(الصفحة 81)
والخاصّة(1) اعتبار ذوق عسيلته وذوق عسيلتها ، ففي :
رواية سماعة بن مهران قال : سألته عن المرأة التي لا تحلّ لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره، وتذوق عسيلته، ويذوق عسيلتها، وهو قول الله عزّوجلّ :
{الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان}(2) قال : التسريح بإحسان التطليقة الثالثة(3) .
والرواية دالّة على مفروغية الذوقين عند الراوي ، والإمام(عليه السلام)قرّره على ذلك كما لا يخفى .
قال في المجمع : العسيلة تصغير العسلة وهي القطعة من العسل ، فشبّه لذّة الجماع بذوق العسل ، وإنّما صغّرت إشارة إلى القدر الذي يحلّل ولو بغيبوبة الحشفة (4) .
ولكن قال في الجواهر : إنّ المراد من الذوق المذكور الإنزال(5) ، ولا ينافيه التفسير الذي عرفت; لأنّه محمول على إرادة اللذة الكاملة التي لا تحصل إلاّ بالإنزال.
الأمر الثاني : أن يطأها قبلا وطأً موجباً للغسل إجماعاً من المسلمين(6) عدا
- (1) الوسائل: 22 / 118 و 123 و 129 و 130 ، أبواب أقسام الطلاق ب4 ح1 و13 وب7 ح1 و3 ، سنن البيهقي: 7 / 374 ، سنن ابن ماجه: 1 / 621 ح1932 ـ 1933 .
- (2) سورة البقرة: 2 / 229 .
- (3) تفسير العياشي: 1 / 116 ح364 ، الوسائل: 22 / 122 ، أبواب أقسام الطلاق ب4 ح13 .
- (4) مجمع البحرين: 2 / 1215 .
- (5) جواهر الكلام: 32 / 159 .
- (6) مسالك الافهام: 9 / 167 ، رياض المسائل: 7 / 346 ، الحدائق الناضرة: 25 / 328 .
(الصفحة 82)
سعيد بن المسيب فاكتفى بالعقد(1) . ونصوصاً من الطرفين(2) . وفي الجواهر بل وكتاباً(3) بناءً على أنّ النكاح الوطء أو المراد به هنا ذلك(4) ، وإن كان فيه تأمّل خصوصاً مع تفريع الطلاق عليه ، والظاهر أنّ المعتبر هو الوطء في القبل ، كما أنّه لا خلاف فيه ، ويساعده الإعتبار في باب التحليل ، فإنّ الغرض الأصلي منه عقوبة الزوج بعدم التسرّع في الطلاق ، وعقوبة الزوجة بأنّه لِمَ عملت عملا موجباً لطلاق الزوج إيّاها ، وهذه العقوبة لا تتحقق إلاّ بوطء المحلّل إيّاها قبلا خصوصاً مع صيرورة أمرها راجعة إليه ، ومن الممكن أن لا يطلّقها أبداً كما اتّفق كثيراً .
والعمدة في هذا المقام روايات العسيلة التي تقدّم بعضها ، فإنّ المنساق منها ذلك ، فإن غابت الحشفة أو مقدارها من مقطوع الحشفة فلا إشكال . نعم ، في كفاية المسمّى في المقطوع نفى الخلو عن القوّة في المتن ، مع أنّ صدق ذوق العسيلة فيه مشكل ، فلا ينبغي ترك الإحتياط فيه . وأما اعتبار الإنزال فقد استشكل فيه في المتن ، واحتاط وجوباً الاعتبار ، مع أنّ الظاهر أنّه لا دليل عليه ، خصوصاً مع ما عرفت من تفسير ذوق العسيلة بلذّة الجماع ، واللذة الكاملة وإن كانت تحصل بالإنزال ، إلاّ أنّه لا دليل على اعتبار حصول هذه المرتبة من اللّذة ، ودعوى أنّ المراد من ذوق العسيلة الانزال يدفعها ـ مضافاً إلى أنّه لا شاهد عليه ـ أنّ ذوق عسيلته حينئذ وإن كان محسوساً ، إلاّ أنّ ذوق عسيلتها لا يكون كذلك ، مع أنّه
- (1) أحكام القرآن لابن العربي: 1 / 267 ، الاشراف على مذاهب أهل العلم: 1 / 178 ، أحكام القرآن للجصّاص: 1 / 532 .
- (2) سنن البيهقي: 7/374، سنن ابن ماجة: 1/621 ح1932، الوسائل: 22/129 ـ 130، أبواب أقسام الطلاق ب7.
- (3) سورة البقرة: 2 / 230 .
- (4) جواهر الكلام: 32 / 160 .
(الصفحة 83)
لا دخل له في اللّذة ، ومع ذلك فحيث يراد زوال الحرمة الثابتة وحصول الحلّية ثانية ، فالظاهر أنّ مقتضى الإستصحاب عدم الزوال وعدم الحصول بدون الإنزال ، فلا يجوز ترك الاحتياط .
الأمر الثالث : أن يكون العقد من المحلّل دائماً ، ويدل عليه ـ مضافاً إلى الإعتبار الذي ذكرناه ، وإلى تفريع الطلاق على النكاح ، والحكم بزوال الحرمة بسبب الطلاق ـ في الآية الشريفة(1) ـ وإلى أنّه لا خلاف في اعتبار هذا الأمر ـ الروايات الكثيرة الواردة في الباب ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : سألته عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً ، ثم تمتّع فيها رجل آخر ، هل تحلّ للأوّل؟ قال : لا(2) .
