(الصفحة 355)
في حال الحياة.
فظهر أنّه لا يختصّ المنع بذلك، بل يشمل الحيوانات التي لا تقبل التذكية الموجبة للطهارة والحلّية أصلا، كما أنّه لا وجه للاختصاص بالحيوان الذي يذكّى بالذبح لا بالنحر وغيره، كما ربما يتوهّم من كلام الإمام(عليه السلام)، وذلك لأنّ التعبير به إنّما هو بملاحظة أنّ الغالب هو كون التذكية بالذبح لا بغيره، وذلك لا يوجب الاختصاص كما هو واضح.
ثمّ لا يخفى أنّه لا فرق بين كون الحيوان له نفس سائلة، وبين غيره; لعدم دلالة شيء من الأخبار الواردة في هذا الباب عليه ولو بالإشعار، كما يظهر لمن راجعها، ولا وجه لاحتماله في المقام، واحتمال الفرق بينهما في مسألة الميتة إنّما هو لأجل احتمال أنّ مانعيّة الميتة إنّما هي لأجل كونها نجسة لا لموضوعيّتها.
وعليه: فلا يشمل دليل المنع ميتة غير ذي النفس; لعدم نجاستها، وهذا بخلاف المقام; لأنّه لا وجه لاحتمال الاختصاص بالاُولى كما عرفت. نعم، لو استندنا في المسألة إلى الشهرة والاجماعات المنقولة، ولم نعتمد على الموثّقة، لاحتمل الاختصاص بما هو القدر المتيقّن منها; إذ حينئذ لا دليل على الإطلاق كما هو واضح.
في حكم الصلاة في اللّباس المشكوك
مسألة: لا إشكال ولا خلاف بين الإماميّة في بطلان الصلاة فيما علم كونه من أجزاء غير المأكول، كما عرفت في المسألة السابقة(1)، إنّما الخلاف
(الصفحة 356)
والإشكال في حكم الصلاة فيما لم يعلم كونه كذلك، فالمشهور بين المتأخّرين هو البطلان(1)، وذهب جماعة منهم إلى الصحّة(2).
ولا يخفى أنّه لم يرد في المسألة نصّ بالخصوص عنهم(عليهم السلام)، وفتاوى الأصحاب ليس على نحو يكشف عن وجوده; لأنّ أكثر المتقدّمين لم يتعرّضوا لها في كتبهم على الظاهر، ومن تعرّض لها منهم فإنّما ذكرها في الكتب الموضوعة لذكر المسائل التفريعيّة، لا الكتب المعدّة لنقل فتاوى الأئـمّة(عليهم السلام)بعين الألفاظ الصادرة عنهم، حتّى يكون ذكرها فيها كاشفاً عن وجود النصّ، كما هو الشأن في غيرها من المسائل المذكورة فيها.
ويؤيّده أنّه لم يتخيّل أحد من الطرفين وجود النصّ في المسألة حتى يجعله دليلا لمذهبه، أو يرد به دليل خصمه، فالمستند فيها إنّما هو الاُصول والقواعد الشرعيّة، كما يظهر لمن راجع كلماتهم، وسيجيء إن شاء الله ـ تعالى ـ ما هو الحقّ فيها.
ولا يخفى أيضاً أنّه لا اختصاص لمورد النزاع بما يشكّ كونه من أجزاء المأكول أو من أجزاء غيره، بل يعمّ ما إذا شكّ في كونه من أجزاء غير المأكول، أو من أجزاء غيره ولو لم يكن من أجزاء الحيوان أصلا.
وبالجملة: محلّ البحث ما إذا كان أحد طرفي الشك كونه من أجزاء غير
- (1) الرسالة الفشاركيّة: 386; رسالة الصلاة في المشكوك، للمحقّق النائيني: 7 و 10; وفي مدارك الأحكام 4: 214، أنّه مقطوع به عند الأصحاب; ويلاحظ مفتاح الكرامة 5: 489ـ490; وجواهر الكلام 8: 130ـ131.
- (2) مجمع الفائدة والبرهان 2: 95; مدارك الأحكام 3: 167; وج4: 214; الحبل المتين 2: 195; ذخيرة المعاد: 234، س20; بحار الأنوار 83: 221ـ222; الحواشي على الروضة البهيّة: 187، س21; الحدائق الناضرة 7: 86; مستند الشيعة 4: 315ـ317.
(الصفحة 357)
المأكول; سواء كان الطرف الآخر هو كونه من أجزاء الحيوان المأكول، أو من غير أجزاء الحيوان; إذ القول بالفصل بينهما في غاية الضعف. وكذا لا اختصاص لمورد البحث بما إذا شكّ في ثبوت هذا المانع; وهو كونه من أجزاء غير المأكول، بل يعمّ ما إذا شكّ في ثبوت سائر الموانع; ككونه حريراً محضاً للرجال، أو ذهباً خالصاً لهم، أو غيرهما من الموانع.
ثمّ إنّ من القائلين بالبطلان في المسألة العلاّمة في المنتهى، حيث قال في محكيّه: إنّه لو شكّ في كون الصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول اللحم لم تجز الصلاة فيه; لأنّها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه، والشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط(1).
