(الصفحة 321)
كون المستثنى من قبيل الأوّل; إذ أمره دائر بين الشرائط والأجزاء.
وعليه: يقع الإشكال في حكم الزيادة السهويّة، وأنّه هل يمكن استفادته من حديث «لا تعاد» أم لا؟ إذ الظاهر أنّ زيادة الجزء من الموانع التي قام الدليل على كون وجودها مخلاًّ بصحّتها، ولا تكون الزيادة كالنقيصة; لأنّ الجزء بما هو جزء لا يقتضي إلاّ عدم تحقّق المركّب بفقدانه لا بزيادته، فكونها مخلّة يحتاج إلى دليل آخر غير ما يدلّ على الجزئيّة.
هذا، ولا يبعد أن يقال بعدم شموله للموانع والزيادة السهويّة، فيبقى ما يدلّ على أنّها توجب البطلان بوجودها على إطلاقه لصورة النسيان، إلاّ أن يتمسّك لخروجها بدليل آخر، كحديث الرفع وغيره.
بقي هنا شيء; وهو: أنّ حديث «لا تعاد» كما يدلّ على عدم وجوب الإعادة فيما إذا نسي بعض الأجزاء أو الشرائط غير الخمسة المذكورة فيها إلى أن فرغ من الصلاة، كذلك يدلّ على عدم وجوبها فيما إذا نسي شيئاً منهما في بعض أجزاء الصلاة، كما إذا كان ناسياً للستر مثلا، ثمّ التفت في الأثناء بعدما صار مستور العورة ولو بفعل الغير، للأولويّة القطعيّة كما هو واضح.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّ للمسألة صوراً:
منها: ما إذا كان ناسياً للستر إلى أن فرغ من الصلاة، كما إذا كان فاقداً للساتر.
ومنها: ما إذا كان واجداً للساتر والتفت قبل الصلاة إلى أنّه لا يستر العورة لخرق ما يحاذيها ثمّ نسي وصلّى فالتفت.
ومنها: ما إذا كان واجداً للساتر ولم يلتفت إلى خروج العورة إلى أن فرغ منها.
ومنها: تلك الصورة ولكن مع الالتفات في الأثناء بعد أن صار مستور العورة
(الصفحة 322)
ولو بفعل الغير.
ومنها: تلك الصورة أيضاً ولكن مع الالتفات في حال كونه مكشوف العورة.
ومنها: ما إذا كان عالماً بأنّ عورته مكشوفة، وبأنّه يعتبر سترها في الصلاة، ولكن لأجل عدم الالتفات إلى أنّه يصلّي لم يسترها.
ومنها: ما إذا كان ثوبه ساتراً لعورته، ولكن لأجل الريح أو غيره صار مكشوف العورة في بعض الأزمنة، وهذه الصورة غير داخلة في السهو ولا في العمد.
والشائع من هذه الصور ما إذا كان واجداً للساتر ولم تكن عورته مستورة، ولذا وقع في صحيحة علي بن جعفر(عليه السلام) المتقدّمة(1) السؤال عنه. وعليه: فتشمل الصحيحة أكثر هذه الصور، بناءً على أنّ السؤال إنّما هو من فقدان ما هو شرط للصلاة من الستر في صورة النسيان، والتعبير ببعض أفراده إنّما هو لكونه شائعاً.
هذا، ولكن الصور التي تشملها الصحيحة جزماً إنّما هي الصورة الثانية والثالثة، كما أنّ مقتضى حديث «لا تعاد» عدم وجوب الإعادة في الصورة الاُولى أيضاً، ويستفاد منهما عدم وجوب الإعادة في الصورة الرابعة بالأولويّة القطعيّة، كما لا يخفى.
وفي شمولهما للصورة الخامسة تردّد وإشكال، والأظهر العدم; لأنّك عرفت أنّ موردهما ما إذا كان ناسياً لكونه مكشوف العورة، بحيث لا يكون عالماً وملتفتاً به في زمان من الأزمنة، والمفروض أنّه التفت في الأثناء في حال كونه مكشوف العورة.
(الصفحة 323)
إن قلت: دلالتهما على صحّة ما أتى به من الأفعال والأقوال في حال عدم الالتفات تستلزم الدلالة على صحّة باقي الأجزاء، للزوم اللغويّة على تقدير عدمها.
