(الصفحة 123)
ولكنّ الأغلب فيها هي زيادة الظلّ. وأمّا انعدامه، فهو يتّفق نادراً في خصوص بعض البلاد في يومين(1) من أيّام السنة، أو يوم واحد باختلاف البلاد، ولذا لم يقع له ذكر في الأحاديث أصلا. وأمّا العلامة الثانية، فهي تعتبر بالنسبة إلى البلاد التي تكون قبلتها نقطة الجنوب، كأطراف العراق الغربيّة من الموصل ونحوه، وحينئذ فتكون الناصية مقابلة للقبلة، فميل الشمس إلى جانب الحاجب الأيمن يكشف عن تحقّق الزوال.
وأمّا البلاد التي تكون قبلتها منحرفة عن نقطة الجنوب إلى جهة المغرب، فميل الشمس إلى جانب الأيمن فيها يكشف عن تحقّق الزوال من قبل بمقدار معتدّ به. وليعلم أنّ العلامتين اللّتين ذكرناهما ليس لهما موضوعيّة، بل المعتبر هو العلم بالزوال من أيّ طريق حصل وإن لم تصر زيادة الظلّ محسوسة، وحينئذ فلا وجه لما حكاه في الجواهر عن بعض(2) من احتمال وجوب التأخير حتى تصير زيادة الظلّ محسوسة، كما لا يخفى.
المسألة الثالثة ـ في وقت المغرب من حيث الابتداء
فنقول: اتّفقت الاُمّة الإسلاميّة على أنّ أول وقت صلاة المغرب غروب الشمس(3)، ولا إشكال ولا خلاف بينهم في ذلك، وانّما الخلاف والإشكال في أنّ الغروب هل يتحقّق باستتار القرص عن النظر، أو أنّه يعرف بذهاب الحمرة
- (1) كما في مكّة المكرّمة وصنعاء، الدروس الشرعيّة 1: 138; ذكرى الشيعة 2: 321; جواهر الكلام 7: 166ـ170.
- (2) لم نعثر عليه عاجلاً.
- (3) الخلاف 1: 261ـ262، مسألة 6; المعتبر 2: 40; تذكرة الفقهاء 2: 310، مسألة 30; منتهى المطلب 4: 63; مستند الشيعة 4: 25; المجموع 3: 32; العزيز 1: 370; بداية المجتهد 1: 97ـ98; أحكام القرآن للجصّاص 2: 257; المغني لابن قدامة 1: 390.
(الصفحة 124)
المشرقيّة؟ فيه قولان، اتّفق غير الإماميّة من أهل السنّة، والزيديّة، وغيرهم على القول الأوّل(1)، ووافقهم على ذلك بعض أصحابنا الإماميّة(2)، والمشهور بينهم هو القول الثاني(3)، ويظهر من المحقّق شهرة كلا القولين، غاية الأمر أنّ الثاني أشهر(4)، ومنشأ الخلاف بينهم اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب.
فنقول: أمّا الطائفة الاُولى ـ التي ظاهرها أنّ الاعتبار بالاستتار ـ فكثيرة:
منها: رواية زرارة قال: قال أبو جعفر(عليه السلام): وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة، الحديث(5).
ومنها: رواية جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إذا غاب القرص أفطر الصائم ودخل وقت الصلاة(6).
ومنها: مرسلة عليّ بن الحكم، عمّن حدّثه،عن أحدهما(عليهما السلام)أنّه سئل عن وقت المغرب؟ فقال: إذا غاب كرسيّها، قلت: وما كرسيّها؟ قال: قرصها،
- (1) العزيز شرح الوجيز 1: 370; المجموع 3: 32ـ33 و 37; تذكرة الفقهاء 2: 310، مسألة 30.
- (2) علل الشرائع: 350; الهداية: 129ـ130; مسائل الناصريّات: 193، مسألة73; المراسم: 62; المبسوط 1: 74; المهذّب 1: 69; نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 311; مجمع الفائدة والبرهان 2: 22; مدارك الأحكام 3: 53; مفاتيح الشرائع 1: 94; بحار الأنوار 80: 51; مستند الشيعة 4: 25.
- (3) تذكرة الفقهاء 2: 310; غاية المرام 1: 117; روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 485; مجمع الفائدة والبرهان 2: 21ـ22; الحبل المتين 2: 50; كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 77; مفتاح الكرامة 5: 78; جواهر الكلام 7: 183ـ184.
- (4) المعتبر 2: 51ـ52; الشرائع 1: 61; وفي ذكرى الشيعة 2: 340، المسألة الثامنة: أنّ ذهاب الحمرة أشهر.
- (5) الكافي 3: 279، ح5; تهذيب الأحكام 4: 271، ح818; وج2: 261، ح1039; الاستبصار 2: 115، ح376; وعنها وسائل الشيعة 4: 178، أبواب المواقيت، ب16، ح17.
- (6) الفقيه 2: 81، ح358; وعنه وسائل الشيعة 4: 179، أبواب المواقيت، ب16، ح20.
(الصفحة 125)
فقلت: متى يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره(1).
ومنها: رواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم(2).
ومنها: رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلّي المغرب حين تغيب الشمس حيث تغيب حاجبها(3).
ومنها: رواية عمرو بن أبي نصر قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول في المغرب: إذا توارى القرص كان وقت الصلاة وأفطر(4).
