(الصفحة 546)
ثمّ إنّه يحتمل أن لا يكون للاستثناء الواقع في أكثر هذه الأخبار له خصوصيّة، بل كان الملاك رعاية مصالح الجماعة وما تتقوّم به، فالكلام لغير تعيين الإمام، بل لتنبيه الجاهل بأحكام الجماعة مثلا، أو لتسوية الصفوف خارج عن الحرمة، كما احتمله العلاّمة(قدس سره)، بل جزم به في المنتهى(1).
ثمّ لا يخفى أنّه تطلق الإقامة كثيراً ما على قول «قد قامت الصلاة»، كما يظهر بمراجعة الأخبار، وحينئذ فلا تعارض بين نفس الروايات المتقدّمة الدالّة على حرمة الكلام، كما هو واضح.
ثمّ إنّ إطلاق الأذان على الأعمّ منه ومن الإقامة شائع جدّاً، كما يظهر لمن تتبّع في الأخبار، وممّا اُطلق فيه الأذان على الأعمّ روايتا سماعة وابن أبي عمير المتقدّمتان.
ثانيها: عدم مغايرة المؤذّن للمقيم، ومقتضى الأخبار جوازها، وقد جمعها صاحب الوسائل في الباب الواحد والثلاثين من أبواب الأذان والإقامة، فراجع.
ثالثها: البلوغ، ومقتضى الأخبار أيضاً عدم اعتباره:
منها: رواية ابن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال: لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم(2).
ومنها: غير ذلك ممّا جمعه صاحب الوسائل في الباب الثاني والثلاثين، فراجع.
ولا يخفى أنّ مقتضى صحّة أذان غير البالغ كون عباداته شرعيّة كما هو الحقّ،
- (1) منتهى المطلب 4: 394.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 280، ح1112; وعنه وسائل الشيعة 5: 440، أبواب الأذان والإقامة، ب32، ح1، وسائر أحاديث الباب.
(الصفحة 547)
وتدلّ عليه جملة من الأخبار(1).
رابعها: القيام والاستقرار وكونه على الأرض، والروايات الواردة في هذا الباب كثيرة، وقد جمعها في الوسائل في الباب الثالث عشر من أبواب الأذان والإقامة.
منها: رواية زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: تؤذّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائماً أو قاعداً، وأينما توجّهت، ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئاً للصلاة(2).
ومنها: ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا(عليه السلام) أنّه قال: يؤذّن الرجل وهو جالس، ويؤذّن وهو راكب(3).
ومقتضاها عدم اعتبار القيام ولا كونه على الأرض، بل ولا الاستقرار، كما أنّ مقتضى الرواية الاُولى عدم اعتبار القيام ولا الاستقرار، بناءً على أن يكون المراد بقوله(عليه السلام): «وأينما توجّهت» المشي إلى المحلّ الذي يريده المؤذّن، لا نفي اعتبار الاستقبال.
هذا، ولا يخفى بعد المعنى الأوّل.
ومنها: ما رواه أبو بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال: إذا أذّنت في الطريق أو في بيتك، ثمّ أقمت في المسجد أجزأك(4).
ومقتضاها نفي اعتبار الاستقرار، ولكنّ الرواية لم تصدر لبيان ذلك،
- (1) وسائل الشيعة 4: 18ـ22، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، ب3 و 4; وج10: 233ـ237، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، ب29.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 183، ح866; وعنه وسائل الشيعة 5: 401، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح1.
- (3) الفقيه 1: 183، ح867; وعنه وسائل الشيعة 5: 402، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح2.
- (4) الفقيه 1: 189، ح901; وعنه وسائل الشيعة 5: 402، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح3.
(الصفحة 548)
بل المقصود منها عدم اعتبار اتّصال الأذان بالإقامة، كما لا يخفى.
ومنها: رواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لا بأس للمسافر أن يؤذّن وهو راكب، ويقيم وهو على الأرض قائم(1).
ومنها: رواية محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): يؤذّن الرجل وهو قاعد؟ قال: نعم، ولا يقيم إلاّ وهو قائم(2).
ومنها: رواية أحمد بن محمّد، عن عبد صالح(عليه السلام) قال: يؤذّن الرجل وهو جالس، ولا يقيم إلاّ وهو قائم. وقال: تؤذّن وأنت راكب، ولا تقيم إلاّ وأنت على الأرض(3).
ومنها: رواية محمّد، عن أحدهما(عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يؤذّن وهو يمشي أو على ظهر دابّته، وعلى غير طهور؟ فقال: نعم، إذا كان التشهّد مستقبل القبلة، فلا بأس(4).
ومنها: رواية سماعة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): لا بأس أن تؤذّن راكباً أو ماشياً، أو على غير وضوء ولا تقيم وأنت راكب أو جالس إلاّ من علّة، أو تكون في أرض ملصّة(5).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 56، ح193; وعنه وسائل الشيعة 5: 402، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 56، ح194; الاستبصار 1: 302، ح1118; وعنهما وسائل الشيعة 5: 402، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح5.
