(الصفحة 93)
صداقاً وهي تعلم أنّه خصيّ ، فقال: جائز ، فقيل: فإنّه مكث معها ما شاء الله ثم طلّقها ، هل عليها عدّة؟ قال : نعم أليس قد لذّ منها ولذّت منه(1) .
فإنّ مطلق الالتذاذ من الطرفين ، وإن لم يكن موجباً لترتّب العِدّة وثبوتها ، إلاّ أنّ الالتذاذ الحاصل بسبب الدخول ولو في الدبر يوجب ذلك . لكن في مقابلها صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال : سألت الرضا(عليه السلام) عن خصيّ تزوّج امرأة على ألف درهم ، ثم طلّقها بعدما دخل بها ، قال : لها الألف التي أخذت منه ولا عِدّة عليها(2) .
هذا والظاهر أنّ المراد من الدخول بها الخلوة ، وعليه فثبوت الألف لها إنّما هو بنحو الندب .
والجمع بينهما بحمل الاعتداد في الصحيحة الاُولى على الندب المنافي لما عليه الأصحاب والنصوص السابقة خلاف الظاهر جدّاً ، هذا ولكن الاحتياط في الوطء في الدبر لا ينبغي تركه .
هذا ، وقد قال المحقّق في الشرائع : أما لو كان مقطوع الذكر ، سليم الاُنثيين ، قيل: تجب العدّة; لإمكان الحمل بالمساحقة ، وفيه تردّد; لأنّ العِدّة تترتّب على الوطء ، نعم لو ظهر حمل اعتدّت منه بوضعه لإمكان الإنزال(3) . وفي محكي القواعد: وكذا لو كان مقطوع الذكر والانثيين على إشكال(4) . واللاّزم ملاحظة تحقق شرائط اللحوق وعدم تحققها ، إلاّ أن يقال: بأنّ المفروض خصوصاً في كلام المحقّق صورة
- (1) الكافي: 6 / 151 ح1 ، الوسائل: 22 / 255 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب39 ح1 .
- (2) التهذيب: 7 / 375 ح1517 ، الوسائل: 21 / 303 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب44 ح1 .
- (3) شرائع الإسلام: 3 / 34 .
- (4) قواعد الاحكام: 2 / 68 .
(الصفحة 94)
العلم بكون الولد منه ، فتدبّر جيّداً .
ثانيتها : الصغيرة وهي من لم تكمل التسع ، فإنّه لا عِدّة عليها ، وإن دخل بها مع الجواز أو بدونه ، ويدل عليه روايات ، مثل :
صحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن التي قد يئست من المحيض ، والتي لا تحيض مثلها ، قال : ليس عليها عِدّة(1) .
ومرسلة جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما(عليهما السلام) في الرجل يطلّق الصّبية ، التي لم تبلغ ، ولا تحمل مثلها ، فقال: ليس عليها عِدّة وإن دخل بها(2) .
ورواه في الوسائل مرّتين مع إضافة في سؤال الثاني: والمرأة التي قد يئست من المحيض وارتفع حيضها فلا يلد مثلها(3) .
ورواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : ثلاث تتزوّجن على كلّ حال ، التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قال: قلت : وما حدّها؟ قال : إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين ، والتي لم يدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، قلت : وما حدّها ؟ قال : إذا كان لها خمسون سنة(4) .
وغير ذلك من الروايات(5) الدالة عليه ، لكن في مضمرة أبي بصير قال : عدّة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر ، والتي قد قعدت من المحيض ثلاثة أشهر(6) .
- (1) التهذيب: 8 / 66 ح218 ، الوسائل: 22 / 177 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح1 .
- (2) التهذيب: 8 / 66 ح219 ، الوسائل: 22 / 178 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح2 .
- (3) الكافي: 6 / 84 ح1 ، الوسائل: 22 / 178 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح3 .
- (4) الكافي: 6 / 85 ح4 ، الوسائل: 22 / 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح4 .
- (5) الوسائل: 22 / 177 ـ 183 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 و3 .
- (6) الكافي: 6 / 85 ذيل ح5 ، الوسائل: 22 / 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح6 .
(الصفحة 95)
وذكر صاحب الوسائل بعد نقل الخبر : حمله الشيخ(1) وغيره(2) على المسترابة وهي التي لا تحيض وهي في سنّ من تحيض . وكذلك نقل الكليني عن معاوية بن حكيم أنّه حمل الحديث على المسترابة(3) ، ونقل الشيخ فيه الإجماع وهو مطابق لظاهر القرآن(4)(5) . ويمكن حمل ما تضمن العدّة هنا على التقية; لموافقتها لمذهب العامة وعلى الاستحباب لما مرّ .
وفي رواية محمد بن سنان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الجارية التي لم تدرك الحيض ، قال : يطلّقها زوجها بالشهور ، الحديث(6) .
وفي رواية هارون بن حمزة الغنوي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن جارية حدثة طلّقت ولم تحض بعد ، فمضى لها شهران ، ثم حاضت ، أتعتدّ بالشهرين؟ قال : نعم ، وتكمل عدّتها شهراً ، فقلت : أَتكمل عدّتها بحيضة؟ قال : لا ، بل بشهر يمضي (مضى خ ل) أخر عدّتها على ما يمضي (مضى خ ل) عليه أوّلها(7) .
