(الصفحة 501)
وكذا الثانية ممّا رواه زرارة.
ومنها: ما رواه أيضاً عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل والمرأة يصلّيان جميعاً في بيت، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال: لا، حتّى يكون بينهما شبر، أو ذراع، أو نحوه(1)، والظاهر اتّحادها مع الرواية الثانية، كما لا يخفى.
وأمّا الطائفة الثانية، فمنهم: عمّار، فقد روى الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق، عن عـمّار، عن أبي عبدالله(عليه السلام)أنّه سُئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال: لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع، وإن كانت عن يمينه أو يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك، فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه، وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة، فلا بأس حيث كانت(2).
ومنهم: إدريس بن عبدالله القمّي، فروى في الكافي عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن حمّاد بن عثمان، عن إدريس بن عبدالله القمّي قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي وبحياله امرأة قائمة على فراشها جنباً (جنبته كا) فقال: إن كانت قاعدة فلا يضرّك، وإن كانت
- (1) تهذيب الأحكام 2: 231، ح908; الكافي 3: 298، ح3; وعنهما وسائل الشيعة 5: 124، أبواب مكان المصلّي، ب5، ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 231، ح911; الاستبصار 1: 399، ح1526; وعنهما وسائل الشيعة 5: 128، أبواب مكان المصلّي، ب7، ح1.
(الصفحة 502)
تصلّي فلا(1).
وليس المراد بقوله(عليه السلام): «قاعدة» الجلوس في مقابل القيام، بل المراد عدم الاشتغال بالصلاة والقعود عنها، بقرينة قوله(عليه السلام): «وإن كانت تصلّي».
ومنهم: عبدالرحمن بن أبي عبدالله، فروى في الكافي عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي والمرأة بحذاه عن يمينه، عن يساره؟ فقال: لابأس به إذا كانت لا تصلّي(2).
ومنهم: عبدالله بن أبي يعفور، فروى الشيخ بإسناده عن سعد، عن سندي بن محمّد البزّاز، عن أبان بن عثمان، عن عبدالله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): أُصلّي والمرأة إلى جنبي وهي تصلّي؟ قال: لا، إلاّ أن تتقدّم هي أو أنت، ولا بأس أن تصلّي وهي بحذاك جالسة أو قائمة(3).
ومنهم: معاوية بن وهب، فروى الصدوق عنه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سأله عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد؟ قال: إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه وحدها وهو وحده، لا بأس(4).
ومنهم: هشام بن سالم; فروى الصدوق عنه، عن أبي عبدالله(عليه السلام)في حديث قال: الرجل إذا أمَّ المرأة كانت خلفه عن يمينه، سجودها مع ركبتيه(5).
- (1) الكافي 3: 298، ح5; تهذيب الأحكام 2: 231، ح910; وعنهما وسائل الشيعة 5: 121، أبواب مكان المصلّي، ب4، ح1، وفيه: «جنبه».
- (2) الكافي 3: 298، ح2; وعنه وسائل الشيعة 5: 121، أبواب مكان المصلّي، ب4، ح2.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 231، ح909; وعنه وسائل الشيعة 5: 124، أبواب مكان المصلّي، ب5، ح5.
- (4) الفقيه 1: 159، ح747; وعنه وسائل الشيعة 5: 125، أبواب مكان المصلّي، ب5، ح7.
- (5) الفقيه 1: 259، ح1178; وعنه وسائل الشيعة 5: 125، أبواب مكان المصلّي، ب5، ح9.
(الصفحة 503)
ومنهم: ابن بكير، وقد تقدّم نقل روايته في ضمن الروايات المتقدّمة التي رواها جميل.
ومنهم: محمّد الحلبي، وقد تقدّم نقل روايته أيضاً في ضمن ما رواه محمّد بن مسلم.
ومنهم: حريز بن عبدالله، فروى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريباً منه، فقال: إذا كان بينهما موضع رحل فلا بأس(1).
ومنهم: الفضيل، فروى الصدوق في العلل عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان، عن الفضيل، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إنّما سمّيت مكّة بكّة لأنّه يبكّ فيها الرجال والنساء، والمرأة تصلّي بين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك، وعن يسارك ومعك، ولا بأس بذلك، إنّما يكره في سائر البلدان(2).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ عمدة أدلّة الجواز هي إحدى روايات جميل المتقدّمة، وهي ما تدلّ على جواز صلاة الرجل والمرأة تصلّي بحذاه على الإطلاق، ويؤيّدها خبر عيسى بن عبدالله القمّي، حيث إنّه سأل الصادق(عليه السلام)عن امرأة صلّت مع الرجال وخلفها صفوف وقدّامها صفوف؟ قال(عليه السلام): مضت صلاتها، ولم تفسد على أحد ولا تعيد.
