(الصفحة 46)الشرط قيداً للموكّل فيه لا تعليقاً في الوكالة(1) .
مسألة 6 : يشترط في صيغة الطلاق التنجيز ، فلو علّقه على شرط بطل ، سواء كان ممّا يحتمل وقوعه كما إذا قال: «أنت طالق إن جاء زيد» أو ممّا يتيقّن حصوله ، كما إذا قال: «إن طلعت الشمس» . نعم لا يبعد جواز تعليقه على ما يكون معلّقاً عليه في الواقع ، كقوله: «إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق» سواء
1 ـ يجوز للزوج توكيل الزوجة في طلاق نفسها لو طال سفره أزيد من ثلاثة أشهر مثلا ، أو تسامح في الإنفاق عليها أزيد من شهر واحد مثلا ، كما هو المتداول اليوم في القبالات الرسمية المشتملة على وكالة الزوجة لطلاق نفسها عند عروض بعض الحالات للزوج ، كما إذا حبس أزيد من سنة واحدة مثلا بعلّة ارتكاب بعض ما هو ممنوع قانوناً أو شرعاً ، لكن بشرط أن يكون الشرط قيداً للموكّل فيه لا تعليقاً في الوكالة ، فإنّه موجب لبطلانها; لاعتبار التنجيز فيها كغيرها من العقود .
وأمّا إن كان قيداً للموكّل فيه بأن كان الموكّل فيه هو الطلاق المقيّد بطول سفره أو تسامحه في الإنفاق زماناً معيّناً فلا مانع منه ، والفرق أنّ الوكالة في الصورة الأولى معلّقة على طول السفر وحصول المسامحة في الإنفاق ، فلا وكالة بالفعل للشك في تحقّق المعلّق عليه ، ومع العلم أيضاً لا يكون بالفعل وكالة; لعدم تحقق المعلّق عليه ، بخلاف الصورة الثانية ، فإنّ الوكالة بالفعل حاصلة وإن كان قيد الموكّل فيه لم يتحقّق بعد ، نظير الواجب المعلّق ، حيث يكون الوجوب فعليّاً وإن كان الواجب إستقباليّاً ، كالحجّ بالإضافة إلى الإستطاعة الموجبة له ، وإن كان ظرفه الموسم في شهر ذي الحجّة ، كما تقرّر في محلّه .
(الصفحة 47)كان عالماً بأنّها زوجته أم لا(1) .
مسألة 7 : لو كرّر صيغة الطلاق ثلاثاً فقال : «هي طالق هي طالق هي طالق» من دون تخلّل رجعة في البين قاصداً تعدّده تقع واحدة وَلَغت الاُخريان ، ولو
1 ـ يشترط في صيغة الطلاق كسائر صيغ الايقاعات بل العقود التنجيز ، وقد استدلّ له مفصّلا في مثل كتاب المتاجر للشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره)(1) ، سواء كان المعلّق عليه محتمل الحصول ، كما إذا قال: أنت طالق إن جاء زيد ، مع كون مجيء زيد مشكوكاً مردّداً بين الوجود والعدم ، وفي هذه الصورة التي هي القدر المتيقّن يكون السرّ في بطلان التعليق الإنجرار إلى التنازع والتخاصم غالباً; لأجل الإختلاف في حصول المعلّق عليه وعدمه ، خصوصاً في باب الطلاق الذي عرفت في عبارة المحقّق المتقدّمة(2) أنّ النكاح عصمة يقف رفعها على إذن الشارع أي الاذن المتيقّن ، ولا يسلم صحّة الطلاق بدون التنجيز ، أو كان متيقّن الحصول ، كما إذا قال: إن طلعت الشمس فأنت طالق .
واستثني من التعليق صورة واحدة ونفي البعد عن الجواز فيه ، وهو التعليق على ما يكون معلّقاً عليه في الواقع وإن لم يكن هناك تعليق ، كما إذا قال: إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق ، أو قال في الإعتاق: إن كان زيد عبدي فهو معتق . والسرّ فيه تحقّق التعليق في الواقع وإن لم يعلّق عليه ، وهذا من دون فرق بين العلم بحصول المعلّق عليه وعدم العلم بحصوله ; لعدم تحقّق التعليق من ناحيته أصلا ، فلا يكون مفاد الصيغة مع التعليق إلاّ كمفادها بدونه ، فتدبّر جيّداً .
- (1) المكاسب: 3 / 162 ـ 174 (تراث الشيخ الأعظم) ج16 .
- (2) في ص41 .
(الصفحة 48)قال: «هي طالق ثلاثاً» لم يقع الثلاث قطعاً ، والأقوى وقوع واحدة كالصورة السابقة(1) .
1 ـ في هذه المسألة فرضان :
الفرض الأوّل: ما لو كرّر صيغة الطلاق ثلاثاً من دون تخلّل رجعة في البين ، ومن دون أن يكون التكرار لأجل التأكيد بل قصده التعدّد ، فلا إشكال في وقوع الواحدة وهي الصيغة الأولى المفروض كونها واجدة لجميع الشرائط; لعدم المانع عن صحّتها وتأثيرها ، وتلغى الاُخريان عند الإمامية ، بل كأنّه من ضروريات مذهب الشيعة في مقابل العامّة القائلين بوقوعها ثلاثاً(1) .