وفي رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : عِدّة التي لم تحض ، والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر ، وعدّة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ، والقروء جمع الدم بين الحيضتين(8) .
- (1) التهذيب: 8 / 68 ذح224 .
- (2) مختلف الشيعة: 7 / 466 ـ 467 .
- (3) الكافي: 6 / 86 ذح5 .
- (4) سورة الطلاق: 65 / 4 .
- (5) التهذيب: 8 / 138 ذح481 ، الاستبصار: 3 / 338 ذح1205 .
- (6) التهذيب: 8 / 138 ح482 ، الوسائل: 22 / 180 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح7 .
- (7) التهذيب: 8 / 139 ح483 . الوسائل: 22 / 181 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب2 ح9 .
- (8) الكافي: 6 / 99 ح3 ، الوسائل: 22 / 187 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب4 ح9 .
(الصفحة 96)
هذا وقد ذكر المحقّق في الشرائع: وفي اليائسة ، والتي لم تبلغ روايتان: إحداهما أنّهما تعتدّان بثلاثة أشهر ، والاُخرى لا عِدّة عليهما وهي الأشهر(1) . والأصل في القول الأوّل وإن كان هي الآية الشريفة وهو قوله تعالى :
{وَاللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ المـَحِيضِ مِن نسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُر وَاللاَّئِى لَمْ يَحِضْنَ . . .}(2)لأنّ السيّد المرتضى القائل بهذا القول(3) لا يرى التمسك بخبر الواحد ، إلاّ أنّ أوّل المرجّحات في باب الخبرين المتعارضين هي الشهرة الفتوائية كما نبهنا عليه مراراً ، ولا شبهة في ثبوتها للطائفة الثانية .
بل يظهر من الجواهر أنّه لم يعرف القائل بالقول الأوّل عدا جماعة معدودين(4) ، بل ربما يظهر من غير واحد دعوى الإجماع(5) في مقابله(6) ، ولا مانع من حمل قوله: عدّة التي لم تحض على التي لم تحض وهي في سنّ من تحيض ، كما اخترناه في هذه المسألة ، ولعلّها تجيء فيما بعد مع الإشارة إلى دليلها وبيان وجهها .
ثالثتها : اليائسة ولو كانت كبيرة بالغة مدخولا بها ، والكلام فيها يظهر من الكلام في الصغيرة ، وفي كلام المحقق المتقدّم عطف الصغيرة على اليائسة ، وقد تقدم
- (1) شرائع الإسلام: 3 / 35 .
- (2) سورة الطلاق: 65 / 4 .
- (3 و 4) الانتصار: 334 ـ 336 ، الغنية: 382 .
- (5) المقنعة: 532 ـ 533 ، النهاية: 532 ـ 533 ، الخلاف: 5 / 53 . المقنع: 345 ، المراسم: 166 ، الكافي في الفقه: 312 ، الوسيلة: 325 ، السرائر: 2 / 733 ، المهذب: 2 / 315 ـ 316 ، رياض المسائل: 7 / 367 .
- (6) جواهر الكلام: 32 / 233 .
(الصفحة 97)
معنى اليأس في كتاب الطهارة .
عدّة من لا تحيض وهي في سن من تحيض
وحيث انجرّ البحث في هذه المسألة إلى طوائف من النساء ، لا تكون عدّة الفراق ثابتة لهنّ ، فينبغي البحث في طائفة رابعة; لكون المسألة مبتلى بها سيّما في زماننا هذا ، حيث إنّ بعض النساء يخرجن أرحامهنّ لعلّة الكسالة أو بعض الأهداف الاُخر ، مثل عدم الحمل أو غيره ، وبالنتيجة يخرجن من دائرة الحيض المتعارف مع كونهنّ في سنّ من تحيض; لعدم بلوغ سنّ اليأس .
وقد التزم بعض الأفاضل من المعاصرين تبعاً لبعض القدماء من الأصحاب أو مشهورهم(1) رضوان الله عليهم أجمعين بعدم ثبوت العدّة عليهنّ في صورة الطلاق; لعدم الحيض على ما هو المفروض .
وقد تعرّضتُ لهذه المسألة مفصّلا في إحدى شهور رمضان الماضية ، فأردت إيرادها بصورة «رسالة» مستقلّة في هذا المقام; لكي ينتفع بها الناظر فيها إن شاء الله تعالى وأنتفع بها في الآتي في الدنيا والآخرة .
وقبل الشروع في البحث نمهّد مقدّمة ، وهي أنّ العِدّة في النساء لا تكون تابعة لوجود الحمل أو إحتماله فيها; لثبوت العِدّة في موارد يعلم فيها بعدم الحمل كالزوج الذي يكون في السجن مدّة سنّة ، وفي هذه المدّة لم يمسّ زوجته أصلا ، فإذا خرج من السجن طلّق زوجته فوراً من غير تماس ، فإنّه لا إشكال في ثبوت العدّة
- (1) لم نقف على أحد من القائلين بذلك ، بل ادّعى الإجماع على ثبوت العدّة في الشرائع: 3 / 35 ونهاية المرام: 2 / 83 ورياض المسائل: 7 / 362 .