- (3) الكافي 3: 305، ح16; تهذيب الأحكام 2: 56، ح195; الاستبصار 1: 302، ح1119; وعنها وسائل الشيعة 5: 402، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح6.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 56، ح196; الفقيه 1: 185، ح878; وعنهما وسائل الشيعة 5: 403، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح7.
- (5) الفقيه 1: 183، ح868; تهذيب الأحكام 2: 56، ح192; وعنهما وسائل الشيعة 5: 403، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح8; وأرض ملصّة: ذات لصوص، لسان العرب 5: 497.
(الصفحة 549)
ومنها: رواية يونس الشيباني، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له: أُؤذّن وأنا راكب؟ قال: نعم. قلت: فأُقيم وأنا راكب؟ قال: لا. قلت: فأُقيم ورجلي في الركاب؟ قال: لا. قلت: فأُقيم وأنا قاعد؟ قال: لا. قلت: فأُقيم وأنا ماش؟ قال: نعم ماش إلى الصلاة. قال: ثمّ قال: إذا أقمت الصلاة فأقم مترسّلا; فإنّك في الصلاة.
قال: قلت له: قد سألتك أُقيم وأنا ماش؟ قلت لي: نعم. فيجوز أن أمشي إلى (في خ ل) الصلاة؟ فقال: نعم، إذا دخلت من باب المسجد فكبّرت وأنت مع إمام عادل، ثمّ مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك، وإذا الإمام كبّر للركوع كنت معه في الركعة; لأنّه إن أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معه في الركوع(1).
ومنها: رواية حمران قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الأذان جالساً؟ قال(عليه السلام): لا يؤذّن جالساً إلاّ راكب أو مريض(2).
ومنها: رواية سليمان بن صالح، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش، ولا راكب، ولا مضطجع، إلاّ أن يكون مريضاً، وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة; فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة(3).
ومنها: رواية عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام) قال: سألته عن المسافر يؤذّن على راحلته؟ وإذا أراد أن يقيم أقام على الأرض؟ قال:
- (1) تهذيب الأحكام 2: 282، ح1125; وعنه وسائل الشيعة 5: 403، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح9.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 57، ح199; الاستبصار 1: 302، ح1120; وعنهما وسائل الشيعة 5: 404، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح11.
- (3) الكافي 3: 306، ح21; تهذيب الأحكام 2: 56، ح197; وعنهما وسائل الشيعة 5: 404، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح12.
(الصفحة 550)
نعم، لا بأس(1).
ومنها: رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرضا(عليه السلام) قال: تؤذّن وأنت جالس، ولا تقيم إلاّ وأنت على الأرض وأنت قائم(2).
ومنها: رواية عليّ بن جعفر في كتابه، عن أخيه(عليه السلام) قال: سألته عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابّة؟ قال: أمّا الأذان فلا بأس، وأمّا الإقامة فلا حتّى ينزل على الأرض(3).
هذه مجموع الروايات الواردة في هذا الباب، ولا يخفى أنّ مفاد أكثرها التفصيل بين الأذان والإقامة بعدم اعتبار القيام والاستقرار، والكون على الأرض فيه دونها، وبعض ما يدلّ على اعتبار القيام في الأذان إلاّ في بعض الموارد محمول على كراهته بدون القيام، لا كونه شرطاً في صحّته.
وحينئذ، فهل اللاّزم الأخذ بمقتضى هذه الروايات في باب الإقامة، والقول باعتبار هذه الاُمور كلّها في صحّتها وتحقّقها، أو أنّ ذلك من قبيل تعدّد المطلوب بالنسبة إلى الأدلّة الدالّة على استحبابها وبيان كيفيّتها; من دون أخذ شيء من ذلك فيها شرطاً أو شطراً؟
توضيح ذلك: أنّ في باب الإقامة طائفتين من الأخبار: طائفة تدلّ على استحباب الإقامة مطلقاً مع بيان حقيقتها، من دون تعرّض لشيء من هذه الاُمور أصلا، وطائفة اُخرى تدلّ على اعتبار هذه الاُمور فيها كهذه الروايات.
ومن المعلوم أنّ حمل المطلق على المقيّد مشروط بإحراز وحدة الحكم، وإلاّ
- (1) قرب الإسناد: 183، ح677; وعنه وسائل الشيعة 5: 405، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح13.
- (2) قرب الإسناد: 360، ح1289; وعنه وسائل الشيعة 5: 405، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح14.
- (3) مسائل عليّ بن جعفر: 174، ح309; وعنه وسائل الشيعة 5: 405، أبواب الأذان والإقامة، ب13، ح15.