الفرض الثاني: ما لو قال : هي طالق ثلاثاً ، ولا إشكال بمقتضى ما عرفت في عدم وقوع الثلاث قطعاً ، وقد وردت فيه روايات(2) كثيرة لعلّه يجيء بعضها ، إنّما الإشكال في وقوع واحدة كالصورة السابقة ، ففي المتن تبعاً للمشهور أنّ الأقوى وقوع واحدة ، وحكي عن جماعة من القدماء(3) بطلان الطلاق من أصله وعدم وقوع واحدة أيضاً ، وإنّما وصف القول الأوّل المحقّق في الشرائع بأنّه أشهر الروايتين(4) . وكيف كان فالروايات الدالّة عليه كثيرة :
منها : صحيحة زرارة ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : سألته عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً
- (1) الاُمّ: 5 / 280 ، المجموع: 18 / 249 ، مغني المحتاج: 3 / 311 ، المغني لابن قدامه: 8 / 240 ، الشرح الكبير: 8 / 257 ، المبسوط: 6 / 57 .
- (2) الوسائل: 22 / 61 ـ 75 ، أبواب مقدمات الطلاق ب29 ـ 30 .
- (3) الوسيلة: 322 ، الانتصار: 308 . رسائل الشريف المرتضى: 1 / 240 مسألة 53 ، ونسبه إلى ابن أبي عقيل في المختلف: 7 / 350 .
- (4) شرائع الإسلام: 3 / 18 .
(الصفحة 49)
في مجلس واحد وهي طاهر؟ قال : هي واحدة(1) . وروى صاحب الوسائل لزرارة في باب واحد في هذا المجال روايتين أو روايات ثلاث . ومن الواضح وحدتها كما مرّ مراراً .
ومنها : خبر محمد بن علي الحلبي وعمر بن حنظلة جميعاً ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : الطلاق ثلاثاً في غير عدّة ، إن كانت على طهر فواحدة ، وإن لم تكن على طهر فليس بشيء(2) .
ومنها : رواية عمرو بن البراء قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إنّ أصحابنا يقولون: إنّ الرجل إذا طلّق امرأته مرّة أو مائة مرّة فإنّما هي واحدة ، وقد كان يبلغنا عنك وعن آبائك أنّهم كانوا يقولون: إذا طلّق مرّة أو مائة مرّة فإنّما هي واحدة ، فقال : هو كما بلغكم(3) .
والظاهر أنّ المراد بالطلاق مرّة هو الطلاق أزيد من واحدة ، كما أنّ الظاهر أنّ المراد تقييد الصيغة بذلك لا إيقاعها كذلك ، فلا يتوهّم دلالة الرواية على حكم الفرض الأوّل ، فتدبّر .
ومنها : رواية بكير بن أعين ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : إن طلّقها للعدّة أكثر من واحدة ، فليس الفضل على الواحدة بطلاق(4) .
- (1) الكافي: 6 / 70 ح1 ، الوسائل: 22 / 61 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب29 ح2 .
- (2) الكافي: 6 / 71 ح3 ، التهذيب: 8 / 52 ح169 ، الاستبصار: 3 / 285 ح1008 ، الوسائل: 22 / 61 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب29 ح1 .
- (3) الكافي: 6 / 71 ح4 ، الوسائل: 22 / 63 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب29 ح7 .
- (4) التهذيب: 8 / 53 ح172 ، الاستبصار: 3 / 286 ح1011 ، الوسائل: 22 / 65 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب29 ح12 .
(الصفحة 50)
ومنها : رواية أبي محمد الوابشي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل ولّى [أمر](1)امرأته رجلا ، وأمره أن يطلّقها على السنّة ، فطلّقها ثلاثاً في مقعد واحد ، قال : يردّ إلى السنّة ، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء ، فقد بانت بواحدة(2) .
ومنها : رواية محمد بن سعيد (سعد السندي خ ل) الأموي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن رجل طلّق ثلاثاً في مقعد واحد ، قال : فقال : أما أنا فأراه قد لزمه ، وأمّا أبي فكان يرى ذلك واحدة(3) .
وحيث إنّه لا يمكن اختلاف رأيه مع رأي أبيه في ذلك والمفروض موت الأب ، فلا يجري فيه احتمال التقية ، فاللازم حمل رأيه عليها كما لا يخفى ، ويحتمل الحمل على الجمع بينها وبين الواقع بإرادة إلزامه به إذا كان مخالفاً وإرادة الواحدة لو وقع من غيره .
ومنها : رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال : سمعت أبا الحسن(عليه السلام) وهو يقول : طلّق عبدالله بن عمر امرأته ثلاثاً ، فجعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) واحدة ، فردّها إلى الكتاب (كتاب الله خ ل) والسنّة(4) .
وأمّا الروايات الدالّة على القول غير المشهور فهي أيضاً كثيرة ، مثل :
رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : من طلّق ثلاثاً في مجلس فليس
- (1) من التهذيب والإستبصار .
- (2) التهذيب: 8 / 53 ح173 ، الاستبصار: 3 / 286 ح1012 ، الوسائل: 22 / 65 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب29 ح13 .
- (3) التهذيب: 8 / 53 ح174 ، الاستبصار: 3 / 286 ح1013 ، الوسائل: 22 / 65 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب29 ح14 .
- (4) التهذيب: 8 / 55 ح180 ، الاستبصار: 3 / 288 ح1019 ، الوسائل: 22 / 67 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب29 ح18 .