(الصفحة 8)
بسمه تعالى
هذا شرح كتاب الطلاق من تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه الشريف ، وكان الشروع فيه يوم السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك من شهور سنة 1419 الهجرية القمرية على مهاجرها آلاف الثناء والتحية . ومن الله أستمدّ التوفيق لإتمام هذا الشرح وشرح سائر الكتب التي لم تُشرح ، كما وفّقني لشرح جملة من كتبه وأنا الأقل الفاني محمد الفاضل اللنكراني عفا الله عنه وعن والديه بحقّ أوليائه الطاهرين المعصومين ، سيّما خاتمهم خاتم الأوصياء عليه وعلى آبائه التحية والثناء .
(الصفحة 9)
كتاب الطلاق
وله شروط ، وأقسام ، ولواحق ، وأحكام
القول في شروطه
مسألة 1 : يشترط في الزوج المُطلّق البلوغ على الأحوط والعقل ، فلا يصحّ على الأحوط طلاق الصبيّ لا بالمباشرة ولا بالتوكيل ، وإن كان مُميّزاً وله عشر سنين ، ولو طلّق من بلغه فلا يترك الإحتياط ، ولا طلاق المجنون مطبقاً أو إدواراً حال جنونه ، ويلحق به السكران ومن زال عقله (1) .
1 ـ الطلاق لغةً ، قيل : إنّه حَلُّ عقد ، ويطلق على الإرسال والترك ، يقال: ناقة طالق أي مرسلة ترعى حيث تشاء ، وطلّقت القوم إذا تركتهم . وفي الكلام المحكي عن عليّ(عليه السلام) أنّه طلّق الدنيا ثلاث مرّات(1) ، أي تركها من غير رجعة فيها .
وشرعاً إزالة قيد النكاح ، أي النكاح الدائم بصيغة طالق وشبهها; ولذا استفيد من قوله تعالى في المـُحلّل:
{فإن طلّقها}(2) أنّه لابدّ أن يكون النكاح فيه دائماً ، ولا
- (1) نهج البلاغة: 666 ، حكمة 77 .
- (2) سورة البقرة: 2 / 230 .
(الصفحة 10)
يكفي النكاح المنقطع فيه; لعدم تحقّق الطلاق إلاّ في الأوّل . والظاهر أنّه لا يكون للطلاق كالنكاح حقيقةً شرعية ، بل لا تكون هذه الاُمور إلاّ اُموراً اعتباريّة ، غاية الأمر اختلاف الشارع والعقلاء في اعتبار بعض الاُمور وجوديّة أو عدميّة فيها .
وكيف كان فالكلام الآن في شروطه ، وهي اُمور :
الأوّل : البلوغ ، أي بلوغ الزوج المُطلق لزوجته ، وإلاّ فإذا صار وكيلا عن الغير في طلاق زوجته فالظاهر أنّه لا مانع منه إذا كان مميّزاً ، خصوصاً بناءً على شرعية عبادات الصّبي ، كما حقّقناه في كتابنا في القواعد الفقهية(1) . وأمّا بالإضافة إلى طلاق زوجته فقد احتاط في المتن بعدم الصحّة من دون فرق بين المباشرة والتوكيل ، وبين ما إذا بلغ عشر سنين أو لم يبلغ ، وحكي عن ابن الجنيد أنّه أطلق صحّة طلاقه مع تميّزه(2) ، وذكر المحقّق في الشرائع : وفيمن بلغ عشراً عاقلا وطلّق للسنّة(3) رواية بالجواز فيها ضعف(4) .
وكيف كان فالرّوايات الواردة في هذا المجال وفيما يرتبط بهذا الشرط ثلاث طوائف :
الطائفة الاُولى: ما تدلّ بإطلاقها على بطلان طلاق الصبي كذلك ، مثل :
رواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : ليس طلاق الصّبي
- (1) القواعد الفقهية: 1 / 341 وما بعده .
- (2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 7 / 361 .
- (3) الكافي: 6 / 124 ح5 ، ورواه بسند آخر في التهذيب: 8 / 75 ح254 ، الوسائل: 22 / 77 ، أبواب مقدّمات الطلاق ب32 ح2 .
- (4) شرائع الإسلام: 3 / 12 .
(الصفحة 11)
بشيء(1) .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : كلّ طلاق جائز إلاّ طلاق المعتوه ، أو الصبي ، أو مبرسم ، أو مجنون ، أو مكره(2) .
ورواية أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لا يجوز طلاق الصبي ولا السكران(3).
