(الصفحة 196)
ربما يستدلّ للأوّل بأنّ المنساق من الأدلّة الدالّة على بعديّتها(1) هو البعديّة المتّصلة، ولكن لا يخفى أنّ الظاهر كون البعديّة في نافلة العشاء، في مقابل القبليّة في نافلة الظهرين، فالمراد أنّ نافلة العشاء لابدّ أن يؤتى بها بعد العشاء لا قبل فريضتها، كما في نافلة الظهرين، ويدلّ على ذلك أنّه لا إشكال في أنّه لو اشتغل بعد العشاء بالنوافل يستحبّ له أن جعل الوتيرة خاتمة لها، كما ورد عليه النصّ أيضاً(2).
ومن المعلوم أنّه ربما تكون النوافل كثيرة كما في ليالي شهر رمضان، وحينئذ فلا تصدق البعديّة العرفيّة; لثبوت الفصل الطويل، اللّهمّ إلاّ أن يقال بأنّ الدليل الذي يستفاد منه البعديّة، يقيّد إطلاقه بما إذا كان الشخص آتياً بالنوافل، فلا يجوز التأخير في غير هذا المورد، وهو كما ترى.
الثاني: لو أتى بفريضة العشاء في آخر وقتها، فهل يشرع بعدها النافلة بحيث تكون أداءً، أم تصير قضاءً؟ لا يبعد أن يقال بأنّ المستفاد من النصوص الدالّة على امتداد العشاء إلى النصف أو الفجر(3) هو امتدادها بنافلتها; لأنّها من متمّماتها، فلا يستفاد منها التأخير.
المسألة الرابعة ـ في وقت صلاة الليل
لا إشكال في أنّ وقتها من أوّل انتصاف الليل إلى الفجر، كما استقرّت عليه الفتاوى(4)، ويدلّ عليه بعض النصوص، مثل مرسلة الصدوق قال: قال
- (1) وسائل الشيعة 4: 45، أبواب أعداد الفرائض، ب13.
- (2) تقدّم في الصفحة السابقة.
- (3) وسائل الشيعة 4: 184ـ185، أبواب المواقيت، ب17، ح2، 4، 6; وص288: ب62: ح3 و 4.
- (4) مسائل الناصريّات: 198، مسألة 76; المراسم: 63; الخلاف 1: 533، مسألة 272; المهذّب 1: 70; الوسيلة: 83; السرائر 1: 195 و 202; المعتبر 2: 54; تذكرة الفقهاء 2: 318، مسألة 39; مفتاح الكرامة 5: 115ـ118; جواهر الكلام 7: 312ـ318.
(الصفحة 197)
أبوجعفر(عليه السلام): وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره(1). وضعفها منجبر بعمل الأصحاب ومطابقة فتوى المشهور(2)، مضافاً إلى أنّ المسألة من المسائل المذكورة في الكتب المعدّة لنقل الفتاوى المتلقّاة عن الأئـمّة(عليهم السلام)، وحينئذ فلا يعبأ بما ذهب إليه بعض المتأخّرين من الخلاف في ذلك(3)، خصوصاً بعد استمرار عمل الأئمّـة المعصومين(عليهم السلام) على ذلك(4).
وبالجملة: فلا إشكال في ذلك، كما أنّه لا إشكال في جواز تقديمها على المسافر، أو شابّ تمنعه رطوبة رأسه، أو يشقّ عليه القيام، أو نحو ذلك(5)، كما أنّه لا إشكال في ثبوت القضاء لها لو لم يؤت بها في وقتها(6)، وكذا في كون القضاء أفضل من التقديم فيما إذا دار الأمر بينهما(7); لدلالة أخبار كثيرة على ذلك كلّه(8).
إنّما الإشكال في وجه مقالة المشهور(9); من أنّ كلّما قرب من الفجر كان أفضل، وأنّه هل يدلّ عليه دليل لفظيّ أم لا؟ وإن كان قد ادّعي عليه
- (1) الفقيه 1: 302، ح1379; وعنه وسائل الشيعة 4: 248، أبواب المواقيت، ب43، ح2.
- (2) مصباح الفقيه 9: 254ـ255.
- (3) ذخيرة المعاد: ص199 س34 إلى ص200 س3; وص201 س42 إلى ص202 س15.
- (4) وسائل الشيعة 4: 230ـ231، أبواب المواقيت، ب37، ح5; وكذا عمل النبيّ(صلى الله عليه وآله)، كما في رواية زرارة الواردة في وسائل الشيعة 4: 157، أبواب المواقيت، ب10، ح3 وغيره.
- (5) المقنعة: 142; الخلاف 1: 537، مسألة 275; وفي جامع المقاصد 2: 43، أنّه المشهور.
- (6) الخلاف 1: 524، مسألة 265; السرائر 1: 276; تذكرة الفقهاء 2: 362.
- (7) النهاية: 61; المعتبر 2: 58; المختصر النافع: 69; الجامع للشرائع: 62; منتهى المطلب 4: 129; كشف اللثام 3: 117; مفتاح الكرامة 5: 223ـ224; جواهر الكلام 7: 333ـ336; وفي ذكرى الشيعة 2: 370، أنّه المشهور.
- (8) وسائل الشيعة 4: 255، أبواب المواقيت، ب45.
- (9) مفاتيح الشرائع 1: 93، مفتاح 104.
(الصفحة 198)
الإجماع(1)، فلابدّ من ملاحظة الأخبار، فنقول:
منها: رواية معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن أفضل ساعات الوتر؟ فقال: الفجر أوّل ذلك(2).
ومنها: رواية أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): أيّ ساعة كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوتر؟ فقال: على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب(3).
ومنها: رواية مرازم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له: متى أُصلّي صلاة الليل؟ قال: «صلّها في آخر الليل، الحديث(4).
