(الصفحة 34)
التوسعة في أدلّة الشروط ، والحكم بأنّ مستصحب الطهارة يكون كمتيقّنها في واجديّة الصلاة لشرط الطهارة ، فتكون الصلاة مع الاستصحاب مجزية ، وهكذا المقام .
وإن طلّقها في زمان علم بأنّ عادتها التحيّض فيه بطل مع المصادفة; لما عرفت من انصراف دليل جواز طلاق الغائب عن مثل هذه الصورة ، والمفروض المصادفة مع الحيض فلا وجه للصحّة .
الصورة الثالثة : ما لو خرج في الطهر الذي واقعها فيه ، وقد حكم فيه في المتن بلزوم انتظار مدّة انتقلت بمقتضى العادة من ذلك الطهر إلى طهر آخر ، واحتاط وجوباً بأن لا ينقص عن شهر ، واستحباباً أن يتربّص ثلاثة أشهر ، هذا مع الجهل بالعادة وإلاّ فيتبعها على الأقوى كما في المتن ، ويظهر منه الجمع بين الروايات الدالّة على التقييد بالحمل على الوجوب والاستحباب .
وهذا الجمع ـ وإن كان بعيداً في نفسه ، كما عرفت أنّ الجمع بكون مرجع الاختلاف إلى اختلاف عادة النساء ، كما قد تقدّم من الجواهر ـ أيضاً بعيد ، فاللازم أن يقال : بأنّ مقتضى الجمع بين الروايات المقيدة الحمل على مراتب الاستحباب ، بأن يكون تربّص شهر مستحبّاً وأشدّ استحباباً تربّص ثلاثة أشهر .
وحينئذ فبعد التربّص المذكور يصحّ طلاقها ولو صادف الحيض ، والظاهر أنّه لو صادف الطهر الذي واقعها فيه يكون صحيحاً ، بأن لم تحض بعد خروجه في طهر المواقعة أصلا; وذلك لأولويّة الطهر المزبور عن الحيض ، وإن كان مقتضى الاستصحاب في الأوّل البقاء وفي الثاني العدم ، كما لا يخفى .
(الصفحة 35)مسألة 13 : الحاضر الذي يتعذّر أو يتعسّر عليه معرفة حال المرأة من حيث الطهر والحيض كالغائب ، كما أنّ الغائب لو فرض إمكان علمه بحالها بسهولة بلا تعسر كالحاضر(1) .
هذا مع التربّص بشهر أو ثلاثة أشهر ، وأمّا بدونه نظراً إلى استحباب التربّص المزبور فالظاهر صحّة الطلاق ، وإن وقع في حال الحيض بعد انتظار مدّة انتقلت بمقتضى العادة من طهر المواقعة إلى طهر آخر; وذلك لدلالة الدليل المطلق عليه ، خصوصاً بعد التصريح فيه بالجواز على كلّ حال وبعدما عرفت من الانصراف ، فتدبّر جيّداً .1 ـ يدلّ على الحكم الأوّل ـ مضافاً إلى أنّه لا خصوصية للغائب ، بل الملاك فيه تعذّر معرفة حال المرأة من حيث الطهر والحيض نوعاً ، أو تعسّرها على ما هو المتفاهم عند العرف ، فإذا كان في بلد المرأة في الحبس ولا يمكن له المعرفة كذلك ، فأيّ فرق بينه وبين الغائب ـ بعض النصوص ، مثل :
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن رجل تزوّج امرأة سرّاً من أهلها(1) وهي في منزل أهلها(2) وقد أراد أن يطلّقها وليس يصل إليها ، فيعلم طمثها إذا طمثت ولا يعلم بطهرها إذا طهرت؟ قال: فقال : هذا مثل الغائب عن أهله ، يطلّق بالأهلّة والشهور . قلت : أرأيت إن كان يصل إليها الأحيان ، والأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها كيف يطلّقها؟ قال : إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه يطلّقها إذا نظر إلى غرّة الشهر الآخر بشهود ، ويكتب الشهر الذي يطلّقها فيه ، ويشهد على طلاقها رجلين ، فإذا مضى ثلاثة أشهر فقد بانت منه وهو
- (1 و 2) في الفقيه : من أهله .
(الصفحة 36)مسألة 14 : يجوز الطلاق في الطهر الذي واقعها فيه في اليائسة والصغيرة والحامل والمسترابة ، وهي المرأة التي كانت في سنّ من تحيض ولا تحيض لخلقة أو عارض ، لكن يشترط في الأخيرة مضيّ ثلاثة أشهر من زمان المواقعة ، فلو طلّقها قبلها لم يقع(1) .
خاطب من الخطّاب ، وعليه نفقتها في تلك الثلاثة الأشهر التي تعتدّ فيها(1) .
ويدلّ على الحكم الثاني ما عرفت من انصراف دليل جواز طلاق الغائب عمّا إذا تمكّن من الإطّلاع على حال المرأة بسهولة ، كما لا يخفى .1 ـ يجوز الطلاق في طهر المواقعة في موارد :
منها: اليائسة والصغيرة; لعدم عروض الحيض لهما حتى يخرج طهر المواقعة بالحيض والطهر بعده .
ومنها: الحامل ، فإنّها من الخمس التي يطلّقنَ على كلّ حال ، كما عرفت(2) .