هذا، ولكنّك عرفت فيما تقدّم أنّه ليس للجميل روايات متعدّدة، بل الظاهر أنّ
- (1) الكافي 3: 298، ح1; وعنه وسائل الشيعة 5: 126، أبواب مكان المصلّي، ب5، ح11.
- (2) علل الشرائع: 397، ب137، ح4; وعنه وسائل الشيعة 5: 126، أبواب مكان المصلّي، ب5، ح10.
(الصفحة 504)
هذا الخبر الذي يدلّ على الجواز بنحو الإطلاق هو ما يدلّ على الجواز مقيّداً بأن يكون سجودها مع ركوعه; لترجيح احتمال النقيصة السهويّة على احتمال الزيادة السهويّة عند العرف، فالواجب الأخذ بما يدلّ على الجواز مقيّداً بذلك القيد المذكور، وقد عرفت أيضاً أنّه لو قلنا بتعدّدهما، فالواجب أيضاً تقييد إطلاقها بالصورة المذكورة، ولا وجه لحمل الآخر على الاستحباب.
وأمّا خبر عيسى بن عبدالله، فليس بمنقول في الكتب المعدّة لجمع الأخبار الواردة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) والأئـمّة(عليهم السلام); إذ كلّ ما تتبّعنا في مظانّه لم نظفر به. نعم، هو مذكور في بعض الكتب الفقهية(1)، فلا يصلح شيء من هاتين الروايتين للاستناد إليه للقول بالجواز.
والرواية الأخيرة من روايات جميل وإن كان ظاهرها الجواز بنحو الإطلاق، إلاّ أنّك عرفت الإشكال فيها من حيث اشتمالها على التعليل المذكور، وحينئذ فلم تبق في المسألة إلاّ طائفتان من الأخبار، فطائفة تدلّ على المنع مطلقاً، مثل رواية إدريس بن عبدالله القمّي، ورواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله المتقدّمتين، وغيرهما ممّا تقدّم. وطائفة تدلّ على التفصيل على اختلافها، كأكثر الروايات المتقدّمة.
ثمّ لا يخفى أنّ ما يدلّ منها على اعتبار الحاجز بينهما كأكثر ما رواه محمّد بن مسلم، وبعض روايات عليّ بن جعفر، ورواية الحلبي، لا يصادم الإطلاقات المانعة; لأنّها مفروضة فيما إذا لم يكن بينهما حاجز، أو ستر، أو جدار، فمدلولها من حيث إطلاق المنع واحد.
- (1) غاية المراد 1: 135; كشف اللثام 3: 280; رياض المسائل 3: 259; جواهر الكلام 8: 508; مصباح الفقيه 11: 63.
(الصفحة 505)
وحينئذ فيدور الأمر بين حمل النهي في الطائفة الاُولى على الكراهة; لصراحة الطائفة الثانية في الحكم بالجواز وعدم التحريم مقيّداً بالقيود المذكورة فيها، وظهور الاُولى في الحكم بالتحريم على الإطلاق، فتحمل على الكراهة، ويقال: بكراهة الصلاة فيما إذا كان بينهما شبر، أو ذراع، أو موضع رحل، أو أكثر من عشرة أذرع، ويحمل اختلاف القيود على اختلاف مراتب الكراهة، ففيما إذا كان بينهما أكثر من عشرة أذرع، تكون الصلاة واجدة لمنقصة ضعيفة، وحزازة قليلة، بخلاف ما إذا كان بينهما موضع رحل، أو ذراع، فالكراهة فيها أشدّ، والمنقصة والحزازة أزيد، وتشتدّ وتزيد إلى أن تبلغ إلى مقدار شبر.
وبين إبقائها على حالها من إطلاق النهي، والحكم بأنّ المراد ممّا ورد من التفاصيل في الطائفة الثانية هو أن يكون الرجل متقدّماً على المرأة بذلك المقدار المذكور فيها، لا أن يكون الفاصل بينهما فيما إذا كانا متحاذيين، هو ذلك المقدار، إمّا بحمل السؤال عن صلاة الرجل بحذاء المرأة، أو يمينها، أو يسارها على الحذاء العرفي، واليمين واليسار العرفيين، وإمّا بحمل الاستثناء في الجواب على الاستثناء المنقطع.
وبالجملة: الأمر دائر بين ترجيح أحد الظهورين على الآخر، إمّا ترجيح ظهور الطائفة الثانية في أنّ المراد من التفاصيل هو أن يكون الفاصل بينهما فيما إذا كانا متحاذيين ذلك المقدار، وإمّا ترجيح ظهور الطائفة الاُولى في إطلاق النهي، ومع عدم الدليل على الترجيح بنحو الجمع العرفي، بحيث يخرج عن كونهما متعارضين.
فالظاهر وجوب الأخذ بالإطلاقات المانعة، والقول بتقدّمها على أدلّة