ومنها: رواية إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام)عن ساعات الوتر؟ قال: أحبّها إليّ الفجر الأوّل. وسألته عن أفضل ساعات اللّيل؟ قال: الثلث الباقي، الحديث(5).
ومنها: ما رواه الشهيد في محكيّ الذكرى عن ابن أبي قرّة، عن زرارة: أنّ رجلا سأل أمير المؤمنين(عليه السلام) عن الوتر أوّل الليل؟ فلم يجبه، فلمّا كان بين الصبحين خرج أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى المسجد، فنادى: أين السائل عن الوتر ثلاث مرّات؟ نِعْمَ ساعات الوتر هذه. ثم قام فأوتر(6).
وهذه الروايات لا تخلو عن إشعار بل دلالة في بعضها على ما ذكره المشهور،
- (1) الخلاف 1: 533، مسألة 272; المعتبر 2: 54; تذكرة الفقهاء 2: 318، مسألة 39، منتهى المطلب 4: 97.
- (2) الكافي 3: 448، ح23; تهذيب الأحكام 2: 336، ح1388; وعنهما وسائل الشيعة 4: 271، أبواب المواقيت، ب54، ح1.
- (3) الكافي 3: 448، ح24; وعنه وسائل الشيعة 4: 271، أبواب المواقيت، ب54، ح2.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 335، ح1382; وعنه وسائل الشيعة 4: 272، أبواب المواقيت، ب54، ح3.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 339، ح1401; وعنه وسائل الشيعة 4: 272، أبواب المواقيت، ب54، ح4.
- (6) ذكرى الشيعة 2: 373; وعنه وسائل الشيعة 4: 272، أبواب المواقيت، ب54، ح5.
(الصفحة 199)
وربما استدلّ عليه أيضاً بقوله ـ تعالى ـ : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالاَْسْحَارِ)(1)، وقد اختلف في تفسير السحر، فالمشهور بين الناس تفسيره بالثلث الباقي من الليل(2)، كما أنّه ربما يفسّر بأضيق من ذلك، وربما يقرب الثلث بأنّه قد ورد في الشرع أعمال كثيرة للسحر، خصوصاً في أسحار شهر رمضان، فيجب أن يكون وقته وسيعاً قابلا لوقوع تلك الأفعال فيه.
ولكن يرد عليه: أنّ هذه الأعمال ليست عملا واحداً مأخوذاً مرتبطاً حتى يجب أن يكون الوقت بمقداره أو أزيد، بل كلّ منها عمل مستقلّ دلّ عليه دليل مستقلّ، ولا يلزم حينئذ أن يكون الوقت بقدر جميعها، وحينئذ فلا يجوز الإعراض عمّا دلّت عليه اللّغة في معنى السحر; من كونه قبيل الفجر، أو قبله، أو سدس الليل، أو نحوها(3)،
والأمر سهل.
المسألة الخامسة ـ في وقت نافلة الصبح
ويقع الكلام فيها في مقامين:
الأوّل: وقتها من حيث الابتداء.
الثاني: آخر وقتها، فنقول:
أمّا الكلام في المقام الأوّل، فملخّصه: أنّه قد تحقّقت الشهرة على أنّ أوّل
- (1) سورة آل عمران 3: 17.
- (2) التفسير الكبير للفخر الرازي 3: 167; الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 4: 38ـ39; الجواهر الحسان في تفسير القرآن (تفسير الثعالبي) 1: 236ـ237.
- (3) المصباح المنير 1: 267; لسان العرب 3: 253.
(الصفحة 200)
وقتها هو طلوع الفجر الكاذب(1)، وحكي عن بعض جواز إتيانها بعد الفراغ
من صلاة الوتر(2)، ونسبه في الحدائق إلى المشهور(3); لما ورد في بعض الأخبار من كونها من صلاة الليل، ولابدّ من ملاحظة الأخبار الواردة في الباب.
فنقول: إنّها على ثلاث طوائف:
أمّا الطائفة الاُولى، فتدلّ بظاهرها على وجوب الإتيان بها قبل الفجر الصادق:
منها: رواية ابن أبي نصر قال: سألت الرضا(عليه السلام) عن ركعتي الفجر؟ فقال: احشوا بهما صلاة الليل(4).
ومنها: رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): متى أُصلّي ركعتي الفجر؟ قال: فقال لي: بعد طلوع الفجر، قلت له: إنّ أبا جعفر(عليه السلام) أمرني أن أُصلّيهما قبل طلوع الفجر، فقال: يا أبا محمّد، إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين، فأفتاهم بمرّ الحقّ، وأتوني شكّاكاً، فأفتيتهم بالتقيّة(5).
ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل
- (1) نسبه إلى السيّد المرتضى في المعتبر 2: 56; ومختلف الشيعة 2: 36; المبسوط 1: 76; جواهر الكلام 7: 377ـ383 ولم نعثر على من ادّعى الشهرة عاجلاً.
- (2) النهاية: 61; المهذّب 1: 70; غنية النزوع: 72; الوسيلة: 83; السرائر: 195 و 203; مختلف الشيعة 2: 37; تذكرة الفقهاء 2: 319، مسألة 40; قواعد الأحكام 1: 247; ذكرى الشيعة 2: 375; مفتاح الكرامة 5: 118.
- (3) الحدائق الناضرة 6: 240; وهكذا في جامع المقاصد 2: 22; وروض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 493; وكشف اللثام 3: 64.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 132، ح511; الاستبصار 1: 283، ح1029; وعنهما وسائل الشيعة 4: 263، أبواب المواقيت، ب50، ح1.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 135، ح526; الاستبصار 1: 285، ح1043; وعنهما وسائل الشيعة 4: 264، أبواب المواقيت، ب50، ح2.