(الصفحة 305)مسألة 12 : يجب أن تكون الشهادة واللعن على الوجه المذكور فلو قال أو قالت : أحلف أو أقسم أو شهدت أو أنا شاهد أو أبدلا لفظ الجلالة بغيره ،
الوقوع حتى عند المنصوب من قبله لذلك ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه شهادة أو يمين لا يسجّل بهما إلاّ الحاكم ـ ظاهر جملة من الروايات الدالّة على أنّ الإمام هو المتصدّي لذلك ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الملاعن والملاعنة ، كيف يصنعان؟ قال : يجلس الإمام مستدبر القبلة . . الحديث(1) .
وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، أنّه سأل أبا الحسن الرضا(عليه السلام)فقال له : أصلحك الله كيف الملاعنة؟ قال : يقعد الإمام ويجعل ظهره إلى القبلة ، الحديث(2) . وغيرهما من الروايات(3) الدالة عليه ، وذكر الإمام وإن كان يحتمل أن يكون لأجل أنّه الحاكم الشرعي بالأصالة فلا يتعيّن شخصه لذلك ، بل يكفي المنصوب من قبله ، إلاّ أنّه يحتمل التعيّن والتشخّص; لأجل اشتمال اللعان على الشهادات واللعن والغضب ، فالاحتياط يقتضي ما أفاده في المتن .
ثانيهما : صورة اللعان وبيان كيفيّته ، وهو المأخوذ ممّا نطق به الكتاب العزيز(4)والنصّ(5) والفتوى ، والظاهر أنّه لا فرق في كيفيته بين سببي اللعان من القذف
- (1) الكافي: 6 / 165 ح10 ، الوسائل: 22 / 409 ، كتاب اللعان ب1 ح4 .
- (2) الفقيه: 3 / 346 ح1664 ، الوسائل: 22 / 408 ، كتاب اللعان ب1 ح2 .
- (3) الوسائل: 22 / 408 ـ 409 ، كتاب اللعان ب1 ح3 و 5 ، مستدرك الوسائل: 15 / 435 ، أبواب اللعان ب4 ح3 و ص431 ب1 ح1 وب12 ح1 .
- (4) سورة النور: 24 / 6 ـ 9.
- (5) الوسائل: 22 / 407 ـ 411 ، كتاب اللعان ب1 .
(الصفحة 306)كالرحمان وخالق البشر ونحوهما ، أو قال الرجل: إنّي صادق أو لصادق أو من الصادقين بغير ذكر اللاّم ، أو قالت المرأة: إنّه لكاذب أو كاذب أو من الكاذبين لم يقع ، وكذا لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب ، والمرأة بالعكس(1) .
والنّفي، لكن ذكر غير واحد(1) : أنّه إذا أراد نفي الولد قال: إنّ هذا الولد من زنا وليس منّي . لكنّك عرفت أنّ نفي الولد أعم من ثبوت الزنا; لإمكان وطء الشبهة وغيره .
نعم ، ظاهر الآية في مورد القذف ، لكن السنّة مطلقة كما لايخفى .1 ـ قد نفي وجدان الخلاف في الجواهر(2) بيننا في اعتبار الكيفية المخصوصة ، وأنّه مع التغيير والتبديل لا يجزي وإن كان المعنى واحداً ، ولعلّ الوجه فيه أنّ اللّعان على خلاف القاعدة ، ولابدّ فيه من الاقتصار على موضع النص والإجماع ، وإن ذكر في محكي كشف اللثام: لعلّ تخصيص الألفاظ المعهودة على النهج المذكور للتغليظ والتأكيد ، فإنّ الشهادة تتضمّن مع القَسَم الإخبار عن الشهود والحضور ، والتعبير بالمضارع يقربه إلى الإنشاء; لدلالته على زمان الحال ، ولفظ اسم الذات المخصوص بها فلاشائبة اشتراك بوجه، و«من الصادقين» بمعنى أنّه من المعروفين بالصدق، وهو أبلغ من نحو صادق ، وكذا «من الكاذبين» ، ولكن اختيار هذا التركيب في الخامسة لعلّه للمشاكلة; لأنّ المناسب للتأكيد خلافه ، وتخصيص اللّعنة به والغضب بها; لأنّ جريمة الزنا أعظم من جريمة القذف(3) . وإن أورد عليه في الجواهر(4) بما روي في
- (1) المبسوط: 5 / 199 ، تحرير الاحكام: 2 / 67 ، ونسبه إلى غير واحد في جواهر الكلام: 34/55 .
- (2) جواهر الكلام: 34 / 56 .
- (3) كشف اللثام: 2 / 176 .
- (4) جواهر الكلام: 34 / 57 .