وأمّا المسترابة ، فهي بالمعنى المذكور في المتن لا تحيض لخلقة أو عارض حتى تنتقل من طهر المواقعة إلى طهر غيرها ، ولكن اشترط في الأخيرة مضيّ ثلاثة أشهر من زمان المواقعة ، وأنّه لو طلّقها قبل مضيّ المدّة لم يصحّ طلاقها ، والدليل على اعتبار هذا الشرط مثل :
صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري قال : سألت الرضا(عليه السلام)عن المسترابة من الحيض كيف تُطلَّق؟ قال : تطلّق بالشهور(3) .
- (1) الكافي: 6 / 86 ح1 ، التهذيب: 8 / 69 ح229 ، الوسائل: 22 / 60 ، أبواب مقدمات الطلاق ب28 ح1 .
- (2) في ص 30 ـ 31 .
- (3) التهذيب: 8 / 68 ح225 ، الوسائل: 22 / 189 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب4 ح17 .
(الصفحة 37)مسألة 15 : لا يشترط في تربّص ثلاثة أشهر في المسترابة أن يكون اعتزاله لأجل أن يطلّقها ، فلو لم يتّفق مواقعتها بسبب إلى مضيّها ثمّ بدا له طلاقها صحّ في الحال(1) .مسألة 16 : لو واقعها في حال الحيض لم يصحّ طلاقها في الطهر الذي بعد تلك الحيضة ، بل لابدّ من إيقاعه في طهر آخر بعد حيض آخر ، فما هو الشرط ومن الواضح أنّ أقلّ الجمع ثلاثة ، ولا يبعد أن تكون اللام للإشارة إلى العهد الذهني . ومرسلة العطار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) المنجبرة بالعمل ، قال : سألته عن المرأة يستراب بها ومثلها تحمل ومثلها لا تحمل ولا تحيض ، وقد واقعها زوجها كيف يطلّقها إذا أراد طلاقها؟ قال : ليمسك عنها ثلاثة أشهر ثم يطلّقها(1) .
وقد اخترنا في بحث العدّة لطلاق مثلها في شهر رمضان في بعض السنوات الأخيرة ـ نظراً إلى أنّ الموضوع كان مبتلى به لجماعة من النساء باعتبار اخراج أرحامهنّ ، الموجب لعدم التحيض ، مع أنّ مثلها تحيض عادة ـ إنّ عدّة طلاق مثلهنّ هو ثلاثة أشهر ، واستفدنا ذلك من الكتاب والسنّة جميعاً ، خلافاً لمن يقول بعدم ثبوت العدّة لهنّ اغتراراً بظواهر بعض الروايات ، ولعلّه تجيء الإشارة إليه في بحث العدد إن شاء الله تعالى .1 ـ حيث إنّه من الواضح أنّ المراد انقضاء المدّة المزبورة ولا يعتبر فيه القصد بوجه ، فلا فرق بين أن يكون الاعتزال لأجل أن يطلّقها ، وبين أن يكون لأجل عدم اتفاق المواقعة بأيّ سبب ، فيجوز له الطلاق في الحال بعد الانقضاء مطلقاً .
- (1) الكافي: 6 / 97 ح1 ، الوسائل: 22 / 91 ، أبواب مقدمات الطلاق ب40 ح1 .
(الصفحة 38)كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة لا وقوعه في طهر غير طهر المواقعة(1) .مسألة 17 : يشترط في صحّة الطلاق تعيّن المطلّقة ، بأن يقول: «فلانة طالق» أو يشير إليها بما يرفع الإبهام والإجمال ، فلو كانت له زوجة واحدة فقال: «زوجتي طالق» صحّ ، بخلاف ما إذا كان له زوجتان أو أكثر وقال: «زوجتي طالق» إلاّ إذا نوى في نفسه معيّنة ، فهل يقبل تفسيره بمعيّنة من غير يمين؟ فيه تأمّل(2) .
1 ـ لو واقعها في حال الحيض ، فهل الطهر الواقع بعد تلك الحيضة يعدّ طهر المواقعة ، فيجب تأخير الطلاق إلى طهر آخر ، أم لا يعدّ طهر المواقعة ، فيجوز إيقاع الطلاق بعد الطهر من هذه الحيضة؟ الظاهر هو الأوّل; لأنّ ما هو الشرط هو كونها مستبرأة بحيضة بعد المواقعة لا عنوان الوقوع في طهر غير المواقعة ، ومن الواضح عدم تحقّق الإستبراء في مثل الفرض; ولذا يتحقّق ولد الحيض كثيراً ، وقد جعل المحقّق الشرط هو كونها مستبرأة(1) ، فتدبّر .2 ـ يشترط في صحّة الطلاق تعيين المطلّقة ، كما في سائر العقود والإيقاعات مثل العتق ، فإنّه لابدّ من تعيين العبد المعتق ، ولعلّ السرّ فيه الإنجرار إلى التنازع والتخاصم مع عدم التعيين والتردّد بين شخصين أو أزيد ، خصوصاً مع تعلّقها بحقوق الناس; ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى استصحاب بقاء النكاح مع الشك في صحّة الطلاق ـ ما يظهر من بعض الروايات من اعتبار التعيين ، مثل:
صحيحة محمد بن مسلم المشتملة على قول أبي جعفر(عليه السلام): إنّما الطلاق أن يقول
- (1) شرائع الإسلام: 3 / 15 .