وفي كلامه وجوه من النظر:
أحدها: أنّه جعل الشرط هو الستر بما يؤكل لحمه، مع أنّ الشرط هو عدم كون الصلاة في أجزاء غير المأكول; سواء وقعت في أجزاء الحيوان المأكول، أو في غير أجزاء الحيوان، كأن صلّى في الثوب المعمول من القطن مثلا، أو كان الساتر بعض أجزاء البدن على ما هو الحقّ، كما عرفت سابقاً.
وما ربما يتوهّم من أنّ ظاهر قوله(صلى الله عليه وآله) في موثّقة ابن بكير المتقدّمة في المسألة السابقة(2): «لاتقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله أكله» هو اعتبار أن تكون الصلاة في أجزاء المأكول.
ففيه ـ مضافاً إلى عدم الدلالة كما لا يخفى ـ : أنّ اللاّزم طرحها بعدما كان المقطوع به بين الأصحاب صحّة الصلاة في غير أجزاء الحيوان، فهذه الجهة أيضاً
- (1) منتهى المطلب 4: 236.
- (2) في ص347.
(الصفحة 358)
توجب الاضطراب في الرواية كسائر الجهات المتقدّمة.
ثانيها: الظاهر من كلامه أنّ اعتبار كونه من أجزاء غير المأكول إنّما هو في الساتر، مع أنّه معتبر في لباس المصلّي; سواء كان هو الساتر، أو كان الساتر غيره ممّا لا يكون من أجزائه.
ثالثها: أنّه جعل اعتبار كون اللباس من غير أجزاء ما يحرم أكله من قبيل الشرطيّة، مع أنّ دخالته بنحو المانعيّة، التي مرجعها إلى كون وجوده مانعاً عن انطباق عنوان الصلاة على الأفعال والأقوال المأتيّ بها; لأنّ الأعدام لا تكون مؤثّرة في شيء، كما هو واضح.
ولا يخفى أنّ الخلل من الوجوه المذكورة لا يقدح فيما هو بصدده من التمسّك بقاعدة الاشتغال; لأنّه يمكن تقريرها بوجه لا يرد عليه شيء من الوجوه المذكورة; بأن يقال: إنّ الشك في وجود المانع يقتضي الشك في انطباق عنوان الصلاة على المأتيّ به، فلا يعلم حصول الامتثال والفراغ عن التكليف المعلوم، مع أنّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة.
ثمّ إنّ جماعة من أجلاّء تلامذة المحقّق الشيرازي(قدس سره) ذهبوا إلى الصحّة تبعاً له، واستدلّوا عليه بالبراءة العقليّة، وحكم العقل بقبح العقاب من دون بيان والمؤاخذة بلا برهان(1)، وحيث إنّ جريان البراءة في المسألة متفرّع أوّلا على جريانها في الشبهة الموضوعيّة في التكاليف المستقلّة، فلابدّ من بيان ما هو المرجع فيها، وأنّ العقل هل يحكم فيها بالبراءة وقبح العقاب، أو أنّه يوجب الاحتياط؟
ولا يخفى أنّه لا يبقى مجال للقول بالصحّة في هذه المسألة لو قلنا بوجوب
- (1) تقريرات المجدّد الشيرازي 4: 101ـ102; الرسائل الفشاركيّة: 386ـ393; فوائد الاُصول 4: 226، كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 193ـ194; رسالة الصلاة في المشكوك للمحقّق النائيني: 7.
(الصفحة 359)
الاحتياط في تلك المسألة وعدم جريان البراءة فيها، وهذا بخلاف ما لو قلنا بجريان البراءة فيها; فإنّه لا ملازمة بينه، وبين القول بالصحّة، كما سيظهر إن شاء الله تعالى.
فنقول: إنّ صريح الشيخ(رحمه الله) في رسالة البراءة هو جريانها في الشبهة الموضوعيّة عقلا، كجريانها في الشبهة الحكميّة; فإنّه(قدس سره) بعد استناده إلى الأخبار الكثيرة التي تدلّ على جريان البراءة الشرعيّة في الشبهة الموضوعيّة قال:
ولكن في الأخبار المتقدّمة بل في جميع الأدلّة المتقدّمة من الكتاب والعقل كفاية، ثمّ دفع توهّم عدم جريان حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان; نظراً إلى تماميّة البيان من قِبل الشارع، فيجب الاجتناب عن الأفراد المحتملة، بأنّ النهي عن الخمر يوجب حرمة الأفراد المعلومة تفصيلا، والمعلومة إجمالا المتردّدة بين محصورين.
والأوّل لا يحتاج إلى مقدّمة علميّة، والثاني يتوقّف على الاجتناب من أطراف الشبهة لا غير وأمّا ما احتمل كونه خمراً من دون علم إجماليّ فلم يعلم من النهي تحريمه، وليس مقدّمة للعلم باجتناب فرد محرّم معلوم، فلا فرق بينها، وبين الموضوع الكلّي المشتبه حكمه.
وما ذكر من التوهّم جار فيه أيضاً; لأنّ العمومات الدالّة على حرمة (الْخَبَـلـِثَ)(1) (الْفَوَ حِشَ)(2)، (وَمَا نَهَـلـكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ)(3) تدلّ على حرمة
- (1) سورة الأعراف 7: 157.
- (2) سورة الأعراف 7: 33.
- (3) سورة الحشر 59: 7.