(الصفحة 307)مسألة 13 : يجب أن يكون إتيان كلّ منهما باللِّعان بعد إلقاء الحاكم إيّاه عليه ، فلو بادر به قبل أن يأمر الحاكم به لم يقع(1) .مسألة 14 : يجب أن تكون الصيغة بالعربية الصحيحة مع القدرة عليها ، وإلاّ أتى بالميسور منها ، ومع التعذّر أتى بغيرها(2) .مسألة 15 : يجب أن يكونا قائمين عند التلفظ بألفاظهما الخمسة ، وهل يعتبر أن يكونا قائمين معاً عند تلفّظ كلّ منهما ، أو يكفي قيام كلّ عند تلفّظه بما
سنن البيهقي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في مُلاعنة هلال بن أميّة من أنّه قال له: أحْلِف بِالله الّذي لا إله إلاّ هو إنّك لصادق(1) .1 ـ وذلك لما عرفت من أنّ اللعان شهادة أو يمين ، وكلاهما لابدّ وأن يقعا عند الحاكم وبأمر منه ، وقد عرفت في بعض المسائل السابقة دلالة الروايات على أنّ الإمام يتصدّى ذلك ، غاية الأمر أنّه احتمل أن يكون المراد الحاكم الشرعي أو المنصوب من قِبَله لذلك ، واحتيط بالأوّل .2 ـ اعتبار العربية غير الملحونة مع القدرة عليها ممّا لا شك فيه; لأنّه الثابت لا في المقام فقط ، بل في جميع الموارد التي يعتبر فيها العربية . نعم يجوز بغيرها مع التعذّر كلاًّ وبالميسور مع التعذّر بعضاً ، وينبغي أن يفهمه معنى الصيغة إن لم يكن يعرف معناها; ليعلم بماذا يشهد وبأنّه يلعن أو يجعل غضب الله عليها وإن كان كلاهما معلّقاً ، فتدبّر .
- (1) سنن البيهقي: 7 / 395 .
(الصفحة 308)يخصّه؟ أحوطهما الأول ، بل لا يخلو عن قوّة(1) .مسألة 16 : إذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتّب عليه أحكام أربعة :
الأوّل : انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما .
الثاني : الحرمة الأبدية ، فلا تحلّ له أبداً ولو بعقد جديد . وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللِّعان سواء كان للقذف أو لنفي الولد .
الثالث : سقوط حدّ القذف عن الزوج بلعانه ، وسقوط حدّ الزنا عن الزوجة بلعانها ، فلو قذفها ثم لاعَنَ ونكلت هي عن اللِّعان تخلّص الرجل عن حدّ القذف ، وتحدّ المرأة حدّ الزانية; لأنّ لعانه بمنزلة البيّنة في إثبات الزنا .
الرابع : إنتفاء الولد عن الرّجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه بمعنى أنّه لو نفاه وادّعت كونه له فتلاعنا ، لم يكن توارث بين الرجل والمرأة ، وكذا بين الولد وكلّ من انتسب إليه بالاُبوّة كالجدّ والجدّة والأخ والاُخت للأب وكذا الأعمام والعمّات بخلاف الأمّ ومن انتسب إليه بها ، حتى إنّ الإخوة للأب والاُمّ بحكم
1 ـ إطلاق الكتاب(1) وإن كان يقتضي عدم اعتبار القيام ، إلاّ أنّ صحيحة علي ابن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن(عليه السلام) ـ تدلّ على اعتباره ـ قال: سألته عن الملاعنة ، قائماً يلاعن أم قاعداً؟ قال : الملاعنة وما أشبهها من قيام(2) .
والجواب يعمّ الطرفين ، وإن كان في السؤال إشعار بخصوص الزوج ، وهذه الرواية قرينة على أنّ المراد بالسنّة في المرسلة عن الصادق(عليه السلام) أنّه قال : السنّة أن
- (1) سورة النور: 24 / 6 ـ 9 .
- (2) الكافي: 6 / 165 ح12 ، الوسائل: 22 / 409 ، كتاب اللعان ب1 ح6 .
(الصفحة 309)الأخوة للاُمّ(1) .
يجلس الإمام للمتلاعنين ويقيمهما بين يديه كلّ واحد منهما مستقبل القبلة(1) . هو الوجوب أو الأعم من الاستحباب ، ويؤيّده صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة(2)الواردة في اعتبار الإمام ، ومقتضى الاحتياط قيامهما عند اللعانين .1 ـ إذا وقع اللِّعان الجامع للشرائط يترتّب عليه أحكام أربعة، غاية الأمر اشتراك اللعانين في اثنين منها ، واختصاص الثالث بأحدهما ، والرابع بأحدهما الآخر . أمّا الاثنان اللّذان يشترك فيهما اللعانان ـ أي اللعان للقذف واللِعان لنفي الولد ـ فهما الانفساخ والحُرمة الأبدية ، فلا خلاف ولا إشكال فيهما عندنا نصّاً(3) وفتوى . ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة في أوّل كتاب اللِعان، الواردة في شأن نزول آيات اللعان قال: ففرّق بينهما، وقال لهما : لا تجتمعا بنكاح أبداً بعدما تلاعنتما .
وأمّا الحكم المختص باللعان لنفي حدّ القذف فمورده اللعان لنفيه كما هو مورد الآيات . وفي الحقيقة تكون مشروعية اللعان إنّما هي لأجل ذلك ، فبالرمي يثبت الحدّ، وباللعان يسقط عن الرجل ، ويثبت على المرأة حدّ الزنا وبلعانها يسقط عنها، كما يدلّ عليه قوله تعالى :
{وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} الآية(4) ، كما أنّ الحكم المختصّ باللعان لنفي الولد هو انتفاء الولد عنه ، فلا يرث الولد عنه، وكذا الملاعن عن الولد، وكذا كلّ من ينتسب إليه بسبب الأب كالجدّ والجدّةوالأخوالاُخت للأب .
- (1) دعائم الإسلام: 2 / 281 ح1060 ، مستدرك الوسائل: 15/431 أبواب اللعان ب1 ح1 .
- (2) في ص305 .
- (3) الوسائل: 22 / 408 ـ 411 ، كتاب اللعان ب1 .
- (4) سورة النور: 24 / 8 .