ورواية الحسن الصيقل قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً ، لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره ، وتزوّجها رجل متعة ، أيحلّ له أن ينكحها؟ قال : لا ، حتى تدخل في مثل ما خرجت منه(3) . ورواها صاحب الوسائل في باب واحد مرّتين .
وموثّقة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل تزوّج امرأة ثم طلّقها فبانت ، ثمّ تزوّجها رجل آخر متعة ، هل تحلّ لزوجها الأوّل؟ قال : لا ، حتى تدخل فيما خرجت منه(4) .
- (1) سورة البقرة: 2 / 230 .
- (2) الكافي: 5 / 425 ح1 ، الوسائل: 22 / 131 ، أبواب أقسام الطلاق ب9 ح2 .
- (3) الكافي: 5 / 425 ح2 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 113 ح280 ، وفي تفسير العياشي: 1 / 118 ح371 نحوه ، الوسائل: 22 / 131 ، أبواب أقسام الطلاق ب9 ح1 .
- (4) التهذيب: 8 / 33 ح102 ، الاستبصار: 3 / 374 ح977 ، الوسائل: 22 / 131 ، أبواب أقسام الطلاق ب9 ح3 .
(الصفحة 84)مسألة 7: لو طلّقها ثلاثاً وانقضت مدّة، وادّعت أنّها تزوّجت، وفارقها الزوج الثاني ومضت العِدّة ، واحتمل صدقها صدِّقت ويقبل قولها بلا يمين ، فللزوج الأوّل أن ينكحها ، وليس عليه الفحص ، والأحوط الاقتصار على ما إذا كانت
ورواية الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سئل عن الرجل يطلّق امرأته على السنّة فيتمتّع منها رجل ، أتحلّ لزوجها الأوّل؟ قال : لا ، حتى تدخل في مثل الذي خرجت منه(1) .
نعم لا فرق في الزوج المحلّل بين الحرّ والعبد للإطلاق ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه ، مثل:
موثّقة إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل طلّق امرأته طلاقاً ، لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، فتزوّجها عبد ثم طلّقها ، هل يهدم الطلاق؟ قال : نعم لقول الله عزّوجلّ في كتابه :
{حَتَّى تَنْكِحَ زَوجَاً غَيْرَهُ} وقال: هو أحد الأزواج(2) .
كما أنّ مقتضى بعض الروايات وجوب تصديق المطلّقة ثلاثاً ، إذا ادّعت أنّها تزوّجت وحلّلت نفسها مع كونها ثقة محتملة الصدق ، وهي صحيحة حمّاد ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل طلّق امرأته ثلاثاً فبانت منه ، فأراد مراجعتها ، فقال لها: إنّي أريد مراجعتك ، فتزوّجي زوجاً غيري ، فقالت له : قد تزوّجت زوجاً غيرك ، وحلّلت لك نفسي ، أيصدِّق قولها ويراجعها؟ وكيف يصنع؟ قال : إذا كانت المرأة ثقة صدّقت في قولها(3) .
- (1) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 113 ح284 ، الوسائل: 22 / 132 ، أبواب أقسام الطلاق ب9 ح5 .
- (2) الكافي: 5/425 ح3 ، تفسير العياشي: 1/ 119 ح375 ، الوسائل: 22/133 ، أبواب أقسام الطلاق ب12 ح1.
- (3) التهذيب: 8/34 ح105 ، الاستبصار: 3/275 ح980 ، الوسائل: 22 / 133 ، أبواب أقسام الطلاق ب11 ح1 .
(الصفحة 85)ثقة أمينة(1) .مسألة 8 :
لو دخل المحلّل فادّعت الدخول ولم يكذّبها ، صدّقت وحلّت للزوج الأوّل ، وإن كذّبها فالأحوط الإقتصار في قبول قولها على صورة حصول الاطمئنان بصدقها . ولو ادّعت الإصابة ثم رجعت عن قولها ، فإن كان قبل أن يعقد الأوّل عليها لم تحلّ له ، وإن كان بعده لم يقبل رجوعها(2) .
1 ـ قد تقدّم البحث عن هذه المسألة والرواية الواردة فيها في ذيل المسألة السابقة فراجع .2 ـ لو ادّعت الزوجة دخول المحلّل ولم يكذّبها ، صدّقت وحلّت للزوج الأوّل بعد الطلاق وانقضاء العدّة وعدم الرجوع فيها; لأنّه لا يعلم الدخول إلاّ من قبلهما ، والمفروض إدّعاء الزوجة وعدم تكذيب الزوج المحلّل ، ولا حاجة في هذه الصورة إلى حصول الاطمئنان الشخصي بصدقها . وأمّا إن كذّبها فقد احتاط في المتن وجوباً بالإقتصار في قبول قولها على صورة حصول الاطمئنان بصدقها ، والسرّ فيه أنّ الاطمئنان علم عرفي يعامل معه عند العقلاء معاملة العلم الحقيقي ، ولو ادّعت الإصابة ثم رجعت عن قولها فقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا كان قبل أن يعقد الأوّل عليها فلم تحلّ له ، وبين ما إذا كان بعد العقد المذكور فلا يقبل رجوعها ، والوجه فيه أنّ الرجوع عن قولها ـ مضافاً إلى كونه مقتضى الإستصحاب ـ يكون إقراراً على نفسها بعدم حلّية الزوج الأوّل لها فيقبل منها ، وأمّا إذا كان الرجوع بعد عقد الزوج الأوّل إياها ، فلا يكون إلاّ إقراراً على الغير بعدم حليتها له ، ولا مجال لقبول الرجوع في هذه الصّورة خصوصاً مع المسبوقيّة بادّعاء الإصابة ، كما لايخفى .