ورواية الحسين بن علوان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عليٍّ(عليهم السلام) قال : لا يجوز طلاق الغلام حتى يحتلم(4) .
ولعلّه يستفاد من هذه الطائفة بطلان طلاق الصبي ، ولو كان وكيلا عن الغير في طلاق زوجته ، فتدبّر .
الطائفة الثانية: ما تدلّ على صحّة طلاق الصبي إذا كان مميّزاً ، مثل :
مضمرة سماعة قال : سألته عن طلاق الغلام ولم يحتلم وصدقته؟ فقال : إذا طلّق للسنّة ووضع الصدقة في موضعها وحقّها فلا بأس ، وهو جائز(5) .
ورواية ابن بكير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا يجوز طلاق الغلام ووصيته وصدقته إن لم يحتلم(6) . قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية عن الكليني : وفي نسخة يجوز ، وكذا في رواية الشيخ .
الطائفة الثالثة: ما تدل على صحّة طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين ، مثل :
- (1) الكافي: 6 / 124 ح2 ، الوسائل: 22 / 77 ، أبواب مقدمات الطلاق ب32 ح1 .
- (2) الكافي: 6 / 126 ح6 ، الوسائل: 22 / 77 ، أبواب مقدمات الطلاق ب32 ح3 .
- (3) الكافي: 6 / 124 ح3 ، الوسائل: 22 / 78 ، أبواب مقدمات الطلاق ب32 ح4 .
- (4) قرب الإسناد: 104 ح352 ، الوسائل: 22 / 79 ، أبواب مقدمات الطلاق ب32 ح8 .
- (5) الكافي: 6 / 124 ح1 ، الوسائل: 22 / 79 ، أبواب مقدمات الطلاق ب32 ح7 .
- (6) الكافي: 6 / 124 ح4 ، التهذيب: 8 / 76 ح257 ، الاستبصار: 3 / 303 ح1075 ، الوسائل: 22 / 78 ، أبواب مقدمات الطلاق ب32 ح5 .
(الصفحة 12)
مرسلة ابن أبي عمير ـ التي قال صاحب الجواهر : إنّها بحكم الصحيح عند الأصحاب(1) ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين(2)وحكي عن الشيخين(3) وجماعة من القدماء(4) العمل بذلك ، إلاّ أنّ المشهور بين المتأخّرين بل لعلّ عليه عامّتهم(5) اعتبار البلوغ الشرعي ، ولكن قد عرفت في كلام المحقّق أنّه فيها ضعف ، والظاهر أنّ مراده هو الضعف بالإرسال .
والتحقيق أن يقال : إنّه إن قلنا: بأنّ الصبي مسلوب العبارة ما دام لم يبلغ ، فطلاقه وغيره من عقوده وإيقاعاته يكون باطلا ، ولازمه حينئذ عدم صحّة التوكيل من الغير في طلاق زوجته ، ولعلّه لا يجتمع ذلك مع شرعية عباداته التي اخترناه وحقّقناه وإن لم نقل بذلك; نظراً إلى عدم دلالة مثل حديث «رفع القلم عن الصبي»(6) على ذلك .
فالظاهر بمقتضى الجمع بين الروايات بعد وجود الضعف في الطائفة الثالثة هو حمل الطائفة الاُولى المطلقة على الطائفة الثانية ، والالتزام بما حكي عن ابن الجنيد
- (1) جواهر الكلام: 32 / 4 .
- (2) الكافي: 6 / 124 ح5، ورواه بسند آخر في التهذيب: 8 / 75 ح254، الوسائل: 22 / 77، أبواب مقدمات الطلاق ب32 ح2.
- (3) لم نجده في باب الطلاق من المقنعة . نعم ، حكم في باب الوصيّة (667) بصحّة وصيّة الصبيّ إذا بلغ عشر سنين ، وربما استظهر منه صحّة سائر تصرّفاته ، النهاية: 518 .
- (4) المهذب: 2 / 288 ، الوسيلة: 323 .
- (5) راجع رياض المسائل: 7 / 283 ، مسالك الافهام: 9 / 10 ـ 11 ، قواعد الاحكام: 2 / 60 ، إيضاح الفوائد: 3 / 291 ، التنقيح الرائع: 3 / 391 ـ 392 ، المقتصر : 269 .
- (6) الخصال: 93 ح40 وص175 ح233 ، الوسائل: 1 / 45 ، أبواب مقدمات العبادات ب4 ح11 ، سنن البيهقي: 6 / 84 و 206 .