ومنها: مرسلة الصدوق قال: وقال الصادق(عليه السلام): إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار ووجبت الصلاة، وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل(5).
ومنها: رواية داود بن أبي يزيد قال: قال الصادق جعفر بن محمّد(عليهما السلام): إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب(6).
ومنها: رواية عبيدالله بن زرارة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سمعته يقول:
- (1) تهذيب الأحكام 2: 27، ح79; الاستبصار 1: 262، ح942; وعنهما وسائل الشيعة 4: 181، أبواب المواقيت، ب16، ح25.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 257، ح1023; الاستبصار 1: 263، ح948; وعنهما وسائل الشيعة 4: 182، أبواب المواقيت، ب16، ح26.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 258، ح1025; الاستبصار 1: 263، ح946; وعنهما وسائل الشيعة 4: 182، أبواب المواقيت، ب16، ح27.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 27، ح77; الاستبصار 1: 262، ح940; وعنهما وسائل الشيعة 4: 183، أبواب المواقيت، ب16، ح30.
- (5) الفقيه 1: 142، ح662; وعنه وسائل الشيعة 4: 179، أبواب المواقيت، ب16، ح19.
- (6) أمالي الصدوق: 139، ح138; وعنه وسائل الشيعة 4: 179; أبواب المواقيت، ب16، ح21.
(الصفحة 126)
صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر، وكنت أنا أُصلّي المغرب إذا غربت الشمس وأُصلّي الفجر إذا استبان لي الفجر. فقال لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؟ فإنّ الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب عنّا وهي طالعة على مرقد آخرين بعد. قال: فقلت: إنّما علينا أن نصلّي إذا وجبت الشمس عنّا، وإذا طلع الفجر عندنا ليس علينا إلاّ ذلك، وعلى اُولئك أن يصلّوا إذا غربت عنهم(1).
ومنها: رواية عبيد بن زرارة أيضاً، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف اللّيل، إلاّ أنّ هذه قبل هذه(2).
ومنها: رواية اُخرى لعبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سمعته يقول: وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها(3).
ومنها: رواية ربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهما قالوا: أقبلنا من مكّة حتّى إذا كنّا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلّي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلّي ونحن ندعو عليه ونقول: هذا من شباب أهل المدينة، فلمّا آتيناه إذا هو أبو عبدالله جعفر بن محمّد(عليهما السلام)، فنزلنا فصلّينا معه وقد فاتتنا ركعة، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا له: جعلنا فداك هذه الساعة
تصلّي؟! فقال(عليه السلام): إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت(4).
- (1) أمالي الصدوق: 140، ح142; وعنه وسائل الشيعة 4: 179، أبواب المواقيت، ب16، ح22.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 27، ح78; الاستبصار 1: 262، ح941; وعنهما وسائل الشيعة 4: 181، أبواب المواقيت، ب16، ح24.
- (3) الكافي 3: 279، ح7; تهذيب الأحكام 2: 28، ح81; الاستبصار 1: 263، ح944; وعنها وسائل الشيعة 4: 178، أبواب المواقيت، ب16، ح16.
- (4) أمالي الصدوق: 140، ح143; وعنه وسائل الشيعة 4: 180، أبواب المواقيت، ب16، ح23.
(الصفحة 127)
ومنها: غير ذلك من الأخبار الظاهرة في تحقّق الغروب بمجرّد استتار القرص عن الأنظار.
وأمّا الطائفة الثانية ـ الدالّة على المذهب المشهور أو الأشهر بين الإماميّة ـ فهي أيضاً كثيرة:
منها: رواية بريد بن معاوية، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب ـ يعني من المشرق ـ فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها(1).
وذكر هذه الرواية في الوسائل في ثلاثة مواضع من باب واحد(2)، وظاهره كونها ثلاث روايات، مع وضوح أنّها ليست إلاّ رواية واحدة، ثمّ إنّ الرواية وإن لم يكن فيها ذكر من الصلاة فضلا عن خصوص المغرب، إلاّ أنّ الظاهر كونها بصدد بيان ما به يتحقّق الغروب الذي يترتّب عليه أحكام كثيرة في الشرع، كجواز الإفطار عند تحقّقه، وجواز الدخول في صلاة المغرب، وغيرهما من الأحكام المترتّبة عليه.
والظاهر أيضاً أنّ المراد بمشرق الأرض ومغربها، هو مجموع الأرض التي تكون بحسب الحسّ متساوية السطح لأرض المصلّي، وحينئذ فيستفاد من الرواية أنّ الاعتبار إنّما هو بغيبوبة الشمس عن جميع الأرض المتساوية السطح لأرض المصلّي، بحيث لا يراها أحد من ساكني تلك الأرض، لا بغيبوبتها عن نظر المصلّي فقط.
ومنها: ما رواه عليّ بن أحمد بن أشيم، عن بعض أصحابنا،
- (1) الكافي 3: 278، ح2; وج4: 100، ح2; تهذيب الأحكام 2: 29، ح84، الاستبصار 1: 265، ح956; وعنها وسائل الشيعة 4: 172، أبواب المواقيت، ب16، ح1.
- (2) وسائل الشيعة 4: 175 و 176، أبواب المواقيت، ب16، ح7 و 11.