قلت: نعم، لو كان مورد الدليل الدالّ على الصحّة منحصراً بهذا الفرض، والمفروض عدمه كما عرفت، وحينئذ فيمنع من شموله له، فيجب الرجوع في حكمه إلى القواعد، فنقول:
لا إشكال في بطلان الصلاة ووجوب الإعادة فيما إذا كان الانكشاف فيما بين الاشتغال بالأجزاء. وأمّا إذا كان في حال عدم الاشتغال، كما إذا التفت بعد إتمام الفاتحة وقبل الشروع في السورة، ففي الحكم بالصحّة أو البطلان وجهان مبنيّان على أنّ الصلاة هل هي المجموع المركّب من الأفعال والأقوال المخصوصة التي تحدث وتنعدم آناً فآناً، ولا يكاد يكون للمجموع وجود وتحصّل إلاّ بعد تحقّق جميع الأجزاء التي وجد كلّ منها في زمان ثمّ انعدم، أو أنّها عبارة عن حضور العبد في مقابل مولاه والتوجّه إليه.
غاية الأمر أنّه يجب عليه أن يشتغل معه ببعض الأفعال المخصوصة والأذكار المنصوصة، بحيث تتحقّق الصلاة بمجرّد قيامه في حضور المولى وتكون باقية إلى آخرها، فعلى الأوّل: لا تكون السكوتات المتخلّلة بين الأقوال والسكوتات المتخلّلة بين الأفعال جزءاً من الصلاة، وإطلاق أنّه مشتغل بها في حالها مع العناية ورعاية العلاقة، كإطلاق الخطيب والمتكلّم على من تنفّس بين الخطبة والتكلّم، أو اشتغل بغيرهما كشرب الماء مثلا.
بخلاف الثاني; فإنّه يصدق عليه حقيقة في كلّ آن أنّه مشتغل بالصلاة. وعليه:
(الصفحة 324)
فيقع الالتفات بأنّه مكشوف العورة في حال الاشتغال دائماً، فيجب الحكم بوجوب الإعادة، بخلاف الأوّل; فإنّه يصدق عليه حقيقة أنّه لم يكن عالماً بكشف عورته في حال الصلاة; لجواز أن يسترها مع عدم تخلّل المنافي قبل الشروع في السورة في المثال المذكور ثمّ شرع فيها، فيشمله ما يدلّ على الصحّة في حال عدم الالتفات بذلك في حال الصلاة.
هذا، ولا يخفى أنّ الأظهر هو الوجه الثاني; لكونه مغروساً في أذهان المتشرّعة، فيجب عليه الإعادة لما عرفت.
ونظير هذا الفرض ما إذا اُعتقت الأمة، أو بلغت الصغيرة في أثناء الصلاة بعد أن كانتا مكشوفتي الرأس، وكذا ما إذا صار العاري واجداً للساتر في الأثناء.
ثمّ إنّ الحكم بالبطلان في جميع هذه الصور مختصّ بما إذا كان الوقت متّسعاً، وأمّا إذا كان مضيّقاً بحيث لا يتمكّن من قطعها من الإتيان بصلاة اُخرى، فالظاهر الصحّة كما لا يخفى.
(الصفحة 325)
في شرائط لباس المصلّي
وهي الاُمورالمعتبرة في لباسه من حيث كون المصلّي متلبّساً به، لا من حيث كونه ساتراً له، والتعبير بالشرائط مسامحة; لأنّ مرجعها إلى مانعيّة بعض الأوصاف الموجودة فيه، كما عرفت فيما تقدّم، وهي على ما يظهر من كلماتهم ستّة:
الأوّل: أن لا يكون من جلد الميتة.
والثاني: أن لا يكون نجساً.
والثالث: أن لا يكون من أجزاء غير مأكول اللّحم.
والرابع: أن لا يكون مغصوباً، وهذه الأربعة يشترك فيها الرجل والمرأة.
والخامس: أن لا يكون حريراً محضاً.
والسادس: أن لا يكون ذهباً، والأخيرتان يختصّ بهما الرّجل، فالكلام فيها يقع في ضمن اُمور:
[ اشتراط عدم كون لباس المصلّي من جلد الميتة ]
الأوّل: يشترط في لباس المصلّي أن لا يكون من جلد الميتة وإن دبغ، كما هو