يلحق بنسبه من ليس منه ، فيترتّب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك(1) .
1 ـ لا شبهة في أنّ إنكار الولد سبب للِّعان ، بل في بعض الروايات حصر سبب اللعان في نفي الولد ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : لا يكون اللّعان إلاّ بنفي ولد ، وقال: إذا قذف الرجل امرأته لاعنها(1) .
ورواية أبي بصير(2) خالية عن هذا الذيل ، الذي ربّما يكون قرينة على أنّ المراد بالصدر ليس هو الحصر الحقيقي ، وإلاّ لكان مخالفاً لصريح الكتاب ، ومشتملا على اختلاف الصدر والذيل ، ولا ينبغي الإرتياب في أنّه لا يجوز تكليفاً إنكار ولدية منولد في فراشه مع إمكان اللحوق به. وقد تقدّم في كتاب النكاح(3) الاُمور المعتبرة في إمكان اللحوق ، وهذا من دون فرق بين صورة العلم بكونه ولداً له وبين صورة الشك حتى فيما إذا فجر أحد بها فضلا عمّا إذا اتّهمها; لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) المرويّ
- (1) الكافي: 6 / 166 ح16 ، الوسائل: 22 / 429 ، كتاب اللعان ب9 ح1 .
- (2) التهذيب: 8 / 185 ح646 ، الاستبصار: 3 / 371 ح1324 ، الوسائل: 22 / 429 ، كتاب اللعان ب9 ح2 .
- (3) تفصيل الشريعة / كتاب النكاح: القول في النسب ، مسألة 2 .
(الصفحة 300)مسألة 6 : لو نفى ولدية من ولد في فراشه ، فإن علم أنّه دخل بأمّه دخولا يمكن معه لحوق الولد به أو أقرّ بذلك ومع ذلك نفاه ، لا يسمع منه ولا ينتفي منه لا باللعان ولا بغيره . وأمّا لو لم يعلم ذلك ولم يقرّ به وقد نفاه إمّا مجرّداً عن ذكر السبب بأن قال : «هذا ليس ولدي» أو مع ذكره بأن قال : «إنّي لم أدخل باُمّه أصلا» أو أنكر دخولا يمكن تكوّنه منه ، فحينئذ وإن لم ينتف عنه بمجرّد نفيه ، لكن باللعان ينتفي عنه بشرط ثبوت الدّخول ، ومع عدم ثبوته لم يشرّع اللعان مطلقاً(1) .
في رواية سعيد الأعرج ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) : الولد للفراش وللعاهر الحجر(1) .
نعم ، لو علم بعدم كونه ولداً له من أيّة جهة وأيّ طريق ولو من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به ، وإن كان بحسب ظاهر الشرع ملحقاً به لولا نفيه باللعان ، يجب عليه أن ينفيه ولو باللعان; لئلاّ يلحق بنسبه من يعلم أنّه ليس منه ، فيترتّب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح والنظر وأمثال ذلك . وفي الحقيقة يكون اللعان في خصوص هذا المورد واجباً ، وإن لم يكن في قذف الزوجة ورميها كذلك ، بل يكون أثرها دفع الحدّ ، وهو ليس بواجب كما لايخفى .1 ـ أمّا عدم السماع منه وعدم الانتفاء عنه لا باللعان ولا بغيره في الصورة الاُولى; فلأنّه مع العلم بأنّه دخل بأمّه دخولا يمكن معه لحوق الولد به أو إقراره بذلك ، لا مجال للِّعان المشتمل على شهادات خمس بتعبير الكتاب العزيز ، حتّى في الشهادة المشتملة على اللعن أو الغضب من ناحية الزوجين .
ومن الواضح أنّ اعتبار الشهادة إنّما هو من باب الأمارية ، ولا مجال للأمارة مع
- (1) التهذيب: 8 / 183 ح640 ، الوسائل: 22 / 430 ، كتاب اللعان ب9 ح3 .
(الصفحة 301)مسألة 7 : إنّما يُشرّع اللعان لنفي الولد إذا كانت المرأة منكوحة بالعقد الدائم ، وأمّا ولد المتمتّع بها فينتفي بنفيه من دون لعان ، وإن لم يجز له نفيه مع عدم علمه بالانتفاء . ولو علم أنّه دخل بها أو أمنى في فرجها أو حواليه بحيث يمكن أن يكون الولد منه أو أقرّ بذلك ومع ذلك قد نفاه ، لم ينتف عنه بنفيه ولم يسمع منه ذلك كالدائمة(1) .
وجود العلم .
وإن شئت قلت : إنّ المنصرف إليه من اللعان بكيفيته الخاصة صورة عدم العلم بالخلاف ، ولذا علّقت على ما إذا لم يكن للرامين شهداء إلاّ أنفسهم ، بخلاف رمي المحصنات غير الأزواج المُعلّق فيه الحدّ على عدم الإتيان بالبيّنة والشهود الآخر .
وأمّا في الصورة الثانية التي لا يكون هناك علم ولا إقرار ، بل صرف النفي إمّا مجرّداً عن ذكر السبب ، أو مع ذ كره بأن قال : إنّي لم أدخل بأمّه أصلا ، أو أنكر دخولا يمكن تكوّنه منه ، كما إذا ادّعى الدخول ما دون الستّة أشهر ، أو في زمان مضت مدّة أقصى الحمل ، فإنّه وإن لم ينتف عنه بمجرّد نفيه كما في ولد المنقطعة ، بناء على اشتراط الدوام في الزوجة على ما عرفت(1) ، لكن باللعان ينتفي عنه بشرط أصل ثبوت الدخول والعلم بكذبه فيما إذا قال: إنّي لم أدخل بأمّه أصلا; لما مرّ في شرائط اللعان من أنّه يعتبر أن تكون الزوجة مدخولا بها ، من غير فرق بين صورة الرمي وصورة نفي الولد(2) .1 ـ قد عرفت أنّ مشروعية اللعان مطلقاً إنّما هو فيما إذا كانت المرأة منكوحة
- (1) في ص294 .
- (2) في ص295 .